كتاب عربي 21

عين السيسي على السوق السوري

1300x600
ليست إيران هي الممول الوحيد لنظام بشار بالنفط، فوفقا للوثائق التي حصلت عليها وكالة رويترز للأنباء، فإن هناك فواتير بين شركة تجارية اسمها "ما وراء البحار لتجارة البترول" QPT، مقرها بيروت، وشركة Tri-ocean Energy التي مقرها القاهرة، وتثبت هذه الفواتير مسؤولية هاتين الشركتين في  نقل النفط العراقي إلى سوريا عن طريق ميناء سيدي كرير المصري.
 
الغريب رفض أي مسؤول مصري التعليق على هذه الأدلة كما رفض ممثل الشركة التي تدير ميناء سيدي كرير، التي تعرف باسم SUMED، التي تمتلكها الهيئة العامة للبترول المصرية، التعليق على الموضوع أيضا.

وأضاف التقرير الذي نشرته رويترز، في نهاية شهر ديسمبر 2013، بأن سوريا استوردت ماقيمته 17 مليون برميل من النفط، خلال الفترة من فبراير إلى أكتوبر 2013، جاء نصفها من إيران، والنصف الآخر من العراق، عن طريق ميناء سيدي كرير المصري .

دعونا نعود إلى الوراء قليلا، ففي 15 يونيو 2013، وأمام تجمع حاشد من أنصاره، دعا الرئيس مرسي إلى تدخل خارجي لإنهاء الأزمة في سوريا للإطاحة بالأسد ، ثم أعلن خلال خطابه في استاد القاهرة، الذي امتلاء عن آخره بالحضور، عن قطع العلاقة مع النظام السوري، وإغلاق سفارة النظام في القاهرة، وسحب القائم بالأعمال المصري من دمشق.

مقطع الخطاب في الوصلة هنا

بعدها مباشرة، قالت مصادر عسكرية مصرية، لم تعلن عن صفتها لوكالة رويترز: "إن قلق الجيش من الطريقة التي يحكم بها الرئيس محمد مرسي البلاد، بلغ مداه عندما حضر الرئيس تجمعا حاشدا اكتظ بمتشددين إسلاميين من أنصاره دعوا إلى الجهاد في سوريا .

ولكن هل كانت القضية وجود متشددين في مدرجات استاد القاهرة، يستمعون للرئيس مرسي أم أن الموضوع هو سوريا بالذات ؟
 
زار الرئيس السادات إسرائيل في نوفمبر 1977، معلنا انتهاء حالة الحرب معها، وقد مجدت وسائل الإعلام المصرية والإسرائيلية والغربية قراره بزيارة القدس، وبدأت في رسم مستقبل باهر للشعب المصري، معلنة أنه يجب أن لا يتحمل مسؤولية الدفاع  عن العرب، وأنه يجب أن يلتفت إلى رفع مستوى الشعب، ولكن هل نجح فعلا في ذلك ؟ 

في مارس من عام 1979 تم التوقيع على معاهدة كامب ديفيد، التي أعلنت انتهاء حالة الحرب بين الطرفين، ومنذ ذلك الحين تفرغ الجيش المصري للتجارة، تاركا حياة الجندية خلفه، فتحولت المصانع العسكرية إلى إنتاج أفران الغاز، وسخانات المياه، وأواني الطبخ، و تحولت خطوط إنتاج المركبات العسكرية إلى إنتاج سيارات الدفع الرباعي، الملونة التي لا يستطيع شراؤها سوى أبناء الضباط وأنسباؤهم، وأولئك الذين تمكنوا من الاستفادة من فوضى التحول الرأس مالي غير المنضبط، فمنذ حوالي 35 عاما والجيش المصري يكدس الأموال و ينشئ المصانع، ويستحوذ على السوق المصري ابتداء من صناعة المواد الغذائية والفنادق والقرى السياحية على شواطئ البحر وحتى المستشفيات الخاصة، فهو يملك أغلب أراضي الدولة إن لم يكن كلها، ويستولي على أي أرض يراها مناسبة لاستثماراته، كل ذلك مع إعفائه من الضرائب وتكاليف الماء والكهرباء والبلديات وغيرها، حتى أصبح مؤسسة استثمارية ضخمة يخيم عليها الفساد والمحسوبية .

