كتاب عربي 21

هل يتكرر السيناريو المصري في ليبيا؟

1300x600

معارضو تحرك حفتر للوصول للسلطة، والذي رتب له منذ عامين، كما أشار في مقابلته مع صحيفة الشرق الأوسط، يجزمون بأنه تكرار -في كثير من التفاصيل- للسيناريو المصري الذي قاد إلى عزل مرسي، ومهد لعبدالفتاح السيسي حكم البلاد. فحفتر الضابط العسكري "المخضرم" يلقى دعم القوى التي عارضت ثورة 17 فبراير، ويتمتع بمساندة لم تخفِها مصر وبعض دول الخليج، ويرفع شعارات شبيهة بشعارات السيسي وفي مقدمتها مواجهة الإخوان المسلمين. لكن استنساخ المقاربة ومحاولة تكرار التجربة لا يعني أن نجاحها مضمون، لسببين بسيطين يتعلقان بــ : 

- الاختلاف الجذري بين مكانة وموقع الجنرالين
- اختلاف الظروف السياسية والأمنية في البلدين

فليس للسيسي ماض يلاحقه أينما ذهب كما هو الحال مع حفتر الذي لا يفتأ معارضوه من التذكير بدوره في مجيء القذافي للسلطة، وقيادته للحرب الخاسرة في تشاد، والتي ترتب عليها مآسٍ كبيرة للشعبين. وكان السيسي متماهيا مع المنظومة القائمة بشغله منصب وزير الدفاع ولا خلاف عليه بين مراكز القوة الفاعلة  خاصة في الأجهزة العسكرية والأمنية، بينما صدرت ضد حفتر أوامر من جهات رسمية وعسكرية بالاعتقال، ويعارضه كثيرون من بينهم ضباط كبار كونه -في رأيهم- لم يلعب دورا حيويا في الثورة وفي الحرب ضد القذافي، ويستشهد خصومه على الفضائيات وعلى صفحات الفيسبوك بخلافه مع عبدالفتاح يونسن، ونزاعه مع المجلس الانتقالي في الأشهر الأولى من اندلاع الثورة.

أما على مستوى اختلاف الظروف، فإن مكانة الجيش المصري لا خلاف حولها، كما لا نزاع على تماسكه وقدرته على الحسم وفرض الأمن، فيما يشكك حتى بعض من يناصرون حفتر في قدرة قواته على تحقيق أهداف تحركه في معركة حاسمة كما صرح، وعلى دحر خصومه من الكتائب المحسوبة على التيار الإسلامي بدرجاته المعتدل والمتشدد، خصوصا وأن الصدام الأول الذي وقع الجمعة قبل الماضية لم يدعم إمكان الحسم أو يُشِر إلى اقتراب قوات حفتر منه، وأن أي تصعيد في المواجهات من خلال التحشيد سيقود إلى تحشيد مواز وينتهي إلى حرب واسعة ستكون نتائجها عكسية على اللواء حفتر ومشروعه قبل أن يتأكد ضررها على خصومه.

ويرتبط بنقطة اختلاف الظروف بين البلدين مسألة عدم تماسك مشروع حفتر وتبلوره في رؤية واضحة واستراتيجية ثابتة، فقد تأرجح تحركه من محاولة انقلاب عسكري أعلن عنه في فبراير الماضي في العاصمة طرابلس، ثم تراجع إلى عملية جزئية هدفها القضاء على "المتشددين" في مدينة بنغازي، وهو اليوم يدعو إلى مشروع تغييري شامل بشراكة أطراف رسمية، بإعلانه تشكيل المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ودعوته للمجلس الأعلى للقضاء لتشكيل مجلس رئاسي، تنبثق عنه حكومة لإدارة البلاد، والإشراف على الانتخابات البرلمانية القادمة.

وبرغم اتساع رقعة المؤيدين لتحرك حفتر، إلا أن طموحه ضاعف من مخاوف معارضيه وسيدفع إلى تكتلهم، وبالتالي فإن سيناريو التغيير في شكل وهيكل العملية السياسية من مؤتمر وطني منتخب وحكومة منتخبة، إلى تغيير قسري -ترسمه وتديره مجموعة قليلة لا يتعدى عددها أصابع اليد الواحدة أو أكثر بقليل- ربما سيقابَل بمزيد من التعنت من قبل القوى المناصرة للمؤتمر الوطني كونه، برغم مساوئه، الجسم المنتخب.

عليه فإن الوضع الليبي -في حال استمر دفع حفتر باتجاه القضاء على خصومه الذين يمثلون جبهة عسكرية قوية- متجه إلى تصعيد خطير ومنعطف حاد، إذ سيكون من الصعب على حفتر التراجع بعد التأييد الذي تلقاه، فتراجعه سقطة كبيرة في نظر من أيده،  كما أن التراجع سيكون بالنسبة للطرف الآخر بمثابة انتحار بعد تضحيات حرب التحرير ومكتسباتها وأولها الخطو باتجاه الديمقراطية، ويضاف إليها الشعور بأن انتقاما من الممكن أن يقع من قبل أطراف أعلنت تأييدها لحفتر كردة فعل على نتائج ثورة 17 فبراير. 

ومن المهم التنبيه أنه حتى في حال انكسار أعداء حفتر في بنغازي في المواجهات المباشرة، فإن ذلك لن يكون نهاية المطاف، بل بداية المواجهات المتقطعة، والاستهداف الخاطف عبر عمليات صغيرة ولكن موجعة، ويقوم هذا الاحتمال على فرضية عدم تسليم المجموعات الإسلامية المسلحة بالهزيمة، والاستماتة للنيل من الخصم بكل الوسائل، وهو ما يؤكد خطأ خيار المواجهة من أساسه باعتبار أنه سينتهي إلى نتائج كارثية تصغر أمامها مبررات حفتر في إعلانه الحرب على خصومه.

السيناريو المشار إليه سابقا يجعل من الحالة الليبية بعيدة الشبه عن التجربة المصرية، وربما ستتضح الفروق مع اتساع المواجهات (لا سمح الله).

ولأن سيناريو المواجهات مرعب وآثاره كارثية، لذا من المتوقع أن لا يرجح أو لا يستفحل، وفي حال رجحانه ينبغي العمل بقوة لمنع وقوعه. ومن المتوقع أن يُصار إلى سيناريو التسوية السلمية والتي من المفترض أن تقود إلى تغيير في العملية السياسية دون أن تضر بالمسار الديمقراطي، بمعنى يمكن أن يترتب عليها توافق يفضي إلى تغيير المنظومة والهياكل الراهنة، وقد تكون مبادرة الحكومة التسييرية نموذجا لشكل التغيير وملامح التسوية المرتقبة.  وفي حال رجح هذا السيناريو فمن المتوقع أن يصر الطرف الآخر على عدم تصدر حفتر كشرط من شروط التسوية، دون أن يمنع ذلك لعبه دورا بطريق أو آخر.