مقالات مختارة

الكتلة الشبابية قنبلة موقوتة

1300x600
الملفات الساخنة او القنابل الموقوتة عديدة ومتراكمة منذ زمن ولكن الأخطر هو ما جرفته تيارات الثورة منها وألقت بها إلى ساحة المجتمع وهى وإن كانت معروفة من قبل وكامنة إلا أنها طغت على السطح وبقوة وفرضت نفسها على الساحة.

 ونذكر هنا على وجه الخصوص الشباب والمناطق العشوائية التى خرج أهلها فى تيار عريض يطلبون حقهم فى هذا البلد الذى كان مسلوبا لعقود طويلة، وكلاهما يحتاج إلى معالجة جادة غير تلك التى انطلقت كأفكار سارحة مثل مفوضية الشباب وصندوق تطوير العشوائيات والتى تتسم بأنها نوع من المسكنات لتجاوز المرحلة دون دراسة عميقة لهما تضع أيدينا على الحلول الناجحة بعد طول إهمال ادى إلى تراكم المشكلتين وإنفجارهما على نحو يهدد سلامة وأمن المجتمع.

دعونا نلتقط واحدا من الملفات التى تفرض نفسها بإلحاح وهو ملف الكتلة الشبابية التى تحتاج إلى فحص وتحليل وإزاء حيرتى فى البحث عن هذه الظاهرة لتسليط الضوء على هموم الشباب واهتماماتهم أهدتنى الدكتورة الفاضلة نجوى خليل وثيقة علمية عن حالة الأمة صادرة عن المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية أعدتها أربع سيدات من علماء مصر بحس وطنى عال وعمق علمى هن الدكاترة : ناهد صالح نجوى الفوال منى يوسف جميلة المأمون.

من هم هؤلاء الشباب؟ وما هو حجم هذه الشريحة ووزنها فى المجتمع؟ ولماذا كانوا فى طليعة ثورة يناير ؟ هذا التساؤل يقود إلى تساؤلات أخرى فى مقدمتها ما الذى دفع الشباب إلى القيام بهذا الدور الثورى؟ هل هو مهتم بأحوال الوطن؟ وبأحوال المواطنين؟ وهل تمتد همومه إلى مستقبل الوطن ومساراته المستقبلية؟ من هم هؤلاء الشباب؟ هم ثلاثة ونصف مليون متعطل وفق آخر إحصاء، وتلقى البطالة بظلالها الداكنة على كل جوانب حياة هؤلاء الشباب ويلفت النظر وجود نحو مليون شاب زاهدين عن العمل ، ويلاحظ تزايد نسبة الشباب فى التركيبة السكانية عاما بعد عام مما يعنى زيادة ثقلهم كشريحة اجتماعية متنامية الحجم, وربع الشباب بدون تعليم , حتى المتعلمين لايجدون وظائف حيث 82% من المتعطلين من حملة المؤهلات العليا ولذا يقبلون العمل فى وظائف كان ممكن أن يحصلوا عليها بمستويات تعليم أقل, وأدى تضاؤل قدراتهم على الزواج كونه مشروعا باهظ التكاليف إلى إفراز علاقات غير سوية بين الجنسين والزواج العرفى والسرى وسقوط معنى الحياة لديهم ومع اتساع دائرة ومصادر الاتصال بالعالم الخارجى يتزايد غضب وتمرد الشباب والدخول فى دروشة دينية أو إفقاد العقل بالمخدرات أو الهجرة غير المشروعة فى قوارب الموت وترك الوطن بما حمل, وأدت ثورة التكنولوجيا والمعلومات والاتصالات إلى نضج أكبر بين الشباب ووعيا أكثر بقوته والتمسك بها خاصة مع ظهور القنوات الفضائية الخاصة والصحف المستقلة فأصبح الشباب أكثر قدرة وحرية وجرأة فى التعبير عن نفسه ومصالحة عن أجيال سابقة دخلت دائرة المعاشات وضاعت آمالها وأموالها عند أعتاب وزارة التأمينات وعند وزير لايكترث بهم .