لم يكن الاقتصاد المصري في أفضل حالاته منذ تلك الاتفاقية، فقد كان في حال هبوط مع بعض النتوئات الصاعدة من حين إلى آخر، ولكنه بالمجل كان اقتصادا فاشلا، وكأنه غير قابل للإصلاح، فكيف ينمو اقتصاد يسيطر عليه الجيش بكل امكانياته قاتلا أي مبادرة خاصة للمنافسة، وقد تقول لنا الرسومات البيانية للاقتصاد المصري، التي نشترها صحيفة "الفاينانشل تايمز" شيئا عن شكل هذا الاقتصاد وتصرفاته، ومع أنها تبدأ من 2003، إلا أنها توضح أن الاقتصاد المصري بمجمله، كان اقتصادا في طريقه إلى الانهيار .

رابط الرسوم البيانية هنا

والآن دعونا نرصد موقف نظام السيسي من الأزمة السورية ..

بعد الانقلاب بخمسة أيام، أعادت السلطات طائرة محملة باللاجئين السوريين، أغلبهم نساء وأطفال، كانوا يطمحون في حياة أكثر أمنا إلى بلادهم، ليواجهوا مصيرا مجهولا هناك .

وفي الثاني من سبتمبر 2013، وفي موقف مخالف للملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى، أعلنت مصر معارضتها لأي ضربة عسكرية ضد نظام بشار، على لسان وزير خارجية الانقلاب نبيل فهمي، وفي الثالث من سبتمبر من نفس العام، أعلن الجيش الحر عن حصوله على صواريخ  مصرية لم تنفجر، مختوم عليها هيئة التصنيع العسكرية، مصنع صقر، وبث المقطع على اليوتيوب، ثم توالت المقاطع التي بثها الجيش الحر، متهما الحكومة المصرية بتمويل الجيش السوري بأسلحة صاروخية .

وفي 17 أكتوبر، أصدرت "أمنستي أنترناشونال" بيانا قالت فيه: "إن النظام المصري يسيء معاملة اللاجئين السوريين، و نشرت صورا لأطفال ونساء مكدسين في زنازين بائسة صغيرة قذرة في أقسام الشرطة.

وفي نهاية عام 2013، أصدرت العديد من المنظمات المعنية بحقوق الإنسان، ومن ضمنها "هيومن رايتس وتش"، تقريرا عن سوء معاملة سلطات الانقلاب للاجئين السوريين، وإجبارهم على العودة إلى سوريا، في تصرف غير مقبول وغير إنساني، فقد أصبح سوء معاملة اللاجئين السوريين عاملا مشتركا لدى الدول المعارضة، لسقوط بشار تأتي في مقدمتها النظام الانقلابي في مصر.

ومؤخرا رفضت سلطات الانقلاب في القاهرة، إعطاء كرسي سوريا للمعارضة خلال اجتماعات الجامعة العربية، في تحد واضح وصريح لكل ممولي الانقلاب، منضمة في قرارها هذا إلى تكتل يجمع العراق و لبنان والجزائر، فهل الدولارات التي يحصل عليها السيسي من تهريب النفط العراقي إلى سوريا، أجمل من الدولارات التي تصل إليه من بعض  دول الخليج ؟ و ما السبب الذي يجعله يقف مع أعداء مموليه ؟ 

تقول مصادر مطلعة غربية، بإن السيسي ضمن الدولارات الخليجية التي يجب أن تصل إليه لمنع عودة الإخوان إلى الحكم، و لكنه يريد أيضا أن يحصل على نصيبه من ثروات الحرب السورية، التي لا يمكن مقاومة بريقها .

لقد اكتشف ضباط الجيش الانقلابيون، سوقا كبيرة جدا، أكبر من تسويق أواني الطبخ و المعلبات الغذائية، وسخانات المياه، إنها السوق السورية التي تعاني من حصار شديد، فتم إنشاء شراكه رباعية بين بعض جنرالات الجيش المصري وإيران والعراق، وشركات لبنانية على صلة وثيقة بحزب الله، لتغطية النقص في واردات النفط السورية، ولم يتوقف الأمر هنا ، بل إن جنرالات الجيش المصري، وجدوا أيضا فرصة تجارية في مبيعات الأسلحة إلى النظام السوري، فهل هذه هي مصر التي يريد أن يراها ممولو الانقلاب؟