كتاب عربي 21

الانقلابيون والنشطاء ونهاية شهر العسل!

1300x600
انتهي شهر العسل بأسرع ما كنت أتوقع بين النشطاء، الذين مثلوا غطاء ثورياً للثورة المضادة يوم 30 يونية الماضي، وبين قادة الانقلاب، ونعيش الآن في مرحلة تكسير عظام هؤلاء النشطاء، الذين ظنوا في لحظة ما؛ أن "الحداية" يمكن أن تلقي كتاكيت، وأن حكم الدولة العميقة، يمكن أن ينسى الثأر القديم!

الحرب لم تنته بإحالة مجموعة من النشطاء، ومن حركة السادس من أبريل وغيرها، للمحاكمة، فقد تنتهي هذه الأزمة بحكم يخلي سبيلهم، بعد أخذ تعهد غير مكتوب عليهم، بأن يلتزموا حدود الأدب، لكن أهم ما في هذه الحرب هو عملية الإبادة الإعلامية، والتي تمثلت في تسريبات لبعضهم لا يوجد فيها ما يشين، لكن جرى توظيفها، على عكس ما تحمل، وقد أعيد الحديث من جديد، عن التمويلات الأجنبية للبعض، وهو أمر من شأنه أن يفقد الثقة والاعتبار في هؤلاء الشباب.

لقد تم الترويج لقائمة بأسماء بعض النشطاء، وقيل أنهم تلقوا تمويلاً أجنبياً، من الولايات المتحدة الأمريكية بالأساس، وقال أحد الإعلاميين المقربين من دوائر الانقلاب في الداخل، وفي الخارج (الإمارات تحديداً) بأن جهات التحقيق بدأت بالفعل التحقيق في هذه القضايا، واللافت أن تحقيقات لجهات قضائية مستقلة، لا يتم الإعلان عنها من قبل هذه الجهات، ولكنها تعلن من قبل إعلامي بعينه، فلا تستشعر هذه الجهات الحرج، فترد عليه، أو تعلن حقيقة الموقف!

ملف التمويل الأجنبي، فتح في عهد المجلس العسكري، من أجل التشهير بثورة يناير، ويلاحظ أن الإعلام احتفى بنشطاء التمويل الأجنبي، وقدمهم على أنهم شباب الثورة، وأولياء أمورها، والذين كانوا يسافرون للخارج لتمثيلها، وكتبت أكثر من مرة متسائلاً عن من الذي أعطى هؤلاء الحق للحديث باسم ثورة نعلم أنها أفرزت مطالب ولم تنتج زعامات؟.. وبعض الحركات السياسية قالت منذ البداية إنها لن تشارك في مظاهرات يوم 25 يناير، بل أن واحدة مثل الناشطة إسراء عبد الفتاح أعلنتها صريحة أنها لن تشارك، ومع هذا تحولت إلى زعيمة من زعماء الثورة.

كان رأيي أن هؤلاء الشباب يمثلون الحلقة الأضعف في جسم الثورة المصرية، التي هي ثورة شعب، وأن اختزال الثورة فيهم، يسهل عملية ضربها وتشويهها، ولم يكن أحد مستعداً للاستماع إلى تحذيراتي، لدرجة أن زميلة صحفية، كانت معنا على "خط النار" في مواجهة نظام مبارك، نصحتني كتابة بترك الشباب يسعد، ويسافر، فجيلنا سافر، وشبع سفراً، ومن حق هؤلاء الشباب أن يسافروا. عندها استشعرت أن أحداً لا يقدر خطورة الموقف.

وعندما انتهى شهر العسل بين هؤلاء النشطاء والمجلس العسكري وحكومته، جرى فتح ملف التمويل الأجنبي إعلامياً في سياق التشهير بالثورة المصرية، والنظر إلى الدعم الذي قدم لبعض النشطاء، على أنه كان مساعدات أجنبية للتمهيد للثورة المصرية!

في لحظة طيش، غير مفسرة إلى الآن، قدم حكم المجلس العسكري عدداً من النشطاء غير البارزين للمحاكمة بتهمة تلقي تمويلات أجنبية، وكان معهم مجموعة من الأمريكيين، وصدر قرار قضائي بحبسهم علي ذمة التحقيق، وهنا غضب البيت الأبيض، وهبطت طائرة أمريكية في مطار القاهرة لتقل المتهمين الأمريكيين، وما لم ينشر أن هذه الطائرة كانت لديها أجهزة تشويش أوقف حركة المطار، فكان قرار تغيير القاضي الذي أصدر الحكم السابق بقاض آخر أصدر حكماً بالإفراج، وكانت فضيحة مدوية نالت من سمعة القضاء المصري، الذي يحلو للبعض أن يقدمه على أنه قضاء مستقل يعمل بمعزل عن ضغوط السلطة التنفيذية!

