مقالات مختارة

الغرب يتخبط

1300x600
كتب خالد القشطيني: يشكو حتى الغربيون أنفسهم الآن من تخبط حكوماتهم. والظاهر الجلي أن ما نعانيه نحن أيضا من التخبط هو انعكاس ونتيجة من نتائج التخبط الغربي. والعجيب في هذا التخبط الغربي أنه يقع رغم كل ما لديهم من جواسيس وخبراء وشبكات معلومات ومعاهد دراسة وأبحاث مكرسة لشؤون الشرق الأوسط. لماذا يقعون في هذه الأخطاء التي يراها ويشعر بها حتى أبسط الناس؟ سؤال محير.

صدر مؤخرا تقرير من مؤسسة روسي (معهد الخدمات المتحدة الملكي)، إحدى أهم مؤسسات الأبحاث العسكرية في بريطانيا ويعترف التقرير بأن تدخل بريطانيا وأميركا في أفغانستان والعراق كان فاجعة استراتيجية. لقد أنفقت بريطانيا حتى الآن 20.6 بليون جنيه على تدخلها في أفغانستان و9.6 بليون جنيه على تدخلها في العراق وما زالت تتحمل ملايين الجنيهات سنويا على تبعات هذا التدخل (كالتعويضات ورعاية الجرحى والمقعدين). ولم تحقق أي شيء من أهداف التدخل. فالإرهاب العالمي أصبح أكثر مما كان عليه في زمن صدام حسين. وطالبان و«القاعدة» أكثر خطرا في أفغانستان. وإنتاج الأفيون تعاظم فيها. ولم يعثروا على أي أسلحة دمار شامل في العراق (الهدف المعلن للغزو). وأسفر الحكم في بغداد عن تهميش الطائفة السنية (يقصدون بذلك وقوع العراق في قبضة إيران). وقتل في الحرب مائة ألف عراقي وتشرد مليونان منهم.

ورغم كل ما صرح به أوباما وقاله في خطابه الشهير في القاهرة عن تفهم الإسلام والمسلمين والصداقة معهم، يجمع الخبراء الآن بأن المسلمين أصبحوا أكثر عداء ضد أميركا مما كانوا في السابق. يشيرون إلى فشله في حل المشكلة الفلسطينية وتردده في حسم النزاع في سوريا وكل ما أسفرت عنه أحوال دول الربيع العربي.

وصفت صحيفة «الغارديان» باراك أوباما بأنه أصبح مثل الراكب في حافلة، قاعد في مكانه والحافلة تسير على هواها والمناظر تتغير على جانبيها، وهو قاعد يتفرج لا شأن له بأي منها.

لا شك أن فشل الغرب في أفغانستان والعراق وليبيا، جعل الغربيين يترددون في خوض هذا المستنقع. بيد أن مسؤوليتهم تعاظمت الآن بسبب هذا الموقف السلبي. فلا هم يتدخلون ولا هم ينفضون أيديهم منا ويتركوننا لشأننا. ففي سوريا شجع أوباما السوريين على ثورتهم، بل ونهاهم عن الاستسلام للأسد. فهم السوريون من ذلك أنه سيقوم بدور مشابه لدوره في ليبيا ويساعدهم عمليا. ولكنه مسك يده وانزوى وتركهم حبلهم على غاربهم. وهذه مسؤولية خطيرة أسفرت عن هلاك ألوف الأرواح وتشرد الملايين والدمار الشامل للبلد. كرر مثل هذا الموقف السلبي حيال استعمال الأسلحة الكيماوية. حذر الأسد بأنه يعتبرها خطا أحمر. ولكن ثبت الآن أنه تجاوز هذا الخط. ولم يفعل أي شيء أوباما.

وبهذا راحت أميركا تفقد مصداقيتها وفاعليتها شيئا فشيئا. هذا موضوع يتطلب من الغرب سياسة واضحة، لتفهم شعوب العالم وتعي مدى استعدادات العالم الغربي.

(الشرق الأوسط)