تقارير

صمود المقاومة في غزة.. هل أعاد للحركات الإسلامية بعض حضورها؟

الحركات الإسلامية السياسية حاولت أن تستفيد من هوامش الحرية المتاحة، للمشاركة في حراك يسير أغلبه في سياق الوقوف مع القضية الفلسطينية، والتضامن مع أهل غزة..
بسبب صمود المقاومة الفلسطينية في غزة في مواجهة قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي المتوغلة في مختلف مناطق قطاع غزة منذ 7 من تشرين أول / أكتوبر الماضي، فقد باتت المقاومة الإسلامية في غزة هي المثل الأعلى الذي يحظى بمكانة عالية ومقدرة في أوساط الشعوب العربية والإسلامية بحسب مراقبين.

ووفقا لمحللين وخبراء عسكريين فإن قوى المقاومة الفلسطينية في غزة بعد مرور سبعين يوما على اندلاع العدوان ضد غزة ما زالت تتمتع بقدرات قتالية عالية، وتبلي في مواجهة قوات الاحتلال على كافة محاور القتال بلاء حسنا، وتُظهر المقاطع المصورة التي توثق عملياتها العسكرية ضد قوات الاحتلال مدى قدرتها على إحداث النكاية في قوات العدو.

وكان المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، جوناثان كونريكوس قال قبل أيام "حركة حماس لا تزال تمتلك قدرات قتالية، وقدرة على إطلاق الصواريخ"، مضيفا أن "هناك جيوبا لحماس في شمال قطاع غزة، والقتال لم ينته هناك". ولفت إلى أن "تفكيك حماس سيستغرق الكثير من الوقت والجهد".

وفي مقابل أداء المقاومة البطولي في ميادين القتال والمواجهة، تكاثرت مشاهد المجازر الدموية، والتدمير الفظيع، التي اقترفتها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين من أهل غزة، وأغلبهم من الأطفال والنساء وكبار السن، وعلى وقع العدوان الإسرائيلي الوحشي على غزة شهدت عواصم عربية وإسلامية مظاهرات شعبية غاضبة، للتنديد بالعدوان والتضامن مع الشعب الفلسطيني في غزة، والمطالبة بالوقف الفوري للعدوان.

الحركات الإسلامية السياسية كانت حاضرة في تنظيم كثير من تلك المظاهرات والفعاليات، والمشاركة الفاعلة فيها، أداء لواجب نصرة أهل غزة والتضامن معهم، واستثمارا للهوامش المتاحة على خلفية العدوان الوحشي، وهو ما يشكل، حسب مراقبين فرصة سانحة لإعادة ترميم وجودها وحضورها بعد ما كابدته من إجراءات المضايقة والحصار والملاحقة في مرحلة ما بعد الربيع العربي.

الأكاديمي الموريتاني، أستاذ الشؤون الدولية بجامعة قطر، الدكتور محمد الشنقيطي رأى أن تداعيات عملية طوفان الأقصى، وما تتعرض له غزة من عدوان إسرائيلي "يشكل بالفعل فرصة سانحة للقوى السياسية الإسلامية بكل أطيافها لتجديد مسيرتها، ونفض غبار الضعف عن نفسها، وتجاوز العوائق التي وضعتها في وجهها الثورة المضادة".


                      محمد المختار الشنقيطي.. أستاذ العلاقات الدولية بجامعة قطر

وقال في حديثه لـ"عربي21": "يجب أن لا ننسى أن الربيع العربي تفجّر بعد حرب غزة الأولى، وأن الشحن النفسي والوجداني والسياسي القادم من فلسطين يمد القوى الإسلامية في المنطقة بطاقة هائلة يمكن استثمارها في معركة التغيير" مستدركا بالقول: "لكن يبدو لي أن بعض الحركات الإسلامية فقدت روح المبادرة بكل أسف".

وعن استثمار الحركات الإسلامية السياسية لهوامش الحرية والحركة المتاحة للحراكات الشعبية المتواصلة، فقد لفت الشنقيطي إلى أن "غالب الاستثمار كان إعلاميا لا ميدانيا، والإعلام بلا ريب مهم، لكن الحراك الميداني الفعال هو الذي يخفف عن أهل غزة، وهو الذي يهز قواعد الاستبداد وقوى الثورة المضادة، وهو الذي يجعل القوى الغربية تتوجس خيفة على نفوذها الاستعماري المتهالك".

وأضاف: "توجد لدى الحركات الإسلامية برامج وخطط كثيرة لنصرة أهل غزة، لكنها لا تصل إلى حد الاستثمار الاستراتيجي الذي يسعى لقلب المعادلة الشاملة في الإقليم"، مبديا ملاحظته أن "وعي الجماهير يخطو بسرعة فائقة نحو الهدف، بهذه الحركات أو بدونها" على حد قوله.

من جهته لفت الباحث الأردني في شؤون الحركات الإسلامية، الدكتور غازي العواودة إلى أن "الحركات الإسلامية بوجه عام، والإخوان المسلمين بوجه خاص موجودة بشكلها التنظيمي والحركي والميداني، وإن كانت تعاني من حالة حصار من بعض الأنظمة العربية والإسلامية بفعل خوفها من انعكاس الربيع العربي على أنظمتها، أو لانصياعها لمتطلبات دولية وصهيونية في تجريمها ومنعها ووضعها على قوائم الإرهاب".


                                    غازي العواودي.. باحث في شؤون الحركات الإسلامية

وأضاف: "ومع ذلك فقد شكّل صعود المقاومة في فلسطين دافعا كبيرا لمزيد من الحضور والتفاعل مع الناس والنخب والجماهير في حراكاتها ومسيراتها وتظاهراتها وعقد الندوات والمحاضرات دعما للمقاومة أولا، ورفعا لشأنها وما قدمته من تضحيات، وهي تشكل أنموذجا مثاليا لما يسمى حركات الإسلام السياسي في مقاومة المحتل الصهيوني ثانيا".

