كتاب عربي 21

عواقب تدخل "حزب الله" في سوريا

1300x600
عندما وافق وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي المجتمعون في بروكسل على إدراج الجناح العسكري لحزب الله اللبناني ضمن لائحة المنظمات الإرهابية في 22 تموز/ يوليو 2013، كانت متاعب "حزب الله" تتصاعد تدريجيا، وقد جاء القرار بعد سبعة أشهر من التحقيقات حيث أعلنت الحكومة البلغارية بأن "حزب الله" يقف خلف حادث تفجير حافلة في مدينة بورغاس الساحلية في تموز/يوليو 2012، وبحسب التحقيقات الأوروبية تنامت أنشطة الحزب إقليميا ودوليا، ففي شهر تموز/يوليو الماضي تم القبض على مواطن لبناني المولد وآخر سويدي الجنسية في قبرص بتهمة القيام بأعمال تجسس لصالح "حزب الله"، وفي بداية تسعينيات القرن الماضي تم ربط الحزب بالهجمات التي استهدفت الجالية اليهودية في الأرجنتين، وفي عام 2011 اتهم الحزب بتورطه بمحاولة قتل السفير السعودي لدى الولايات المتحدة، فضلاً عن اتهام الحزب بالهجوم الفاشل في تايلاند، كما تم اعتقال آخرين بتهمة التخطيط لشن هجمات إرهابية في نيجيريا.

ومؤخرا انعقدت "المحكمة الدولية الخاصة بلبنان" ومقرها في "لاهاي" وتم توجيه الاتهام إلى عناصر تابعة لـ "حزب الله" بالضلوع في اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري عام 2005، ، كما صنف "مجلس التعاون الخليجي" الحزب باعتباره إرهابيا.

 وعلى الرغم من متاعب "حزب الله" السابقة المقلقة إلا أن عواقب تدخله في سوريا تجعل من تلك المتاعب تبدو هينة، إذ يواجه الحزب اليوم تحديا وجوديا يبدد صورته الناصعة ويعصف بكافة أطروحاته الإيديولوجية وإنجازاته التاريخية، التي عمل على بنائها منذ ظهوره وتأسيسه في أعقاب الغزو الإسرائيلي للبنان عام1982، باعتباره حركة "مقاومة" وليس حركة "طائفية" ففي بيان أصدره في شباط/ فبراير عام 1985 أعلن الحزب أن أهدافه الرئيسية تقتصر على مقاومة المشروع الصهيوني الإسرائيلي في المنطقة، مع أن الحزب أكد في بيانه على أنه "ملتزم بأوامر قيادة حكيمة وعادلة تتجسد في ولاية الفقيه "، الوجه المقاوم أثمر بانسحاب إسرائيل من جنوب لبنان في أيار/مايو 2000، وقد تعززت صورة الحزب المقاوم بعد مواجهة العدوان الإسرائيلي في تموز/يوليو 2006، إلا أن الوجه "الطائفي" بدأ بالظهور على خلفية الثورة السورية التي أسفرت عن تدخل لا يمكن تبريره بذريعة "المقاومة"، ويكشف عن الصلة "الطائفية" الممتثلة لأوامر "الولي الفقيه" في طهران، التي تقدم دعما ماليا للحزب يصل إلى نحو 100 مليون دولار سنوياً .

لقد كشفت الأحداث الأخيرة في سوريا عن عمق الأزمة التي يعيشها "حزب الله" فإيديولوجيا الحزب المقاوم تبدو مأزومة وتعاني من اختلالات بنيوية عميقة يصعب ترميمها وإصلاحها، فاصطفاف الحزب إلى جانب نظام الأسد ومساندته وتدخله عسكريا ضد المعارضة السنيّة وضعته في بؤرة صراع طائفي، لا علاقة له بأطروحة "المقاومة" للمشروع الإسرائيلي، وظهر جليا أن سقوط الأسد يمثل للحزب ضربة قاصمة تهدد مكانته المهيمنة في لبنان.

