كتاب عربي 21

السيسي.. من يفك النحس؟!

1300x600

كأن هناك من عمِل لجماعة الانقلاب في مصر "عملاً سفلياً"، وربطه في ذيل حوت، وألقاه في النهر، فصاروا في تصرفاتهم كالذي يتخبطه الشيطان من المس، وكلما خططوا لشيء فشل، كأن النحس حليفهم!

ففي اللحظة التي سعوا للترويج لها على أنها تاريخية وفارقة في تاريخ المنطقة، والتي تتمثل في إعلان عبد الفتاح السيسي الترشح للانتخابات الرئاسية على نحو يستلزم الرقص البلدي علي أنغام أغنية خالد الذكر سعد الصغير "النهارده فرحي يا جدعان"، جاء الإعلان فضيحة مكتملة الأركان. وعندما جاؤوا ليخففوا من وطأتها، كانوا كمن جاء ليكحلها فأعماها!

الإعلان جاء عبر صحيفة "السياسة الكويتية"، بدلاً من أن يكون للناخب المصري عبر وسائل الإعلام المصرية الموالية للانقلاب، التي وقف العاملون فيها مع السيسي في المنشط والمكره، وقدموه زعيماً ووسيماً. وبدا واضحاً أن السيسي ليس مرشحاً مصرياً، ولكنه مرشح دول الخليج التي تمثل دوائر الانقلاب الإقليمية، وبدا كذلك كما لو كان مرشحاً لشغل منصب في مجلس التعاون الخليجي وليس رئيساً لمصر. كما ظهر جلياً أن صاحبنا ليس باحثاً عن منصب الرئيس بقدر حرصه  البحث عن " كفيل" يسلمه جواز سفره، ولا يمكنه أن يغادر القصر الجمهوري إلا بعد الحصول على "خروجية" من هذا الكفيل!

السيسي عديم الخبرة السياسية وجد في السيد أحمد الجار الله، رئيس تحرير "السياسة الكويتية"، أنه خبرة سياسية عريضة، لأن المخلوع كان يأنس له، وأمثال السيسي من يعتبرون حسني مبارك خبرة سياسية غير مسبوقة، فالأعور وسط العميان سلطان. ومبارك كان يحتفي بالجار لله، إلى حد أنه سمح له بدخول مصر وإجراء حوار معه، بالرغم من أن صدر ضده حكم واجب النفاذ بالسجن في قضية سب المذيعة نجوى إبراهيم، حيث نشرت صحيفته أن المذيعة ألقي القبض عليها وفي حوزتها مخدرات، فلجأت إلى القضاء. وكان ملاحظاً ان الجار لله لقربه من مبارك دخل مصر رغم وضعه على قوائم ترقب الوصول!

وربما وجد السيسي هذه الحفاوة من قبل المخلوع، فاعتبر أن إعلانه الترشح لرئاسة مصر عبر صحيفة كويتية ليس فيه ما يسيء، وربما وجد في هذا الإعلان ما يقربه من أولياء أمر الانقلاب في الخليج زلفى، وهو بحاجة إلى من يسند ظهره مادياً إذا ترشح، فمصر علي وشك الإفلاس، بحسب تصريحات لمسؤولين رسميين، وربما لم ينتبه سيادته لحساسية الموقف لانعدام الخبرة السياسية!

وبدلاً من أن يكون هذا الإعلان دافعاً لينصب أنصاره الأفراح، فإذا بإعلانه يكون بمثابة "جردل من الماء المثلج" وقد سكبه على رؤوس الأحبة فأفزعهم، وكانت ليلة حزينة على الذين نظروا إليه باعتباره مرشحهم، وعلى قواعد "الحب العذري"، بعد أن سقطت أسطورة الزعيم التي كانت من فعل ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى.. الآن يتم النظر إليه على أنه "الوسيم" وخاطف قلوب العذارى، حتى أن قساً قال انه يذوب عشقاً فيه.

لقد بدد السيسي بإعلانه عبر "السياسة" الكويتية البهجة، وهى كانت بهجة محتملة على أية حال. وواضح أنه ارتبك فلم يعقب ليلتها، وتعامل على أن الصباح رباح، وربما استدعى قول جدتي "تبات ناراً تصبح رماداً"، لكن الصباح جاء وكشف بشكل واضح عن القلوب المهزومة من هذا الإعلان!

