كتاب عربي 21

"مواقف" وزارة التنمية السياسية في الاردن

1300x600
من مشاكل التنمية السياسية في بلادنا "تكبير الحجر". فبدلا من التواضع وتحديد مهام معقولة قابلة للتطبيق والقياس، يتم طرح مواقف كبرى غير قابلة للتنفيذ ولا للقياس.

يمكن لأي باحث أن يدقق في مواقف وزارة التنمية السياسية التي تعاقب عليها وزراء من الاتجاهات كافة؛ سواء قبل تولي الوزير الحقيبة أو في البرنامج الوزاري، ليجد أن عجلة التنمية السياسية تسير إلى الخلف بوتيرة متسارعة.

ولعل أبسط مفاهيم التنمية السياسية سيادة القانون، التي يكاد يجمع الساسة والكتاب على أنها ركيزة التنمية، بقدر ملاحظتهم ضعفها وتلاشيها أحيانا. فأمام وزارة التنمية السياسية، يُلاحظ خرق فاضح لسيادة القانون، سبق أن صوّرته ونشرته على حسابي على "تويتر" و"فيسبوك".

فالوزارة استولت على الشارع العام لصالح موظفيها، وجعلت منه "مواقف" لهم، مع أنهم مواطنون مثل غيرهم، ومن المفروض أن يقدموا نموذجا في احترام سيادة القانون، باعتبار أن الشارع مكان عام، يموله دافع الضريبة، ولا يحق لأحد، بأي صفة، الاستيلاء عليه.

الوزارة لم تتردد في وضع لافتة تؤكد هيمنتها على الشارع. وعندما حاولت أن أوقف سيارتي لأختبر "سيادة القانون"، أشار لي رجل الأمن المكلف بحماية الوزارة بضرورة الانصراف! أمانة عمان مقصرة في حماية أرصفة وشوارع دافع الضريبة. وكثير من البنوك والمطاعم والشركات الخاصة، تستبيح ما يليها من شوارع وأرصفة، وكأنها إرث عن رحمة الوالد.

لكن كيف يلام القطاع الخاص، وهو يجد الخرق من الطرف الذي من واجبه تنفيذ سيادة القانون بالقوة؟! ليست القضية "مواقف" وزارة التنمية السياسية، لكنها مؤشر على العقلية التي لا تعلي الاعتبار لما هو عام؛ سواء كان شوارع أم أرصفة أم غابات وأماكن سياحية وشواطئ.

في الشارع الذي توجد فيه الوزارة، يوجد مستشفى، فهل يحق للأطباء، بحجة أنهم ينقذون حياة الناس، الاستيلاء على الشارع؟ بالنتيجة، الطبيب، سواء في القطاع الخاص أو العام، هو مقدم خدمات مثل موظف الحكومة، مع فارق واضح أن الطبيب يمكن أن يحصي ويقيس كم عملية أجرى، وكم مريضا عالج، وكذا المستشفى.

أما وزارة التنمية السياسية، فلا يمكن أن نعرف ماذا فعلت منذ تأسست إلى اليوم، ولا يمكن في وزارة كهذه تحديد أهداف واقعية لها ومحاسبتها عليها.يتولى الوزارة اليوم طبيب وحزبي عريق وحراكي ناشط. ومع اختلافي معه سياسيا، وقبل دخوله الوزارة، كان له في المجالات السابقة حضور واضح. اليوم، لا نعرف ماذا تفعل وزارته بالضبط، تماماً كما لم نكن نعرف ماذا كانت تفعل من قبل.

وكان الأجدى والأنفع أن تبقى الوزارة اسما بلا مبنى وموظفين، بحيث تحتفظ بدلالة رمزية، تؤكد نوايا الدولة الحسنة تجاه التنمية السياسية، مثل وزارات المرأة وحقوق الإنسان وغيرها.تحتاج البلاد إلى قدر كبير من تصغير الحجارة والتواضع. فقبل التعديلات الدستورية وقوانين الانتخابات، نحتاج إلى سيادة قانون؛ وهو يعلو على الدولة وعلى المجتمع، ويحكم عليهما.

وبعيدا عن الكلام الكبير غير القابل للقياس، لتبدأ شرطة السير باقتلاع الشواخص التي تعلن استيلاء شركات الـ"فاليه" والمؤسسات الخاصة والعامة على الشوارع. ساعتها، نسهم في ما يقال عنه تنمية سياسية؛ تبدأ من سيادة القانون على الكافة.