مكانة "حزب الله" لدى الشارع العربي والإسلامي السني لم تعد كما كانت عليه قبل اندلاع الثورة السورية، وشخصية زعيمه السيد حسن نصر الله الكاريزمية باتت موضع شكوك ومناسبة للتندر، فالمبررات التي أصبحت ممجوجة ومكرورة لم تعد مقنعة، فالصورة الأكثر رواجا لدى الوسط السني تشير إلى أن "حزب الله" لم يعد "مقاومة إسلامية" خالصة للمشروع الصهيوني الأمريكي في المنطقة، وإنما بات مجرد ميليشيا طائفية تعمل كوكيل إيراني لصالح بشار الأسد وآية الله خامنئي.

 خطابات السيد حسن نصر الله لم تعد منتظرة في لبنان خصوصا والعالم العربي عموما، ويبدو على خلاف اطلالاته السابقة على الحدث السوري عصبيا وكئيبا، وغير قادر على إقناع نفسه فضلا عن غيره بصواب تدخله بذريعة المقاومة كما ظهر ذلك في خطابه بمناسبة "يوم القدس" في آب/أغسطس 2013، وكان الرئيس اللبناني ميشال سليمان قبل يوم واحد من خطاب نصر الله طالب الدولة اللبنانية الحد من قدرة الحزب بالعمل كميليشيا مستقلة خارج سيطرة الدولة،  فقد ترتب على تدخل الحزب بالقتال في سوريا شعوراً لبنانيا بأن الحزب يضع مصلحته كجماعة فوق مصلحة لبنان كدولة، وهي الصورة التي تتناقض مع تشديده على أنه جماعة لبنانية أساسا، ولا أهمية لانتمائاته الطائفية الموالية لإيران.

 في خطابه بمناسبة "يوم القدس" تحدث نصر الله عن "خطرين كبيرين" يواجهان لبنان، يتمثل الأول: بـ "إسرائيل ونواياها وجشعها ومخططاتها"، والثاني: يتعلق بـ "التغييرات التي تحدث في سوريا"، أما بالنسبة لإسرائيل فقد حذر نصر الله من أنها تشكل تهديداً يومياً للبنان، وأما بالنسبة لسوريا، فالنظام بحسب نصر الله يواجه "محوراً تقوده الولايات المتحدة التي من المؤكد أنها صانعة القرار فيه"، بل ذهب إلى ترويج ثيمة "المؤامرة" الأثيرة لدى الأسد، مؤكدا على طبيعتها الكونيّة التي يشترك فيها كل من البريطانيين والفرنسيين والإيطاليين والألمان والعرب والأتراك لصالح الأمريكان، وبحسب نصر الله العالم بأصول المؤامرة يقول: "نحن نعرف أيضاً أن هذا المحور يحظى بدعم ضمني من إسرائيل نظراً لأن المشروع الأمريكي في المنطقة إسرائيلي بامتياز"، وأكد نصر الله في خطابه على أن "حزب الله" لا يقاتل في سوريا في صراع طائفي، بل يحارب المشروع التكفيري السني المتطرف الذي له علاقات مع تنظيم "القاعدة" الذي "تموله وتدعمه أمريكا"، وفي نهاية خطابه أكد نصر الله خلاصة رؤية الحزب ومبررات تدخله في سوريا قائلاً: "حسناً، نعلم جميعاً أن المشروع الأمريكي في المنطقة مشروع إسرائيلي بلا شك"، وهكذا ففي قتالنا في سوريا "نعتبر أنفسنا اليوم بأننا ندافع عن لبنان وفلسطين وسوريا".

لا جدال بأن محاولة "حزب الله" تبرير تدخلة في سوريا باءت بالفشل الذريع، ولا شك بأن صورة الحزب المقاوم تضررت كثيرا، ومن المؤكد بأن صورة الحزب لدى الشارع اللبناني والعربي والإسلامي السني باتت "مشوهة" بامتياز، ويبدو أن خطاب "الطائفية" الذي تتبناه الحركات السنيّة المقاتلة في وصف الحزب وفي مقدمتها تنظيم "القاعدة" وأخواتها الممثلة في تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، وجبهة النصرة لأهل الشام، وكتائب عبدالله عزام تتمتع بمصداقية لدى قطاعات سنيّة غاضبة.