كتاب عربي 21

بعد انقلاب مصر.. هل خسر الإخوان إقليميا؟

1300x600
ربما من المبكر الجزم بخسارة طرف ما، المعركة التي بدأت ولم تحط رحالها حتى الآن، في المنطقة بين الإخوان والأنظمة الداعمة للانقلاب المصري، صحيح أن الإخوان خسروا موقع "السلطة" الذي لم يدم سوى شهور، ولم تكن سلطة فعلية حقيقية بل كانت مجرد سلطة وهمية في نظام عسكري لم ينهار ولم يسقط، بل حافظ على تماسكه وغير جلده فقط، وكان الإخوان مجرد مرحلة وسيطة بين تجديد الجلد والعودة الجديدة للنظام العسكري.

وإن كنت أحب أن أُعرف الموضوع بمنطق المكاسب والخسائر بشكل متوازن ، فقد خسر الإخوان شعبية تكونت لديهم بعد الثورة، لكن في مقابل ذلك حصلوا على ثقل مجتمعي يصطف معهم حتى الآن، ليس على أساس (قاعدة المصلحة) الانتخابية حيث أنا أنتخبك لتحقق لي مصالحي، بل على أساس القضية والنضال، وهذه قاعدة تهم كثيرا التنظيمات الأيديولوجية كالإخوان ، بينما الشعبية الانتخابية الهشة التي تحصلها الإخوان في البداية، كانت من النوع القائم على تعاطف هش نتيجة العداء مع نظام مبارك فقط .

يمكن انتقاد كلامي من وجهة نظر أن السيسي والجيش أيضا حقق شعبية كبرى جدا كانت واضحة في 30 يونيو ويوم التفويض وغيره ، إلا أن هذه الشعبية هي نتاج عمل إعلامي متواصل وتأزيم سياسي وميداني، أشرف عليه الجيش قبل الانقلاب، كما أن أخطاء مرسي والإخوان جرى تضخيمها وكان من السهل إسقاطه شعبيا بهذه الطريقة، فمرسي لم تكن في يده أي مؤسسة تحميه، بما فيها الجيش، وكانت ضده بيروقراطية الحزب الوطني ، أما الآن فمؤشر شعبية السيسي بدأ في التراجع، لا أقول لصالح الإخوان، وإنما لصالح العزوف والعزول كما حدث في عهد مبارك، وهذا شاهدناه جيدا في الاستفتاء على الدستور، وستظل مؤشرات ذلك الهبوط مستمرة حتى تصل إلى نقطة حرجة، إذ أن المشاكل التي حرض الإعلام على مرسي بها لإسقاطه تفاقمت، فالأسعار في زيادة كبرى ، وأزمات المرور والكهرباء هي هي، ومصر تشهد عصر قمعي كبير جدا لكل القوى السياسية والقتلى كل يوم، والانفلات الأمني ما زال، غير أن الإعلام المملوك لرجال أعمال لا يسلط الضوء عليها، لكن المواطن يرى ويسمع كل يوم هذه المشاهد في واقعه وبعيدا عن الإعلام، وهذا يسهم في تقويض الأساس الشعبي الذي بنى عليه الانقلاب مبرر وجوده في مصر .

أما في تونس وبقية البلدان فقد تصاعدت المواجهة الإقليمية ضد الإسلاميين وداعميهم فور الانقلاب، ووصلت أوجَّها في مرحلة التلاسن التركي الإماراتي ومرحلة سحب السفراء من قطر، إلا أن صمود الإخوان في مصر ورسوخ حكم حماس في غزة ومرونة وربما تنازلات إسلاميي تونس، المخجلة والكارثية في نظري، و نجاح أردوغان في الانتخابات المحلية، أوضح أن خطة الاستئصال هذه لن تكون بالسهولة المطروحة، ولذلك نشهد تراجعا ملموسا لهذا السعار الإقليمي ومحاولة تفهم الوضع الجديد. 

