ملفات وتقارير

تحول كبير بعد "طوفان الأقصى".. ماذا يعني الاعتراف الدولي بفلسطين؟

تحظى فلسطين بصفة دولة مراقبة غير عضو في الأمم المتحدة منذ 2012 - إكس
أعادت معركة طوفان الأقصى القضية الفلسطينية إلى الساحة الدولية من جديد بعد سنوات من الصمت الدولي، وكأن شيئا لم يكن، منذ الاعتراف بدولة الاحتلال الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية عام 1948.

ومنذ السابع من تشرين الأول / أكتوبر 2023 تشن حكومة الاحتلال الإسرائيلي حربا مدمرة على قطاع غزة راح ضحيتها أكثر من 35 ألف شهيد، معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ، غير آلاف المصابين والمفقودين، فيما تدمرت البنية التحتية للقطاع بشكل كامل، في حين يمارس الاحتلال حرب تجويع لسكان القطاع بالكامل.

وبات اعتراف بعض الدول بدولة فلسطين خبرا يتصدر المشهد في حدث غاب عن الأجيال الحالية حتى بما فيهم أبناء وأحفاد المستوطنين الذين هجروا من بلادهم الأصلية للاستيطان بالأراضي الفلسطينية، وربما تشهد الأيام القادمة اعتراف عدد من الدول الأوروبية بالدولة الفلسطينية على رأسها إسبانيا، التي أعلنت وصرحت مرارا وتكرارا باستعدادها للاعتراف بدولة فلسطين إلا أنها لم تحدد موعد الاعتراف.



البداية من إسبانيا
 ورغم دعم دول الاتحاد الأوروبي للاحتلال الإسرائيلي، إلا أن إسبانيا كانت من الدول الأولى التي أعلنت استعدادها للاعتراف بدولة فلسطين أملا في إيجاد حل لأقدم احتلال في العالم وانتهاء الأزمة بإعلان حل الدولتين، حين صرح رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز في نيسان / إبريل الماضي جاهزية بلاده للاعتراف بالدولة الفلسطينية، في إحاطة للبرلمان حول جولته في الشرق الأوسط والموقف الإسباني المتعلق بنية مدريد الاعتراف بفلسطين كدولة مشيرا إلى أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية مصلحة جيوسياسية لأوروبا.

ووافقت إسبانيا على اتخاذ الخطوات الأولى نحو الاعتراف بدولة فلسطينية، بالتعاون مع زعماء آخرين من أيرلندا ومالطا وسلوفينيا، وفق ما أعلن سانشيز، في الوقت الذي تشهد فيه المدن الإسبانية تظاهرات مستمرة داعمة لفلسطين ومطالبة بإنهاء حرب الإبادة على غزة ووقف إطلاق النار الفوري، كما تطالب الحكومة الإسبانية والمجتمع الدولي بـ "اتخاذ إجراءات عاجلة وملموسة وفعالة ضد إسرائيل، ووقف تجارة السلاح معها، ومقاطعة الشركات المشاركة في المجزرة".

إسبانيا التي لم تحدد موعد الاعتراف إلا أن بعض التسريبات الصحفية التي أعلن خلالها أن الاعتراف قد يكون في حزيران / يونيو المقبل، لم تدخر جهدا في إقناع دول أخرى بوجهة نظرها في طريق اعترافها بدولة فلسطين، حيث وافقت دول عربية والاتحاد الأوروبي خلال اجتماع في إسبانيا في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي على أن حل الدولتين هو السبيل لحل القضية الفلسطينية.

ويواصل رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز جهوده لحشد الدعم من أجل الاعتراف بدولة فلسطينية، وقال إن هناك "مؤشرات واضحة" في أوروبا إلى أن دول القارة مستعدة لاتخاذ هذه الخطوة.



مسؤول أوروبي يعلن موعد اعتراف إسبانيا
كشف الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، الموعد المنتظر لاعتراف إسبانيا بدولة فلسطين، مؤكدا أن الحكومة الإسبانية ستأخذ قرارها في 21 أيار / مايو الجاري، نقلا عن وزير خارجية إسبانيا خوسيه مانويل ألباريس.

وأكد المسؤول الأوروبي أنّ دولا أوروبية مثل مالطا وأيرلندا وسلوفينيا والنرويج في طريقها للاعتراف بدولة فلسطين، دعما للمبادرة، التي تقودها إسبانيا، علما بأنها ليست التجربة الأولى للاعتراف بدولة فلسطين، حيث يعترف بها حاليًا 8 أعضاء في الاتحاد الأوروبي، وهي بلغاريا وبولندا والتشيك ورومانيا وسلوفاكيا والمجر وإدارة جنوب قبرص الرومية والسويد.