عندما نُقل قرار حبس المتهمين الأمريكيين علي خلفية قضية التمويل الأجنبي إلي الرئيس المعزول مبارك في محبسه، قال أنه يستبعد ان يكون المشير محمد حسين طنطاوي هو من فعلها، لأنه يعلم أن تمويل منظمات المجتمع المدني شرط لتقديم مساعدات من الجهات المانحة للحكومة المصرية!

في اعتقادي أن هذه القضية كانت بفعل الأجهزة الأمنية التي توحشت في هذه الأيام، والتي لديها عداء مع كل مكونات ثورة يناير، لذا فقد رأت في هذه القضية ما يمكنها من التشهير بهذه الثورة، من خلال تشويه بعض المحسوبين عليها، وتقديمهم للرأي العام على النحو الذي كان يروج له إعلام مبارك، على أن ثورة يناير تمت بدعم أجنبي خالص.

في فترة حكم الرئيس محمد مرسي، لم يتم استخدام ملف التمويل الأجنبي للتشهير بهؤلاء النشطاء، على الرغم من أنهم كانوا يناصبون حكمه العداء، وبعضهم تجاوز حد النقد بنوعيه المباح وغير المباح، وتحول إلى جزء من حركة البلطجة التي كانت تعتدي على الإخوان ومقارهم، ودعت إلى اقتحام القصر الجمهوري، وإسقاط الرئيس المنتخب بالقوة، إذ كانت السماحة مقدمة علي الغضب فى حكم هذا الرجل، ولا أقول هذا من باب الإشادة به، فهذا التسامح الذي كان في مواجهة الخارجين علي القانون، مثل إهانة لموقع رئيس الدولة المصرية، على يد رجل لم يميز بين الدعوة وإدارة الدولة، فحكم بالحكمة والموعظة الحسنة.

لقد جاء يوم 30 يونية، وإذا بهؤلاء النشطاء ينضمون إلى الثورة المضادة، في لحظة كاشفة عن أن إيمان كثيرين في مصر بالديمقراطية ليس حقيقياً، وأن كل الرفض السابق لحكم العسكر، كان قائماً وفق معايير " السبوبة" كما نقول في مصر، فهؤلاء الذين هتفوا من قبل ضد حكم العسكر، ها هم ينحازون للعسكر، وهؤلاء الذين طالما دافعوا عن الحريات تحولوا الى أدوات في يد الاستبداد ليزينوا له سوء عمله ليراه حسناً.

ومن المفارقات العجيبة، أن حركة السادس من أبريل جمعها اجتماع مع الرئيس المعين عدلي منصور، وطالبت بتمكينها للسفر للخارج لإقناع الغرب، لما بينه وبين الحركة من صلات، بأن ما جرى في مصر هو ثورة وليس انقلاباً، وتراجعت السلطة الجديدة عن عملية التسفير، بعد أن دب خلاف بين عناصر الحركة حول من هو الأجدر بالسفر؟، فقد كان هناك اعتراض على سفر " أحمد ماهر" باعتباره كان في وقت من الأوقات مقرباً من حكم الإخوان. ولنا أن نعلم أن الحركة تعرضت في السابق، لما يمكننا أن نطلق عليه: "فتنة السفر"، فعقب تأسيسها، وجهت السفارة الأمريكية الدعوة لإسراء عبد الفتاح لزيارة واشنطن، لكن هناك من أرسلوا للسفارة يعربون عن احتجاجهم على الدعوة على أساس أنها لا تمثل الحركة وأنهم أولى بالسفر منها، وعليه فقد وجهت السفارة الدعوة لأكثر من عضو!
منذ أن كان الانقلاب فكرة، خاطبت الشباب المحسوب على الثورة بـ " أولادي المغرر بهم"، وهي عبارة للسادات في تعامله مع شباب الجماعات الدينية التي كانت تعارضه، وكان رأيي، أن الانقلاب يريدهم لما عبرت عنه بالقول "لمسافة السكة"، فعندما يصل إلى ما يريد سوف يتخلص منهم سريعاً، لأن هذا الانقلاب جاء ليعيد دولة مبارك، وهو لديه عداء مستحكم مع كل مكونات ثورة يناير وكل من يمت لها بصلة، أو بأدنى صلة، وأنه فقط يريدهم مجرد غطاء ثوري لثورته المضادة، ليدخل الغش والتدليس على الرأي العام بأن ما يرتب له يمثل امتدادا لثورة يناير والدليل هو وجود هؤلاء الشباب معه.

الجنين في بطن أمه كان يمكن أن يفهم هذا بسهولة، فقد كان تغير "رفقاء الميدان" هذه المرة، فكانوا فلولاً ومن يمثلون الدولة القديمة، وكان الأمر معروفاً مسبقاً ولهذا طالب حمدين صباحي المرشح الرئاسي السابق، أنصاره بألا يسأل أحدهم في يوم الثورة 30 يونيه من يقف بجانبه إن كان من الفلول، وقال: إن خلافنا مع الفلول ثانوي أما مع الإخوان فالخلاف جذري!

