ملفات وتقارير

"الثورة" على الفساد مطلب شعبي في الجزائر

الجزائر
طالبت هيئة مدنية مستقلة مختصة في محاربة الفساد في الجزائر، الإعلاميين وأعضاء المجتمع المدني، بـ"اغتنام مناسبة اليوم العالمي لمكافحة الفساد المصادف للتاسع من كانون الأول/ ديسمبر، للتنديد باستفحال فضائح الفساد والرشوة".

دعت، "الجمعية الجزائرية لمكافحة الفساد" المستقلة، السبت، وهي هيئة ممثلة لمنظمة "الشفافية الدولية" في الجزائر، إلى "عدم السكوت أمام تنامي قضايا الرشوة و الفساد"، متوجهة بنداء إلى الأسرة الإعلامية والمنظمات المدنية، من أجل تشكيل "جبهة مضادة للفساد وكشف المفسدين".

   واغتنمت الهيئة التي يرأسها، جيلالي حجاج، مناسبة اليوم العالمي لمكافحة الفساد، لإطلاق ندائها، بعدما وصفته بـ"تضييق السلطات الخناق على حاملي شعار مكافحة الفساد من التنظيمات المدنية المستقلة، وعدم إشراك فعاليات المجتمع المدني في محاربة الرشوة والفساد".

  وتحتفل الجزائر باليوم العالمي لمكافحة الفساد، بـ"طعم مر" إثر تذيُّلها الترتيب ضمن مؤشر "الشفافية الدولية" الوارد في تقرير المنظمة، الاثنين الماضي، حيث احتلت الجزائر المرتبة الـ 94 في سلم يتكون من 177 دولة، كما وردت في الرتبة العاشرة في سلم الدول العربية المكون من 18 دولة، والرتبة الـ24 إفريقيّا في سلم يتألف من 54 دولة.

وقال جيلالي حجاج، لموقع "عربي21"، إن التصنيف الجديد للجزائر ضمن مؤشر الدول المنتشر فيها الفساد "لم يفاجئنا". وأضاف: "ترتيب الجزائر غير مشرف"، وأكدت تقارير كثيرة النتائج نفسها.

  وطغى في الساحة السياسية والوطنية في الجزائر منذ أكثر من عام ونصف، جدل واسع، بخصوص استفحال قضايا الفساد، خاصة بعد تفجير الصحافة الإيطالية في كانون الثاني/ يناير، قضايا فساد تورط فيها الوزير السابق للطاقة والمناجم شكيب خليل، بالإضافة إلى مديري الشركة الوطنية للمحروقات (سونطراك) كبرى شركات النفط على المستوى الإفريقي.

  وأصدر مجلس قضاء الجزائر في 12 آب/ أغسطس، مذكرة توقيف دولية، في حق شكيب خليل المتواجد بالولايات المتحدة الأمريكية. لكن الشرطة الدولية (الإنتربول) لم تضع اسمه ضمن لائحة المبحوث عنهم. بينما أكد الأخضر بن خلاف النائب البرلماني، المشتغل على ملف ما سمي بفضيحة"سونطراك" أكد لـ "عربي21"  أن "خطأ إجرائيا ورد في مذكرة التوقيف المرسلة إلى الإنتربول، حال دون مباشرة الشرطة الدولية إجراءاتها في حق المتهم".
   
وانتقد  رئيس النقابة الوطنية للقضاة، جمال عيدوني، في مؤتمر صحفي، السبت، الجمعيات والتنظيمات التي تنشط في مجال مكافحة الفساد والرشوة، وقال إنها "تخدم أجندات سياسية خارجية، وتريد بيع الجزائر في الصالونات والقصور الأجنبية". وتابع  "سكتنا كثيرا، لكن هذا لا يعني أننا خائفون، وسنقاضي كل من يتهم القضاء بالرشوة والفساد". وكان عيدوني يرد على رئيس الجمعية الجزائرية لمكافحة الفساد التي انتقدت العدالة لبطء معالجتها قضايا الفساد، وبخاصة ما تعلق بفضائح "سونطراك".

وأوضح عيدوني أنّ "هناك مؤسسات كثيرة تغرق في الفساد ولا أحد يتحدث عنها". واسترسل قائلا: "ابحثوا عن الفساد والفاسدين والمرتشين في منبعه وابتعدوا عن القضاء، لأنه أنظف منكم". وتساءل: "لماذا لا يتحدث أحد عن مشاكل القضاة وأنهم لا يملكون سكنا، وعندما نطالب بتحسين ظروفنا ينظر إلينا بحقد واستهزاء".

ويتهم الوزير السابق للطاقة و المناجم، بإبرام صفقات مخالفة للقانون، بقيمة ثمانية مليارات يورو، وذلك إبان رئاسته مجلس إدارة عملاق النفط الجزائري "سونطراك". وتمت هذه الصفقات على الخصوص مع الشركة الإيطالية "سايبام" والشركة الكندية "أس أن سي لافالان".

 وأحدثت هذه الفضائح ضجة سياسية وإعلامية في الجزائر، دفعت الرئيس بوتفليقة إلى إلقاء خطاب، قرأه الوزير الأول عبد المالك سلال نيابة عنه، بمناسبة ذكرى تأميم المحروقات، في 24 شباط/ فبراير الماضي، أكد فيه أن "الدولة ستلاحق المفسدين أينما كانوا وأن القضاء سيذهب بعيدا في تحقيقاته مع الجناة".
  ويعتبر ملف الفساد في الجزائر، الملف الوحيد الذي لا تختلف المواقف بشأنه، بين الحكومة وسائر المسؤولين وبين التنظيمات المستقلة لمكافحة الفساد. لكن جوهر الخلاف يكمن في سبل محاربة الظاهرة. فبينما يركز الخطاب الرسمي على وضع آليات لمحاربة الفساد والرشوة، على غرار استحداث هيئتين تولى لهما العملية، هما "المرصد الوطني لمكافحة الفساد" و"الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد"، تنتقد المنظمات المستقلة نمط تعامل هاتين الهيئتين مع مختلف الفضائح، بحيث إنهما لم تقدما أي تقرير عن نشاطهما منذ استحداثهما عام 2011، وإلى الآن.

   ودعا فاروق قسنطيني، رئيس اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان، التابعة لرئاسة الجمهورية، الحكومة إلى "تفعيل أدوات مكافحة الفساد الذي أضر كثيرا بالاقتصاد الوطني وأساء لسمعة البلاد". لكن  وزير الطاقة و المناجم، يوسف يوسفي، أكد أنه "لا ينبغي أن تثار قضايا الفساد بشكل مبالغ فيه ويربك أداء المؤسسات وإطاراتها". 

   وترى الجمعية الجزائرية لمكافحة الفساد أن "الفساد في الجزائر بلغ مستويات خطيرة وأن الرشوة موجودة بصفة عالية داخل مؤسسات الدولة"، وترى كذلك أن "القانون الجديد للوقاية من الفساد يحمل "تراجعا"، مقارنة بما جاء في اتفاقية الأمم المتحدة التي تعد الجزائر من بين الدول الـ50 الموقعة عليها، وسجلت الجمعية وجود نوع من "التراخي" لدى السلطات العمومية في تعاملها مع هذا الملف.