كتاب عربي 21

حركة النهضة .. وبدأت ضريبة مغامرة السلطة

1300x600
كتب صلاح الدين الجورشي: لم يعد أحد من العقلاء يشك في أن حركة النهضة قد أصبحت اليوم حزبا كبيرا، ويمكن القول بأنها إلى حدود كتابة هذا المقال، تعتبر أكبر الأحزاب التونسية على الإطلاق، من حيث عدد الأعضاء والأنصار، أو من حيث اتساع رقعة امتدادها في أنحاء البلاد.

لكن الأحزاب الكبرى تبقى عرضة أكثر من التنظيمات الصغيرة للهزات والخلافات، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار الذين التحقوا بصفوفها بعد وصولها إلى السلطة، حيث يكثر المتسللون الباحثون عن مواقع أو مصالح متأتية من حقبة الحكم، أو على الأقل توفير الحماية والرعاية من ذوي الشوكة الجدد، وهو ما حدث مع حركة النهضة، إثر حصولها على أكثر المقاعد بالمجلس الوطني التأسيسي.

لم يكن ذلك التحدي الوحيد رغم أهميته وانعكاسه على حالة التجانس داخل هذه الحركة، التي اختلطت في داخلها الأجيال والاتجاهات والنوايا والحسابات. 

 هناك من قضى جزء هاما من حياته داخل السجون، في حين تمتع آخرون بحياة عادية أو مترفة في العواصم الغربية، وقد كان لذلك آثاره الملحوظة بعد الثورة على العقليات وطرق تناول القضايا وفهم طبيعة المرحلة.

 وبالرغم من أن قادة الحركة كانوا دائماً يحاولون نفي الاختلافات الداخلية، من أجل الظهور أمام الرأي العام وأمام منافسيهم، بأنهم على قلب رجل واحد، لكن تباين المواقف وتضارب التصريحات، كانت حالة ملازمة للحركة خلال السنوات الثلاثة الأخيرة. 

من بين أهم الإشكاليات التي تواجهها الحركة منذ دخولها المعترك السياسي، بعد هروب الرئيس السابق تلك المسافة الفكرية، التي تفصل القيادة عن جزء واسع من قواعدها. 

 يتجلى ذلك بشكل أوضح في نوعية الثقافة الدينية، التي يحملها كل طرف على حدة. فالذين قرأوا لرئيس الحركة راشد الغنوشي، قد لاحظوا بأنه أصبح أميل منذ سنوات إلى خطاب التجديد داخل منظور حركات الاسلام السياسي، مما جعله متميزا عن بقية قادة الحركات. 

 لكن عند النزول إلى العناصر القاعدية لحركة النهضة، تتم ملاحظة مدى تغلغل الخطاب السلفي في صفوف الكثير منهم، وهو ما يعني أحد الاحتمالين، فإما هؤلاء لم يطلعوا على ما كتبه رئيس الحركة، وما توصل إليه من نتائج وقناعات، أو أنهم قرأوا مؤلفاته ولم يقتنعوا بما جاء فيها، أو أنهم اعتبروا كتاباته ليست سوى مادة للاستهلاك السياسي الموجه للغرب، أو لتحييد النخب العلمانية.
 
ومهما تكن هذه الاحتمالات فالمؤكد أن القيادة، أو الجزء الواسع منها بزعامة الغنوشي في واد، وقطاع كبير من قواعد الحركة في واد آخر.

هذا على الصعيد الفكري، الذي كشفت عنه مواقع الفيسبوك الموالية للحركة، وكذلك مناقشات مسودات الدستور، إلى جانب عديد المناسبات والصراعات والوقائع التي نقلتها وسائل الاعلام . 

 أما إذا انتقلنا إلى الجانب السياسي، الذي هو في النهاية يعكس إلى حد ما فكر أصحابه وخطابهم الثقافي، نجد أن الممارسة قد زادت في تعميق التناقضات على أكثر من صعيد.

وجاءت استقالة عدد من كوادر الحركة، وإقدامهم على تأسيس حزب البناء الوطني، لتثبت أن ما أصاب بقية الأحزاب قد بدأ ينخر جسم حركة النهضة، التي كانت إلى وقت قريب تفتخر بكونها الحزب الوحيد الذي حافظ على تماسكه العضوي، وصمد أمام نزعات الانشقاق والانفصام.

ثم جاءت استقالة حمادي الجبالي من منصب الأمانة العامة للحركة، لتكشف بدورها أن الخلافات يمكن أن تجعل الحركة تفقد كوادر من الصف الأول، فالجبالي كان قبل عودة الغنوشي من لندن يتمتع بولاء معظم القواعد، الذين لمسوا فيه الصبر على الاعتقال لمدة ستة عشر عاما خلال سنوات الجمر. 

 وبالرغم من أن كوادر الحركة تعمل حاليا على التقليل من هذا الحدث، إلا أن استقالة الجبالي من منصبه تشكل ضربة موجعة لحزب يفتقر لرجال دولة، إذ حتى الجبالي تعرض لانتقادات قوية من قبل أعضاء حركته، بحجة ان أداءه عند ترأسه للحكومة كان ضعيفا.

هذا جانب من مشهد الحركة بعد أن لجأت إلى تنظيم استفتاء في صفوف أعضائها لمعرفة موقفهم من تنظيم المؤتمر العام للحركة قبل الانتخابات القادمة أو بعدها.

وكما كان متوقعا حيث صوتت الأغلبية لصالح التأجيل لما بعد الانتخابات، وبذلك تكون القيادة قد تخلصت من لحظة محاسبة مؤلمة كانت متوقعة، لا يعني هذا أن حركة النهضة قد ضعفت أو أصبحت مفككة، لكن المؤكد أن التجربة التي مرت بها في الحكم، والتحولات الإقليمية التي حصلت، خاصة في مصر، قد رجتها من الداخل، وأصبحت تفرض عليها تغييرات أساسية في خطها السياسي.

 إذ كما قال عبد الفتاح مورو، النائب الشخصي لرئيس الحركة: "إن الإسلاميين في تونس قد فشلوا في أن يكونوا ثوريون، أو حتى إصلاحيين.