صحافة دولية

إريك تريغر: الإخوان لا يفكرون بالمصالحة ويشعرون بالنصر

يواصلون ثباتهم ويشعرون بالنصر - (أرشيفية)
لم تتغير مطالب الإخوان المسلمين منذ الإطاحة قبل عام تقريبا بالرئيس محمد مرسي، والتي تتلخص بالآتي: يجب عودته للحكم ولو لفترة مؤقتة، ويجب معاقبة من قام بالانقلاب عليه، عبد الفتاح السيسي الذي يتوقع أن يفوز بالانتخابات في الأسبوع المقبل. كل هذا رغم القمع المتواصل ضد الجماعة ومقتل أكثر من 2500 شخص واعتقال 16 ألفا من الإخوان المسلمين ومؤيديهم. 

واستمر الإخوان المسلمون بالتظاهر والاحتجاج، ويرى إريك تريغر في مقال نشرته مجلة "نيو ريبابلك" أنه في ضوء "الوهم الخطير الذي يعيشه الإخوان والمعركة الوجودية التي يخوضونها.. منذ الإطاحة بمحمد مرسي فإن من المتوقع أن تتدهور الأوضاع أكثر". 

وفي المقالة يقرأ الكاتب تصميم الإخوان على مقاومة النظام الحالي في مصر. ورغم أن الظروف ضدهم، إلا أنه لاحظ ثباتا على الموقف وشعورا بأنهم ينتصرون، وهذا السبب الذي يجعلهم لا يفكرون في التصالح مع النظام.

ويضيف أن الولايات المتحدة حاولت منذ الانقلاب في الصيف الماضي تشجيع كل من الإخوان والحكومة المدعومة من العسكر على "المصالحة"، ولكن وبعد عام تقريبا فإنه "لا يبدو أي من الطرفين مهتما بالتنازل للطرف الآخر"، فالجيش يخشى من عودة الإخوان وإعادة تنظيم صفوفهم والفوز مرة أخرى بالسلطة، وبالتالي الانتقام. أما الإخوان فمتمسكون بمطالب الشرعية. ووجه تمسك الإخوان بمطالبهم هو "شعورهم بأنهم ينتصرون، أي انس المصالحة واترك الأمر للمواجهة.

ويلفت الكاتب إلى أن اتصالات من نوع ما أحيانا مباشرة، تمت بين الحكومة المدعومة من العسكر والإخوان المسلمين بعد انقلاب تموز/ يوليو، ولكن نتائجها كانت مماثلة حيث تمسك كل طرف بمطالبه. ففي الوقت الذي خفف فيه الإخوان من مطالبهم بعودة مرسي إلا أنهم متمسكون بعودة الشرعية التي تعني الشيء نفسه أي عودة مرسي. ولكن محمد طوسون، النائب السابق وعضو فريق مرسي القانوني، يقول إن "عودة مرسي ومواصلته الحكم ليس ما نريده.. يجب أن يعود مرسي لاتخاذ قرار عقد انتخابات جديدة وبعدها يترك المنصب".

ويطالب الإخوان بتحقيق "العدل الانتقالي"، وهو مصطلح -كما يقول- مستعار من جنوب إفريقيا في مرحلة ما بعد التمييز العنصري، لكن بدون بعد المصالحة فيه. وبحسب أحد قادة الإخوان المسلمين، فالجماعة تريد تشكيل "لجنة مستقلة" للتحقيق في عمليات القمع التي قامت بها قوات الأمن على  ضد تظاهرات الإخوان الرافضة للانقلاب "وستكون نتائج التحقيق إجبارية على كل طرف، حيث سيجرم القاتل"، ما يعني أن السيسي والكثير من زملائه ستتم محاكمتهم وتصدر عليهم أحكام الإعدام. ويقول تريغر إن "شباب الإخوان يصرون على هذه النقطة، فبحسب طالب بجامعة القاهرة "يجب إعدامه بعد سقوط الانقلاب"، ويعلق الكاتب بأن الجيش يرفض مجموعة من المطالب التي تشمل إعدام جنرالات.

وبالنسبة لمطالب العسكر، فهي مماثلة ولا تشجع على التنازل، فبحسب عماد عبدالغفور، المستشار السابق لمرسي، والذي عمل كمنسق بين الإخوان وكبار الجنرالات، فإن الجيش مستعد للإفراج عن كل معتقلي الإخوان المسلمين باستثناء 300 منهم. 
 
ويعلق تريغر بأن هذا يبدو على الورق تنازلا من الجيش، ما يعني أن 10 آلاف أو يزيد من المعتقلين سيتمكنون من العودة لبيوتهم، لكن الـ 300 الذين لن يطلق سراحهم هم في الغالب قادة الحركة. ونظرا لطبيعة الحركة الهرمية، فهذا يعني قبولا بتجميدها وقطع رأسها. ويطالب الجيش أيضا بمشاركة الإخوان في العملية السياسية التي بدأها الانقلابيون في مرحلة ما بعد مرسي، وهو شرط لا يقبل به الإخوان لأنه يعني قبولهم بشرعية ما حدث.