الأمم المتحدة تعترف
محاولات دول أوروبا على رأسها إسبانيا لم تكن الوحيدة، في تلك الآونة، ففي العاشر من أيار/ مايو الجاري، صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة، بغالبية كبرى تأييداً لطلب عضوية فلسطين بصورة كاملة، الأمر الذي عطله "الفيتو" من الولايات المتحدة بمجلس الأمن، حيث حصد القرار تأييد 143 عضواً مقابل اعتراض 9 أعضاء وامتناع 25 عن التصويت، مع توصية لمجلس الأمن بإعادة النظر في الأمر بصورة إيجابية.

القرار رغم عدم جدواه واقعيا إذ اعتبره البعض أنه تصويت "رمزي" يعلن من خلاله أن فلسطين أصبحت مؤهلة للانضمام للأمم المتحدة، القرار الذي يعطله "فيتو" أمريكا في مجلس الأمن، إلا أنه يعد انتصارا كبيرا للقضية الفلسطينية وتسببت فيه معركة طوفان الأقصى، خطوة تشير إلى حضور القضية الفلسطينية من جديد وبشكل قوي في المحافل والمؤسسات الدولية بعد فترة طويلة من التغييب والتجاهل في ظل محاولات التصفية لحقوق الشعب الفلسطيني.





 "أوسلو" وخدعة أمريكا
وتحظى دولة فلسطين بصفة دولة مراقبة غير عضو في الأمم المتحدة منذ تشرين الثاني/ نوفمبر 2012 بعد طلب قدمته السلطة الفلسطينية إلى الأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر 2011، إلا أن التصويت الأخير أعاد الكرة من جديد لملعب مجلس الأمن الذي رفض الموافقة على الاعتراف بدولة فلسطين رغم موافقة 12 عضواً بسبب "الفيتو" الأمريكي، الذي فضح مزاعم أمريكا في تنفيذ خطتها منذ اتفاقية أسلو 1993 بالتمهيد للاعتراف بدولة فلسطين خلال 5 سنوات وقد عبَّرت الولايات المتحدة عن استعدادها لتكرار رفع بطاقة "الفيتو" في مجلس الأمن ضد أي اقتراح جديد.

ولا يمكن لأي دولة أن تنضم إلى الأمم المتحدة إلا بموافقة مجلس الأمن والجمعية العامة، ولذلك يصطدم القرار بالبنية غير العادلة لمجلس الأمن التي تجعل 5 دول تقرر عن بقية دول العالم، فالولايات المتحدة تعارض الاعتراف بدولة فلسطين في إطار الأمم المتحدة لأنها تعدّه خارج إطار التفاوض بين الفلسطينيين ودولة الاحتلال الإسرائيلي.

وفي يوم 13 أيلول/ سبتمبر 1993 ذهب الفلسطينيون والمستوطنون لاتفاق أوسلو، بما يضمن حقوقهم المشروعة، وبحسب قرارات مجلس الأمن رقمي (242 و338) أفضى الاتفاق لحل مرحلي انتقالي مدته 5 سنوات تقوم على أساسه سلطة حكم ذاتي تنتهي لدولة فلسطينية على حدود 1967.






ماذا يعني الاعتراف الدولي بفلسطين؟
الاعتراف بالدولة هو التسليم من جانب الدول القائمة بوجود هذه الدولة وقبولها كعضو في الجماعة الدولية، وهو إجراء مستقل عن نشأة الدولة، وتكمن أهميته في أن الدولة لا تتمكن من ممارسة سيادتها في مواجهة الدول الأخرى ومباشرة حقوقها داخل الجماعة الدولية إلا إذا اعترفت هذه الجماعة بوجودها.

الاعتراف يخلق الشخصية الدولية للدولة الجديدة ودون الاعتراف لا تكون لإعمالها أي صحة أو نفاذ قانوني، والاعتراف الدولي بفلسطين يعني أن فلسطين من حقها بموجب القانون الدولي أن تصبح طرفاً في اتفاقية فيينا، وتتبادل التمثيل الدبلوماسي والقنصلي مع الآخرين بحرية تامة، الأمر الذي يعطي حصانة وامتيازات لبعثاتها ودبلوماسيتها في كافة دول العالم.

كما أن الاعتراف بفلسطين له أهمية كبيرة على صعيد القضاء الدولي، سواء قضاء محكمة العدل الدولية أو المحاكم الجنائية الدولية، بمعنى أن فلسطين تستطيع أن تقيم دعاوى أمام محكمة العدل الدولية فيما يتعلق ببعض القضايا مثل الاستيطان والجدار الفاصل والمياه والحدود وقضايا اللاجئين.

والاعتراف الدولي بفلسطين يبين وجود تحول كبير مع مواقف بعض الدول مثل دول الاتحاد الأوروبي وتأثير مواقف بعض الدول مثل الدول الإسلامية والعربية ودول الاتحاد الأفريقي ودول أمريكا اللاتينية، وهذا يشكل رسالة واضحة وذات دلالات كبيرة للدول العربية مفادها أن تجاهل أفريقيا وأمريكا من قبل العالم العربي كان ولا يزال خطأ كبيرا يصل لحد الخطيئة.