الإخوان كما أنهم خسروا بعضا من شعبيتهم في مناطق بعينها، وهذه الخسارة أعتبرها مؤقتة، لأنه يكفي أن يصل السيسي للسلطة وتتفاقم مشاكل الدولة حتى تنهار شعبيته الهشة أصلا، ويعود كثير من تلك الشعبية للتعاطف مع الإخوان المقموعين أو تقف على الحياد، إلا أن الإخوان عادوا من جديد لدائرة التعاطف الشعبي العربي الأوسع وخاصة في الخليج والمغرب العربي، فشعار رابعة يطوف حسابات العرب على الإنترنت، و المعارضون الخليجيون وجدوا من قضية انقلاب مصر فرصة للمواجهة الأخلاقية مع أنظمتهم، كما أن دوائر متعاطفيهم أصبحت ترى الإخوان حائط المقاومة والنضال الجديد أمام الأنظمة.

كذلك يعود الإخوان مجددا للصيغة العالمية لهم، متجاوزين الخط المحلي الذي كان بدأ يرسخ بعد وصولهم للحكم، حيث أضحى كل تنظيم محلي يختص برؤية وطنية خاصة به ، إلا أن المواجهة الإقليمية ضدهم أعادت التنظيم الدولي للواجهة، وأصبح التنسيق على مستوى عال متجاوزا الصيغ الوطنية التقليدية، ليتحول الإخوان من جديد إلى non state actor .. بشكل مؤثر وحقيقي، صحيح أن خسارتهم مواقعهم السابقة كان نوعا من الضربة الموجعة، إلا أن بقائهم في المواجهة ورفضهم لصيغ استسلامية للحل، وضعهم من جديد كطرف أصيل لا يمكن تجاوزه، وأعادهم إلى أحضان الشارع من جديد.

أما بالنسبة للأخطاء التي أودت لما حدث كي لايظن البعض أني أبريء ساحتهم منها .. فمن وجهة نظري أرى أن الإخوان قد أخطأوا عندما أقدموا على السلطة دون امتلاك قوة حقيقية غير هشة تحمي مكتسباتهم، سواء كانت قوى اقتصادية كبرى أو خلافها، حيث أن الشعبية الهشة في دولة كمصر يمكن فقدها سريعا، هذا حدث مع الإخوان وحدث مع الثورة، ويحدث مع السيسي الآن، كما أنهم يفتقدون القدرة على تجديد الخطاب السياسي وإنتاج خطاب شعبوي يشكل حاجز بينهم وبين أي محاولة انقلاب، كما أن إدراكهم كان ضعيفا للبنية السياسية الدولية، مما كان سببا في عدم قدرتهم على فهم مواضع أرجلهم في السياسة الدولية، أيضا لم يصارح مرسي شعبه بحجم المشاكل، وكان الخطاب التفاؤلي المشاع من الأمور المستخدمة ضده، كذلك عدم إشراك القوى السياسية الوليدة مكن الجيش والثورة المضادة من توظيف الغيرة السياسية لديهم لسحق الإخوان، كما حدث مع البرادعي و6 إبريل وكل هؤلاء ما بين سجين ومطارد.

 إلا أن كل تلك الأخطاء لا يعبر عن حقيقة ما حدث بشكل كامل، فالإختلاف البنيوي في المصالح بين الجيش والإخوان عميق جدا أكبر من مسألة سوء إدارة أو غيره، فقد صرح فهمي وزير الخارجية أن إزاحة مرسي لم تكن بسبب سوء الإدارة، وإنما بسبب أفكاره وتوجهاته، وكذلك فمعدلات النمو فبعهد الانقلاب أسوأ بكثير، وأداء الحكومة أكثر سوءا، ومستوى الحريات منعدم وكل هذا لم يسقط حكومة الانقلاب ولا نظامه، وهذا مدخل تفسيري هام جدا لفهم ما حدث ويحدث على بر مصر والمنطقة.