فى هذا المناخ من التهميش وفى ظل أوضاع متردية وتزداد سوءا خلق الشباب لغة خاصة بهم ولهم «هوية شبابية» ينتمون إليها وتغير نمط الأسرة الأبوية فأصبح محور الأسرة هو إرضاء الشباب وليس العكس هل الشباب مهتم بأحوال الوطن؟ وما هى الموضوعات والقضايا التى يهتم بها ؟ التقرير الذى نعتمد عليه فى تشريح الكتلة الشبابية والغوص فى أعماقها وصل إلى إجابات عن هذه التساؤلات وجاءت الإجابة أن 83% من الشباب مهتمون بأحوال الوطن أما القضايا التى تشغلهم ففى مقدمتها المسألة الاقتصاديه وعلى رأسها البطالة وارتفاع الأسعار والفقر والتعليم والعلاج والمعيشة فى بيئة نظيفة ومشاكل الطرق والمواصلات ، أما انشغال الشباب بهموم الوطن فقد كان على رأسها الحاجة إلى الحياة فى وطن يتوفر له فيه الأمن والاستقرار ويتمتع فيه بالعدالة الاجتماعية وبالحرية والديمقراطية وبالمساواة وبحقوقه كإنسان ولا ينتشر فيه الفساد فضلا عن القلق بشأن مستقبل الوطن والمخاطر التى تهدده.

الكتلة الشبابية لم تنفصل عن المجتمع وهمومه ولديها الصورة الذهنية صادمة عن أحوال الشعب وأحوال المواطن فهو غلبان ومطحون وشقيان وتعبان ومظلوم ومقهور وإلى جانب حالة الغلب التى عليها فهو عاطل وضائع وظروفه صعبة ولاتمنع النظرة التشاؤمية للشباب رؤيته من التطلع للمستقبل بتحديده لما ستصير إليه أحوال الوطن مستقبلا.

أيضا هناك ألغام وقنابل موقوتة فى طريق المرشح الرئاسى القادم وأصبحت بانتظاره بالقصر الرئاسى ومنها المشاكل الاقتصادية التى برزت خلال السنوات الثلاث الماضية التى كما تبدو على مسرح الرأى العام رغيف العيش وانبوبة البوتاجاز ولكن هذا تبسيط غير مقبول للأمور فالقضية اعمق من ذلك بكثير، باختصار نحن فى قبضة التخلف بكل سماته ونتائجه ولذا يثار التساؤل: كيف وأين نكسر حدة هذا التخلف؟ التخلف واضح فى كل النواحى فى الصناعة والزراعة والتعليم والصحة والنقل والبحث العلمى بل وبرز فى التعامل الأخلاقى والإنسانى ولهذا فالقضية تصبح أخطر من مجرد الإتفاق على مرشح الرئاسة ولكنها ماذا سنعمل من اجل الفكاك من براثن التخلف ؟

القضية تحتاج حاكما قوىا ذا إرادة سياسيه وله رؤية إستراتيجية شاملة ترى قيمة ومكانة مصر بعد خمس وعشر سنوات يتحمل ثمن التغيير ومعه حكومة قوية لا تهتز ولا تحيد عن طريق تحقيق تلك الرؤية الإستراتيجية ولديها الكفاءة والجرأة على إتخاذ القرارات مهما تكن صعبة وفقا لبرنامج زمنى ورأى عام مساند لتلك الرؤية الإستراتيجية ومتفهم مصاعب المرحلة ومتحمل لها مادامت فى إطار التنمية والعدالة الإجتماعية. هذا هو المثلث الذى يصنع لمصر مستقبلها وفى هذا السياق ينبغى آلا تستغرقنا الشعارات ونقع تحت اوهام الصياغات الفضفاضة التى تثير حماس الناس وتداعب آمالهم دون مشاركة فى صياغة مستقبل الأمة وكان كل مهمتها قد انتهت بتوصيل إلى القصر الرئاسى وأن عليها انتظار العطايا منه التى قد تتساقط عليه أو لا وتنحصر تطلعاتها وطموحها فى رغيف العيش وأنبوبة البوتاجاز, إذ أن هناك تطابقا أوضحه التقرير بين هموم الشباب وهموم المواطن ينبغى عدم إغفاله فالشباب والمواطنون إيد واحدة.


(الأهرام)