ويسهل الاعتراف الدولي بفلسطين الطريق أمام بعض الخطوات من أجل استكمال الإجراءات الخاصة بالاستقلال التام مثل إصدار الجنسية أو العملة الفلسطينية وإصدار جواز السفر الخاص برعاياها المعترف به دولياً بدلاً من الوثيقة المعمول بها حالياً.

خبراء ومختصون أكدوا في حديثهم لـ" عربي21" أن الاعتراف بدولة فلسطين رغم أنه رمزي ولكنه خطوة مهمة في مسار القضية الفلسطينية.


حق العودة
من جانبه قال مدير مركز دراسات الإسلام والشؤون العالمية بجامعة صباح الدين زعيم بإسطنبول، سامي العريان، إن الاعتراف بدولة فلسطين سواء من قبل بعض الدول الأوروبية كإسبانيا ومالطا وأيرلندا وسلوفينيا أو خلال الجلسة العامة للأمم المتحدة، مهم من الناحية المعنوية والرمزية، ولكن على المستوى الفعلي والعملي لن تكون هناك دولة فلسطين، حيث ستمارس الولايات المتحدة الأمريكية حق الفيتو لمنع قيام الدولة.

وأضاف العريان في تصريحات خاصة لـ "عربي21" أن التصور ليس في إقامة دولة من عدمه لكن أمريكا تنظر للأمر بصفته ضد المصلحة الصهيونية في الاستعمار واحتلال أرض فلسطين كاملة، وأن المطلوب فعليا هو تفكيك النظام العنصري الصهيوني والاعتراف بحق العودة الذي لا يُذكر في قرار الاعتراف ولا يتم التصويت عليه.

وأشار مدير مركز دراسات الإسلام والشؤون العالمية بجامعة صباح الدين زعيم بإسطنبول، إلى أن حق العودة هو مطلب شرعي وتاريخي وقانوني ويعيد العدل وأنه نقطة مفصلية في قرار الاعتراف بدولة فلسطين، وأن قرار الاعتراف أو زيادة عدد الدول المعترفة بدولة فلسطين هي مسألة رمزية ومعنوية مهمة ولكنها ليست حلا جذريا للقضية الفلسطينية.



اعتراف منقوص
الأمر لن يذهب بعيدا مع الخبير بالشؤون الأوروبية والدولية حسام شاكر، الذي أكد أن الاعتراف بدولة فلسطين سواء من بعض الدول الأوروبية أو خلال جلسة التصويت في الأمم المتحدة هو اعتراف مهم من الناحية المعنوية والرمزية، ولكن الأهم في الموضوع هو نوعية الاعتراف، ولكن هناك مكاسب قانونية ورمزية نسبية وليست مطلقة.

وأضاف شاكر في تصريحات خاصة لـ "عربي21" أن الاعتراف بدولة فلسطين من بعض الدول موجود منذ سنوات، لكن مع هذا الاعتراف نجد انحياز تلك الدول في علاقتها الخارجية لدولة الاحتلال الإسرائيلي ولا تهتم بحقوق الشعب الفلسطيني ومساعدته في إنهاء حالة الاستعمار والاحتلال.

وأشار الخبير بالشؤون الأوروبية والدولية إلى أن الإشكالية في هذا الاعتراف أنه خطوة منقوصة لتحرر فلسطين من الاحتلال، فلا بد أن يكون الاعتراف ضد الاحتلال ويؤيد حق الشعب الفلسطيني عمليا، ويمحي الفجوة بين اعتراف تلك الدول بدولة فلسطين وبين انحيازهم وعلاقتهم الخارجية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، وأن مشروع الدولتين في واقع الحال يقيد الدولة الفلسطينية في الحصول على حقوقها وحقوق شعبها.



يضغط على الاحتلال
ومن ناحية أخرى يرى رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني (حشد) صلاح عبد العاطي أن قرار الاعتراف بدولة فلسطين خلال تصويت الأمم المتحدة أو من خلال الاعتراف الدولي من بعض الدول هو خطوة قانونية مميزة تزيد من حماية الشعب الفلسطيني وتؤثر على انضمام بعض الدول الأخرى للاعتراف بدولة فلسطين.

وأضاف عبد العاطي في تصريحات خاصة لـ" عربي21" أن الاعتراف حتى وإن كان رمزيا إلا أنه خطوة مهمة في سبيل حماية حل الدولتين ويضغط على الاحتلال الإسرائيلي لإنهاء احتلال الأراضي الفلسطينية، مشيرا إلى أن القرار فردي وينفذ بمجرد أن تتخذه الدولة ويدعم حقوق الشعب الفلسطيني قانونيا على أرضه.