مقالات مختارة

إلا تويتر يا أردوغان!

1300x600

استيقظت صباح الجمعة فوجدت ضجة كبيرة في مواقع التواصل الاجتماعي تثار حول حجب «تويتر» في تركيا. وفي الوهلة الأولى ظننتها مجرد إشاعة، ولما تصفحت بعض المواقع الإخبارية التركية تأكدت من صحة الخبر، كان الموقع تم حجبه على نطاق واسع بعد ساعات من تصريح أردوغان في خطابه أمام أنصار حزبه في تجمع انتخابي بمدينة بورصا بأنهم «سيقتلعون تويتر من جذوره»، إلا أن الكثير من المغردين الأتراك وجدوا طريقة لتجاوز الحظر واستمروا في التغريد.

كان رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أشار قبل أيام في لقاء تلفزيوني مع بعض الكتاب الصحافيين إلى احتمال حظر «يوتيوب» و«فيس بوك». واستنكرت آنذاك هذا القول، وكتبت أن هناك جهودا حثيثة لهدم السمعة التي بناها أردوغان كزعيم ناجح ونزيه يستمد قوته من إرادة شعبه، وأن أردوغان بمثل هذه التهديدات التي لن يتم تطبيقها غالبا يسهم في تلك الجهود ويقدم بيده سلاحا لخصومه، كما يضع محبيه في موقف حرج. وما ذكرته ذاك اليوم ينطبق أيضا على ما قاله بشأن «تويتر».

هيئة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات التركية أعلنت أن القرار جاء بعد صدور حكم قضائي، بعد رفض إدارة «تويتر» التجاوب مع مطالب الهيئة بشأن حذف بعض الروابط والمشاركات المحظورة في تركيا بقرار المحكمة، وأن إدارة «تويتر» لم تحترم قرارات القضاء التركي، وسمحت بنشر الروابط التي تعد انتهاكا لحقوق المواطنين وخصوصيتهم، فلم يبق أمام الهيئة غير خيار حجب الوصول إلى موقع «تويتر».

الأوساط المقربة من الحكومة التركية تدافع عن القرار لافتة إلى أن إدارة «تويتر» تستجيب لمطالب حكومات غربية وتزود -على سبيل المثال- السلطات الفرنسية بجميع المعلومات عن أصحاب الحسابات التي تنشر «معاداة السامية» وتغلق تلك الحسابات، كما سبق أن أغلقت حسابين لكتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية «حماس»، بناء على طلب إسرائيل. وتضيف تلك الأسواط أن ما تطلبه تركيا من إدارة «تويتر» هو التعامل معها على غرار تعاملها مع الدول الغربية الأخرى، وليس أكثر من ذلك، وأن هناك ثلاثة مطالب واضحة وهي: أن تفتح مكتبا في تركيا، وأن تدفع ضرائب الملايين التي تكسبها من السوق التركية، وأن تلتزم بالأحكام القضائية الصادرة من المحاكم التركية.

قبل سنتين تقريبا، كان هناك هاشتاق في «تويتر» باللغة الفرنسية يعني «يهودي جيد»، وكتبت تحتها تغريدات اعتبرت مسيئة لليهود ومعاداة للسامية. وطلب اتحاد الطلاب اليهود من إدارة «تويتر» المعلومات عن أصحاب الحسابات التي كتبت فيه تلك التغريدات ولكن إدارة «تويتر» رفضت ذلك. ثم تقدم الاتحاد إلى المحكمة وقررت المحكمة بضرورة تقديم إدارة «تويتر» تلك المعلومات، ولكن إدارة «تويتر» رفضت قرار المحكمة أيضا. وهنا تدخلت الحكومة الفرنسية، وهددت الإدارة بإغلاق الموقع، كما أصدرت المحكمة قرارا آخر يفرض على «تويتر» عقوبات مالية لكل يوم تؤخر فيه إدارة الموقع تقديم عناوين آي بي الخاصة بتلك الحسابات. وهنا رضخت إدارة «تويتر» للضغوط وأعلنت أنها ستقدم إلى السلطات الفرنسية ما تطلبه من المعلومات، وتم رفع دعاوى قضائية ضد أصحاب تلك الحسابات بناء على المعلومات التي قدمتها إدارة «تويتر».

الحكومة التركية تقول: إن إدارة «تويتر» عليها أن تتعاون مع السلطات التركية كما تتعاون مع السلطات الأميركية والبريطانية والفرنسية، وعليها أن تتعاون أيضا مع السلطات التركية في مكافحة الجرائم، كما تتعاون معها مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى مثل «يوتيوب» و«فيس بوك». وفي صباح الجمعة، أي بعد حظر «تويتر» بقليل، قام محامو إدارة الموقع بتركيا بزيارة لهيئة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات التركية للتفاوض، وهناك أنباء عن تفاهم بين الطرفين وقبول إدارة «تويتر» تقديم المعلومات المطلوبة.

مواقع التواصل الاجتماعي تعتبر لمواطني الدول التي تحرمهم من حرية التعبير والصحافة بمثابة أنفاق غزة، وهي المتنفس الوحيد للمحاصرين بشتى الوسائل، ولأن سقف الحريات عال في تركيا في ظل توفر جميع وسائل الإعلام والتواصل، فمن الصعب أن يفهم الأتراك ماذا يعني حجب مواقع التواصل الاجتماعي بالنسبة لهؤلاء، وكيف أنهم صدموا بقرار حظر «تويتر» في تركيا التي ينظرون إليها بنظرة الإعجاب.

وهناك إشكالية أخرى في مطالبة إدارة «تويتر» بالالتزام بالأحكام القضائية، لأن هذه الخطوة قد تشجع دولا أخرى على مطالبة إدارة الموقع بالتزام قرارات محاكمها التي من المحتمل أن لا تترك في «تويتر» أي حساب غير الحسابات المعروفة. وقد تكون الحكومة التركية أرادت تلقين درس لإدارة «تويتر» ولكن الحفاظ على سمعة تركيا لا يقل أهمية، ومن الأفضل إدراك حساسية الأمر والابتعاد عن جميع الأقوال والتصرفات التي يمكن تفسيرها على أنها «محاولة التضييق على الحريات».

(العرب القطرية)