تعامل السيسي بمنطق أخف الضررين، وبدلاً من أن يعالج هو الموقف ويظهر للناس موضحاً، ترك المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة هو من يصدر بياناً يعلن فيه أن المنشور ليس تصريحات للسيسي ولكنها مجرد توقعات صحفية. فكان  بيان المتحدث العسكري ليس حاسماً وإنما جاء كمناورة، وليطرح سؤالاً جديداً هو ما دور المتحدث الرسمي في حملة الدعاية الانتخابية للفريق السيسي؟ فهذا الإعلان المنسوب إليه والمنشور بـ"السياسة" ليس بصفته وزير الدفاع، ولم يكن خاصاً باتفاقيات للدفاع المشترك مثلاً، ولكنه أمر من أمور السياسة والانتخابات. ومن هنا فكان ينبغي أن يتصدى لهم بنفسه، أو أن يعين متحدثاً إعلامياً لحملته الانتخابية، بدلاً من أن يدفع بعقيد بالجيش المصري ان يقوم بمهام انتخابية، وهذا ليس عملاً طبيعياً.

يبدو أن الفريق السيسي لا يريد أن ينفق على حملته الانتخابية قبل أن يتخذ قراراً أخيراً، حتى إذا تراجع لا يكون أمام "موت وخراب ديار"، ولهذا شاهدنا صوراً لضباط قيل إنهم يقومون بتوزيع دعايته الانتخابية، بدلاً من أن يستأجر من يقوم بهذا بمقابل!

ما علينا، فهذا الإعلان ضاعت هيبته، وبدلاً من أن يفرح أنصار السيسي كان عندهم مأتم منصوب، وهو ليس له تفسير عندي إلا أنه الارتباط الوثيق بالنحس المرابط من جراء "عملي سفلي" على ذيل حوت، هو الذي جعل كل نجاحات الانقلاب يتم اكتشاف أنها وهمية في الحال.

فعندما قدموا الرئيس محمد مرسي للمحاكمة، كانوا يستهدفون تشويه الرجل والإساءة إليه، لكنه ظهر شامخاً علي نحو مثل هزيمة للانقلاب، وكسب الرجل أنصاراً ليصبح بصموده داعماً للثورة.

وفي اللحظة التي كانوا يستعدون فيها لنصب الأفراح والليالي الملاح ابتهاجاً بإعلان نتيجة الاستفتاء علي دستورهم، جاء أداء رئيس اللجنة القضائية فضيحة تغني بها الركبان، وسهر العالم كله يتحدث عن الأخطاء اللغوية في خطاب الرجل التي تجاوزت السبعين خطأ، ولم يكن أبرزها فشله في نطق اسم نهر دجلة، والزعيم التاريخي قطز، على نحو دفع البعض للتساؤل كيف حصل على شهادة إتمام المرحلة الابتدائية!

وفي الجلسة الثانية، وقد ظنوا أنهم تمكنوا من الرئيس بحمله على ارتداء ملابس السجن البيضاء، فإذا بعجزهم يبدو واضحاً أما رجل مسجون، بشكل دفعهم لوضعه في قفص زجاجي عازل للصوت، وإذا به يرهب القاضي فيخطئ من جراء ذلك في البسملة، ويُخطئ في وظيفته فيقول أنه رئيس محكمة جنايات مصر، ولا توجد محكمة تحمل هذا الاسم. وهذا الخوف من الرئيس هو الذي دفعهم للتراجع عن قرار سابق بأن تكون المحاكمات على الهواء مباشرة.

وكان النحس يحيط بأجواء المحكمة، ففي اللحظة التي كانت النيابة العامة تعلن أسماء الحمساويين المتهمين بدخول مصر وفتح السجون وإحداث قلاقل في البلاد، كانت الدنيا تقف علي أن من بينهم من لقي نحبه ومنهم من ينتظر في سجون إسرائيل قبل هذه الأحداث!

تماماً كما أراد وزير الداخلية أن يبدي انتصاره بالقبض على الذين ارتكبوا حادث مديرية امن القاهرة، وفي هذه اللحظة  التي انتصب فيها ليعلن أسماء من تم القبض عليهم، كنا نقف على ان من بين المتهمين، وهو محمد بكري هارون، من تم اعتقاله قبل الحادث وبتاريخ 25 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.

وفي اليوم الذي صدرت فيه صحيفة "الأخبار" معلنة أن تنظيماً جباراً تشكل بالاتفاق بين محمود عزت، القيادي بجماعة الإخوان المسلمين، وخالد مشعل؛ على أحداث مخطط تخريب مصر يوم 25 كانون الثاني/ يناير الماضي، وأن المهمة أوكلت للقيادي بحركة حماس "أحمد الجعبري" الذي ورد اسمه في المانشيت بالبنط العريض، وأن أجهزة الأمن الباسلة أحبطت المخطط ، كان الجميع قد علم أن الجعبري لقي مصرعه بصاروخ إسرائيلي في 14 تشرين الثاني/ نوفمبر 2012.

ابحثوا عن ساحر محترف لفك هذا النحس الذي يحيط بجماعة الانقلاب.. ويصطاد الحوت المارق من النهر.