وفي يوم 30 يونية دخل وزير الداخلية الأسبق ميدان التحرير مع لفيف من الضباط، وهم يهتفون: " ثوار.. أحرار"، وهو المتهم بقتل الثوار في شارع محمد محمود، ومن المفارقات المدهشة، أنه جرى اختياره مستشارا أمنيا للرئيس في نفس القرار الذي شهد تعيين الدكتور محمد البرادعي نائباً لنفس الرئيس، مع أن البرادعي سبق له أن تقدم ببلاغ للنائب العام يتهم فيه وزير الداخلية بقتل الناشط "جيكا"!

الأمور كانت واضحة من البداية بأنها ثورة مضادة، لكن البعض تفوق عندهم العداء للإخوان على الانحياز للثورة.

ومنذ البداية كانت هناك دوائر في الانقلاب، ترفض وجود هؤلاء في مشهدهم الخاص بهم وفي ثورتهم، حتى وإن مثل وجودهم مبرراً للاستهلاك المحلي والدولي، ومبكراً جرى التسريب على نطاق واسع لبلاغ قيل أنه تم تقديمه للنائب العام، وأن النائب العام شكل لجنة للتحقيق السري في البلاغ الذي تضمن اتهامات لهؤلاء النشطاء بالتمويل الأجنبي والتخابر، وظلت برامج " التوك شو" تتحدث عن ذلك لمدة أسبوع تقريباً، قبل أن تطالعنا جريدة " الوطن" القريبة من الدوائر الانقلابية، موضحة أنه لا يوجد بلاغ ولا توجد تحقيقات سرية أو علانية، وأن جهة أمنية سيادية (لم تسمها) هي من تقف وراء هذه التسريبات!

في هذه الإثناء فان تصريحاً صدر من مكتب النائب العام ينفي فيه ما نشر، واللافت أنه جاء متأخرا.

بعد الانقلاب نسمع عن ظاهرة الخلاف بين الأجهزة الأمنية، وكل جهاز يريد أن يكون بيده عقدة الأمر، لكن المؤسف له أن يتم استخدام جهات التحقيق في هذا الصراع.

لقد بدا واضحاً في الآونة الأخيرة، أن سلطة الانقلاب ضاقت ذرعاً بتمثيل دور التعبير عن ثورة في نفسها منها شئ، وهي ثورة يناير، وذلك على الرغم من أن هؤلاء النشطاء كانوا مع الانقلاب في كل أفعاله وإجرامه، فحتى المذابح التي جرت في "رابعة" و "النهضة" و "رمسيس" و"النصب التذكاري" و "الحرس الجمهوري" لم تؤرق وجدان ثوار آخر الزمان، وبعضهم حرض على هذه المجازر، وبعضهم صفق لها، ولم يروا مشكلة في دستور يكرس من هيمنة المؤسسة العسكرية على الحكم، ولم ينزعجوا لتمكين المحاكم العسكرية من المدنيين!

مع كل هذا بدأت عملية توجيه الإهانة لهؤلاء النشطاء في البرامج التلفزيونية من خلال ضباط شرطة متقاعدين، هددوا بضربهم بالأحذية وما إلى ذلك، اأدهم قال أنهم لم يروا جبروت الدولة إلى الآن!

لقد أراد هؤلاء الشباب وفي مواجهة عملية غلق أبواب الانقلابيين في وجوههم أن يقدموا صورة تقوم على التمايز لا التماهي، فخرجوا يتظاهرون ضد قانون تنظيم التظاهر وتجريمه، مع أنهم تجاوزوا الكثير من الإجراءات القمعية وليس آخرها القانون الذي جعل الحبس الاحتياطي مفتوحاً، ليكون السجن ولو لأبد الدهر!

وقد قدموا "عربون محبة" للانقلاب، أكدوا فيه أن الوصال قائم، وتمثل في تهديدهم للإخوان إن شاركوا في مظاهراتهم، ثم الاعتداء على من قالوا أنهم من الإخوان في ميدان التحرير، ثم هتافهم ضد الإخوان، فجرى الاعتداء عليه من قبل الشرطة، ثم قدموا عدداً منهم للمحاكمة.

والآن نسمع من جديد عن فتح ملف التمويل الأجنبي، وهو وإن لم يصدر بشأن الممولين أحكاماً رادعة؛ فالمستهدف هو التجريس باعتباره يمثل عقوبة، وعندي يقين أن كل هذه الممارسات العنيفة من قبل سلطة الانقلاب ستدفعهم لمزيد من الانبطاح لكن ذلك لن يشفع لدى الانقلابيين من أن يتخلصوا منهم تماماً، حتى وإن لم يكونوا قد تظاهروا أو غضبوا.. فالتخلص منهم مطروح على جدول أعمال الانقلاب مبكراً

لقد انتهى الدرس أيها الغبي!.