وتابع لـ"عربي21": "لقد أعاد صمود المقاومة في فلسطين الروح للحركات الإسلامية في العالم حيث قدمت النموذج الذي أكّد على الغاية الأسمى في قتال الصهاينة، ورفع راية الأقصى الجريح في كل حرب، وأهمية الروح المعنوية للحركات وهي تجديد الأمل وقتل اليأس والإحباط لدى أفراد الحركات، ولدى الشعوب العربية والإسلامية".

ونبّه إلى أن "هذه الحرب بصمود المقاومة فيها صمودا عجزت عنه دول، دفعت الناس للقناعة بصحة غايات ومناهج ورؤى الحركات الإسلامية، ورفعت قدرها عند المبغضين والحاسدين والمنافسين قبل المحبين فأصبحت موضع الاهتمام والمراجعة والسير معها في مواكب دعم المقاومة وفعالياتها المختلفة".

وردا على سؤال حول مشاركة الحركات الإسلامية في فعاليات نصرة غزة، واستثمارها للمناخات المتاحة في استعادة وجودها وحضورها، أوضح العواودة أن "الحركات الإسلامية كانت في قلب تلك الحراكات والفعاليات، بمختلف صورها وأشكالها، مسيرات وتظاهرات، ومحاضرات وندوات، وتقديم الدعم المالي والإغاثي والإعلامي".

وأردف: "وأقامت صلوات القيام والتهجد الجماعي والفردي، وأحيت سنة دعا القنوت، والدعاء للمقاومة، وحثت أفرادها والناس على التبرع بالمال للجهاد والمجاهدين وتنظيم حملات الإغاثة في كثير من الدول العربية والإسلامية"، داعيا إلى "دراسة هذه الحرب واستخلاص العبر والدروس منها بعد انتهائها، فهي تشكل بحق ملحمة بطولية ثبتت فيها المقاومة ثباتا أسطوريا، في مواجهة أقوى جيوش المنطقة وأكثرها تسليحا وإعدادا، بكل إمداداته المفتوحة من أمريكا ودول أوروبية عديدة".

وفي ذات الإطار أوضح الباحث في العلاقات الدولية، بشار الشلبي أن أي "تغير في المنطقة يتعلق بتحولات عميقة، ومنها صعود المقاومة سيؤثر بالضرورة على الحركات الإسلامية السياسية، وهو مرتبط بأمور عدة، من أهمها نتائج المعركة الحالية التي تخوضها المقاومة ضد الاحتلال على غزة".


                                         بشار الشلبي.. باحث في العلاقات الدولية

وأضاف: "لكن لا بد من الانتباه إلى أهمية القراءة الموضوعية لهذه القضية، كما في غيرها من المحطات الصعبة منذ الربيع العربي إلى الآن، وتستند إلى حقيقة موازين القوى والتأثير في العالم، بحيث تأخذ هذه القراءة شكلا من أشكال إنضاج رؤية حركات الإسلام السياسي لواقع المنطقة، ولطرق إحداث التغيير فيها، وتحقيق الأهداف، فهي في المحصلة قراءة بهدف الإنضاج والاستفادة من مجمل التغيرات في المنطقة، والتي ما زالت تتحرك ولم تستقر على حال".

وردا على سؤال "عربي21" حول تفاعل حركات الإسلام السياسي مع معركة طوفان الأقصى والعدوان الوحشي على غزة، واستثمارها للحدث لاستعادة بعض حضورها، قال الشلبي: "مشاركة حركات الإسلام السياسي في الحراكات الشعبية المتضامنة مع غزة محكوم بهوامش الحرية المتاحة، مع بعض التحركات التي يمكن اعتبارها توسعة للهامش، وقد يكون الحضور الأكثر لهذا المثال في الأردن، لما له من خصوصية مختلفة، تتعلق بموقعه وعلاقته التاريخية بالقضية الفلسطينية، وما إلى ذلك".

وتابع: "وبالعموم فإن الحركات الإسلامية السياسية حاولت أن تستفيد من هوامش الحرية المتاحة، للمشاركة في حراك يسير أغلبه في سياق الوقوف مع القضية الفلسطينية، والتضامن مع أهل غزة، والتنديد بالعدوان الوحشي على غزة، والدعوة إلى مناصرتهم، وليس في سياق داخلي".

وعن مدى "استفادة حركات الإسلام السياسي من المحطات المختلفة، وقراءتها قراءة موضوعية، تثمر باتجاه التغيير في الأساليب والأدوات وفي الخطاب كذلك"، فقد لاحظ الشلبي "أنه وباستقراء سريع وبسيط يمكن القول أن تلك الحركات ما زالت بحاجة إلى صيغة مؤسسية تستثمر فيها، بعد قراءتها قراءة موضوعية، ينتج عنها فوائد حقيقية، لأن أغلب القراءات ما زالت قراءة فردية، وفي إطار محدود".

ودعا إلى "ضرورة قراءة الحدث الحالي بكل مقدماته وما سيسفر عنه من نتائج، بصفته تحولا عميقا وجذريا في منظومة العلاقات الدولية والإقليمية، وليس فيما يتعلق بحركات الإسلام السياسي وغيرها من الحركات، والدولة القطرية فقط، ما يعني ضرورة أن تعيد حركات الإسلام السياسي تموضعها بناء على التغيرات المحتملة بعد أن تخمد نيران الحرب المشتعلة حاليا، إذ يبدو أن مقولة (ما بعد 7 أكتوبر ليس كما كان قبله) المتداولة صحيحة إلى حد كبير".