ويعتقد تريغر أن سبب تمسك الإخوان مرتبط بالمبدأ وبأمرين آخرين، الأول هو خوف حصول تمرد في صفوف الحركة، خاصة أن الكثيرين منهم فقدوا أبناء وأقارب وأصدقاء في عملية القمع التي استهدفت اعتصامي رابعة والنهضة في آب/ أغسطس. وبحسب عبدالله الميهي، أحد شباب الإخوان وقد انتقل إلى تركيا فإن "الشباب الذين شاهدوا الدم لا يفهمون سوى لغة الثورة"، وعليه فهم يريدون تسوية ترضي ما شاهدوه. ومن هنا فالمصالحة بدون معاقبة النظام على أفعاله لن تؤدي إلا إلى تقسيم الجماعة، وبحسب أحد القيادات: "إذا حاكمنا من هو المسؤول عن سفك الدماء فعندها يكون هناك حوار".

الأمر الثاني، يعتقد قادة الإخوان أنهم رغم كل ما يتوفر من معلومات فإنهم ينتصرون. وبحسب جمال حشمت، أحد قادة الإخوان الذي يقيم في إسطنبول، فإن "هدف الانقلاب كان محو الإسلام السياسي"، و"لكن الانقلاب في مصر ترك أثرا عكسيا، فقد أعاد الثقة بالإخوان، خاصة عندما يقارن الناس ما تم تحقيقه في عهد مرسي بما حدث فيما بعد". وردد طوسون محامي مرسي نفس الكلام: "لا أعرف انقلابا في العالم يواجه مقاومة مثل هذه"، في إشارة للتظاهرات المستمرة في مصر. 

ويعلق الكاتب بأن غياب الواقعية من جانب الإخوان ليس جديدا، مشيرا إلى أنهم لا يصدقون أن ملايين خرجوا في 30 حزيران/ يونيو ضدهم، ولأن الإخوان يعتقدون أنهم ينتصرون فليس هناك ما يدفعهم للتنازل.

ويعتقد الكاتب بأن الإخوان لا ينتصرون خلافا لما يعتقدون، فهم في أضعف حالاتهم منذ أربعة عقود، وتعاني الحركة من تشتت، ولم تعقد "الأسر" في بعض المراكز الحضرية اجتماعات منذ الإطاحة بمرسي. ولم تلتق قيادة الإخوان منذ تموز/ يوليو، مع أن القيادة التي تسير أمور الجماعة غير معروفة حتى للقيادات الذين يعيشون في المنفى مثل حشمت الذي قال "من يديرون الحركة لا أعرف من هم ولا أحد يعرف".

وعادة ما يتحدث محمد علي بشر، الذي عمل مع مرسي في حكومته نيابة عن الإخوان، إلا أنه لا يعرف ما إذا كانت قيادة الإخوان قد كلفته. ويقول قيادي في الإخوان إن نائب المرشد العام جمعة أمين، المقيم في لندن والذي يعاني من مشاكل صحية هو الذي يدير الحركة، إلا أن رياض الشقفة، زعيم الإخوان السوريين المقيم في إسطنبول، قال إن السكرتير العام محمود حسين الذي مثل الحركة في الاجتماعات الدولية قد اعتقل في آب/ أغسطس الماضي.

وحتى بدون معرفة قيادتهم، فإنه لا يزال شباب الإخوان يتلقون الأوامر وينفذونها عبر مواقع التواصل الاجتماعي المرتبطة بالإخوان. ففي تظاهرات الجامعات يتلقى الشباب التعليمات من خلال "فيسبوك"، ومصرون على مواصلة تحدي النظام الحالي رغم المخاطر، و"كل واحد يتطلع للشهادة" حسب ناشط إخواني في جامعة القاهرة، قتل شقيقه في عمليات القمع التي رافقت الهجوم على ميداني رابعة والنهضة. ويضيف: "هناك شبان أصغر  عمرا مني يتطلعون للجنة، ولم أحصل على هذا الشرف، وسألت الله أن يمنحني الشهادة لأنني ارتكبت أخطاء كثيرة". وكان الميهي الذي يعمل في تلفزيون رابعة في إسطنبول مصمما مثل البقية "سنواصل المقاومة حتى آخر نقطة" من دمنا، "لأننا ذقنا طعم الحرية ولن نعود للعبودية مرة أخرى". وهذا هو السبب الذي يجعل من تحقق "المصالحة" أمرا بعيدا، و"يفضل الإخوان الموت وهم يقاتلون النظام الحالي على الجلوس معه" بحسب تعبير تريغر.