صحافة دولية

إيكونوميست: هل سترد "إسرائيل" على إيران أم ستتراجع؟

مقاتلة للاحتلال في قاعدة جوية جنوب فلسطين المحتلة- جيتي
طرحت صحيفة الإيكونوميست تساؤلات بشأن احتمالية رد الاحتلال على الضربة الإيرانية، أم أنها ستتراجع، في ظل التحذيرات الأمريكية من احتمالية اشتعال المنطقة.

وقالت الصحيفة، في تقرير ترجمته "عربي21"، إن الرئيس الأمريكي جو بايدن حث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على أن يعتبر ما حدث نصرا ويكتفي به في أعقاب الهجوم الإيراني الضخم، وذلك وفقا لموقع أكسيوس الإخباري الأمريكي.

ووفقا لمسؤولين إسرائيليين، فقد تم اعتراض نحو 99 بالمئة من الأسلحة الإيرانية البالغ عددها 300 أو أكثر التي تم إطلاقها على إسرائيل بنجاح.

وقال بايدن إن إسرائيل "أظهرت قدرة رائعة على الدفاع ضد الهجمات غير المسبوقة وهزيمتها".

وأوضحت الصحيفة أنه وراء تحيات بايدن تكمن رغبة أمريكا في تجنب الانتقام الإسرائيلي، الذي قد يؤدي إلى تصعيد إقليمي مرعب، وجر واشنطن إلى عمق أعمق في الشرق الأوسط، ولكن بعد المواجهة بين الدولتين وبين القوتين العسكريتين الرئيسيتين في المنطقة، قد لا تكون الأمور بهذه البساطة. تشعر إسرائيل بالقلق من أن قوتها الرادعة قد تلقت ضربة، وقد تشعر أنها مضطرة للرد من الناحية المثالية، دون إبعاد مجموعة الدول العربية والغربية التي ساعدت في الدفاع عنها.

وفي 14 من نيسان/ أبريل الماضي، كانت حكومة الحرب التابعة لها تتصارع مع هذه المعضلة. ويعيد هذا الهجوم رسم قواعد الردع في المنطقة، ويظهر كيف سيكون لأمريكا دور حيوي في أي جهد إقليمي لاحتواء إيران.

بعد ستة أشهر مرهقة من الحرب في غزة، أصبحت الرغبة المباشرة لدى أغلب الأطراف تجنب حرب إقليمية شاملة. أبلغت أمريكا إسرائيل أنها لن تنضم إلى أي هجوم تشنه إسرائيل على إيران. ويخشى المستثمرون أن يؤدي المزيد من القتال إلى ارتفاع كبير في أسعار النفط. وحتى إيران ألمحت إلى أنها مستعدة للانسحاب من الاتفاق. وورد في تغريدة من بِعثتها لدى الأمم المتحدة أنه "يمكن اعتبار الأمر منتهيا". مع ذلك، فقد حذرت أيضا من رد فعل "أشد بكثير" إذا اتخذت إسرائيل إجراء، وأن "الولايات المتحدة يجب أن تبقى بعيدا".

وأشارت الصحيفة إلى أن هناك سابقة للتوقف الإسرائيلي في مواجهة هجوم صاروخي مباشر. ففي سنة 1991، أطلق العراق العشرات من صواريخ سكود على إسرائيل والسعودية خلال عاصفة الصحراء، وهو الهجوم الذي قادته الولايات المتحدة لطرد القوات العراقية التي كانت تحتل الكويت. وعلى غير العادة، لم ينتقم إسحق شامير، رئيس الوزراء، إذ خضع للضغوط الأمريكية.

وكانت ضربات صواريخ سكود غير الدقيقة التي أطلقها صدام حسين بمثابة استفزاز يهدف إلى جر إسرائيل إلى الحرب، وتقويض الدعم العربي للتحالف الأمريكي. لقد أطلق حوالي 40 صاروخا برؤوس حربية تقليدية، ما تسبب في أضرار محدودة في إسرائيل، حيث سجل معظم القتلى البالغ عددهم عشرات بسبب النوبات القلبية والاستخدام غير الصحيح لأقنعة الغاز.


ولفتت الصحيفة إلى أنه بلا شك فهذه الحادثة مألوفة بالنسبة لنتنياهو، الذي كان نائبا لوزير الخارجية في حكومة شامير التي يقودها الليكود، والذي أصبح مشهورا بإجرائه مقابلة تلفزيونية وهو يرتدي قناع غاز في سنة 1991. لكن المقارنة لا تذهب إلى أبعد من ذلك.

وخلافا للعراق، فإن إيران ليست في حالة حرب مع جيش حليف. إن الضربات الإيرانية المباشرة بالطائرات المسيرة والصواريخ على إسرائيل هي تتويج لحرب شبه سرية استمرت لعقود من الزمن وتحولت إلى علنية بشكل خطير. لا تدعم إيران حماس فحسب، بل تدعم شبكة من المليشيات في العراق وسوريا ولبنان واليمن، المعروفة باسم "محور المقاومة".

وخلصت التحقيقات بعد سنة 1991 إلى أن معدل اعتراض نسخة سابقة من بطاريات باتريوت الأمريكية المرسلة إلى إسرائيل ربما كان أقل من 10 بالمئة. ومن ناحية أخرى، فإن التهديد الصاروخي أكبر بكثير؛ إذ تمتلك إيران وحلفاؤها الآن مئات الآلاف من الصواريخ والقذائف الصاروخية من مختلف الأنواع. وفكرة إمكانية إطلاقها على إسرائيل دون رد قد تكون غير مقبولة بالنسبة لإسرائيل.

وأشارت الصحيفة إلى أن استراتيجية نتنياهو تتلون بجهوده اليائسة للبقاء في السلطة في مواجهة عدم الشعبية على نطاق واسع. فقد دفع شركاؤه في الائتلاف اليميني المتطرف إلى شن حرب طويلة الأمد لتدمير حماس في غزة، ويطالبونه الآن باتخاذ إجراءات ضد إيران.

وفي لبنان وأماكن أخرى، كثيرا ما ردت إسرائيل على الموقع المحدد الذي كان المصدر الأصلي لإطلاق النار وضد كبار القادة. وربما تكون الأهداف المحتملة في إيران مختلفة: تخصيب اليورانيوم الإيراني والمنشآت النووية الأخرى التي كانت في مرمى البصر منذ فترة طويلة، وقواعد الحرس الثوري الإسلامي، أو ربما مرافق لصنع الطائرات المسيرة والصواريخ.

بينت الصحيفة أن الهجمات أظهرت كيف يعتمد أمن إسرائيل الواسع على دول أخرى أقل حرصا على التصعيد. أسقطت القوات الأمريكية والبريطانية والفرنسية العديد من الصواريخ والطائرات المسيرة قبل وصولها إلى إسرائيل. وساعد الأردن أيضا، حيث دمر الأسلحة الإيرانية في مجاله الجوي، وربما شاركت دول عربية أخرى بشكل غير مباشر. وقامت الدفاعات الجوية الإسرائيلية، التي تم تطويرها بمساعدة أمريكية واسعة النطاق، بالباقي.

وعندما يتعلق الأمر بمهاجمة إيران، فإن إسرائيل تمتلك الطائرات وناقلات التزود بالوقود المطلوبة، ناهيك عن الطائرات المسيرة والصواريخ والغواصات، لكن كلما زادت المساعدة التي تحصل عليها من الولايات المتحدة، زادت قوة الضربة التي يمكن أن توجهها. فعلى سبيل المثال، من الأفضل أن يتم دعم الطائرات الإسرائيلية بقدرات البحث والإنقاذ الأمريكية لمساعدة أي طيار يتم إسقاطه.

وذكرت الصحيفة أنه يتعين على نتنياهو أن يقيس مدى الضغط الذي يمكنه أن يفرضه على العلاقات مع أمريكا، الحامية الحيوية لإسرائيل. وهو يعلم أن خسارة شامير للانتخابات في سنة 1992 ترجع جزئيا إلى تدهور العلاقات مع أمريكا بسبب بناء المستوطنات.

لقد أدت الضربات الإيرانية حتى الآن إلى رأب الصدع بين بايدن ونتنياهو، اللذين كانا على خلاف بشأن سلوك إسرائيل في الحرب في غزة، لكن الانتقام الكبير من شأنه أن يعرض ذلك للخطر. ومن خلال جلب إسرائيل إلى منطقة مسؤولية القيادة المركزية، كانت أمريكا تعمل على دمج الدفاعات الجوية في المنطقة. لكن الدول العربية لا ترغب في التورط في حرب بين إيران التي تخشاها، وإسرائيل التي لا تستطيع دعمها علنا. كما رفض رئيس الوزراء البريطاني، ريشي سوناك، الانتقام، قائلا: "لا أحد يريد رؤية المزيد من إراقة الدماء".

وحسب الصحيفة، لا يريد بايدن تقويض الاحتمال الصعب بالفعل المتمثل في محاولة تأمين وقف إطلاق نار قصير الأمد في غزة، وتبادل الأسرى، ومن الناحية المثالية، بداية عملية سياسية من شأنها أن تقترن باتفاق التطبيع السعودي مع إسرائيل، مع المضي في إقامة الدولة الفلسطينية، وفي سنة 1991 كانت أمريكا في أوج قوتها بعد نهاية الحرب الباردة، وعلى النقيض من ذلك، حاول بايدن تخليص أمريكا من مشاكل الشرق الأوسط، ووجد ذلك مستحيلا.