صحافة دولية

فورين بوليسي: لا يمكن كسر حماس

لا شيء يكسر حماس - أرشيفية
قال مارك بيري في تقرير نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، إن العملية العسكرية لن تؤدي إلا إلى زيادة التشدد والتطرف في غزة. وتحت عنوان "لا يمكنك قتل حماس، بل تجعلها أقوى".

 ويناقش الكاتب هنا آراء "الخبراء" الذي يلومون حماس بذريعة أنها بدأت الحرب التي دخلت أسبوعها الثاني لأنها "معزولة وضعيفة". وينقل ما قاله محلل إسرائيلي، أن حماس "معزولة ولا أحد يهتم بها" في العالم العربي، وتواجه ثورة بين الغزيين و"تبحث عن مخرج" من هذه الأزمة بافتعال أزمة مع إسرائيل. 

ويقول مدير مركز بحث مهم في واشنطن إن "حماس بدأت الصراع لأنها معزولة وضعيفة وستنهي النزاع ضعيفة وأكثر عزلة".

ويرى بيري أنه "ليس صعبا اكتشاف أن حماس معلقة على حبل  المشنقة، بسبب ما حدث في 12 حزيران/ يونيو بعد اختطاف ثلاثة مراهقين، وقيام الجيش الإسرائيلي بحملة اعتقالات ضد 300 من ناشطي الحركة في الضفة الغربية، ومصادرة كميات من الأسلحة، وشن عملية (الجرف الصلب)، وتدمير 1300 موقع لقاء قتل 160 فلسطينيا. وحتى قبل اندلاع العنف فإن موقف حماس السياسي بدا ضعيفا".
 
ويشير الكاتب إلى الإطاحة بالرئيس المصري محمد مرسي السنة الماضية، والحملة التي شنتها الحكومة الجديدة لإغلاق الأنفاق التي تربط سيناء المصرية بغزة، ويرى أيضا في إنشاء حكومة الوحدة الوطنية تهميشا للحركة الإسلامية لصالح القيادة التقليدية لمنظمة التحرير الفلسطينية.

هل هي ضعيفة؟

وبعد كل هذا العرض.. يتساءل: هل حماس ضعيفة ومعزولة؟

بحسب عدد من العسكريين الأمريكيين فالحقيقة عكس هذا. "فحماس قوية، والهجوم الإسرائيلي الحالي عليها لن يؤدي إلا لتقوية شوكتها أكثر".

ونقل عن مسؤول بارز في فتح قوله إن "الجيش الإسرائيلي يزعم أنه كسر ظهر حماس في الخليل وبيت لحم ونابلس.. هذه نكتة، فالتهديد الحقيقي يكمن في الذين في السجون، أما المعتقلون الحاليون فهم المشتبه بهم دائما". 

وهذا الوضع صحيح بالنسبة لغزة، حيث لم يمس قيادة حماس سوء، رغم الهجوم الإسرائيلي. وحماس لا تناشد إسرائيل وقف إطلاق النار.

وفي 9 تموز/ يوليو مرر دبلوماسي عربي بارز في عمان تقريرا حصل عليه من زميل مصري له، جاء فيه أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اتصل بقيادة حماس وعرض عليها التوسط لحل النزاع  "فرفضت حماس العرض" كما قال الدبلوماسي، "وقالوا إن أرادت إسرائيل أن تأتي فلتأت". ورفض أسامة حمدان، رئيس دائرة العلاقات الخارجية في حماس تأكيد التقرير ولكن تقييمه للوضع كان: "نحن في وضع جيد".

ويقول الكاتب: "ليست هذه هي المرة الأولى التي يتنبأ فيها الإسرائيليون والأمريكيون بنهاية حماس، فهم يفعلون هذا منذ عام 2006 ليخيب أملهم".

ففي الانتخابات التشريعية التي عقدت في كانون الأول/ يناير 2006، كانت الولايات المتحدة تقدم  لفتح الخبرات والتمويل، وتوقعت كوندوليزا رايس، وزيرة الخارجية هزيمة حماس، لتفوز الأخيرة بأغلبية ساحقة. وعندها حاصرت إسرائيل غزة ومنعت دخول الطعام. وبحسب وصف مسؤول إسرائيلي فإن الفكرة كانت "جعل الفلسطينيين يمارسون الحمية" عن الطعام، وخلق أزمة اقتصادية تؤدي لخسارة حماس شعبيتها، ولم يحدث هذا.

ولهذا، فقد قررت الولايات المتحدة عام 2007 دعم ميليشيا من فتح لسحق حماس في غزة، وقامت حماس بإحباط التحرك، في معركة شرسة ولكنها قصيرة، وكانت فتح هي التي خرجت من غزة وليس حماس.

عمليات عسكرية

ولم تنجح سلسلة عمليات عسكرية قام بها الجيش الإسرائيلي لتدمير حماس؛ من عملية "الرصاص المسكوب"، في كانون الأول/ ديسمبر  2008 التي قتل فيها أكثر من 1400 فلسطيني، فيما قتل من الجيش الإسرائيلي 6 جنود، إلى عملية "أعمدة الدخان" في تشرين الثاني/ نوفمبر 2012 التي قالت إسرائيل إنها تهدف "لشل الحركة الإرهابية في غزة والدفاع عن الإسرائيليين الذين يعيشون تحت النار"، وبعد العملية تفاخرت إسرائيل بعدد القادة الذين قتلتهم من حماس ومخازن الأسلحة التي  دمرتها، لكنّ حماس بقيت تسيطر على قطاع غزة.

ويقول إن بعض المسؤولين الأمريكيين يشعرون بالغضب من استمرار المزاعم التي تقول إن حماس على حافة النهاية. ونقل عن عسكري أمريكي بارز قوله إنه "من المستحيل قياس قدرات حماس أو إمكانياتها على النجاة من الهجمات.. ولكن إن أخذنا بعين الاعتبار تاريخ "سيناريو حماس انتهت" فهو مبالغ فيه. وأثبتت الحركة أنها قادرة على تحمل الضربة".

أغضبت أمريكا


ويرى الكاتب أن إسرائيل لم تفشل فقط في التخلص من حماس، ولكن طريقة تعاملها مع الفلسطينيين أغضبت حليفتها المهمة، الولايات المتحدة. فبعد انهيار محاولة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري التوصل لتسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين شعر الأمريكيون بالإجهاد والإحباط من إسرائيل.

وفي الوقت الذي كانت فيه صفارات الإنذار تنطلق في كل إسرائيل الأسبوع الماضي، تساءل منسق الشرق الأوسط في البيت الأبيض فيليب غوردون، في مؤتمر انعقد في تل أبيب عن المسار الذي اتخذته حكومة نتنياهو.

وتساءل: "كيف يمكن لإسرائيل البقاء دولة ديمقراطية ويهودية إذا حاولت حكم ملايين العرب الذين يعيشون في الضفة الغربية؟ كيف ستعيش في سلام وهي ترفض رسم الحدود، وإنهاء الاحتلال ومنح الفلسطينيين السيادة والأمن والكرامة؟ وكيف يمكن منع الدول الأخرى من دعم الجهود الفلسطينية للانضمام للمؤسسات الدولية إن لم تكرس إسرائيل نفسها للسلام؟

وأضاف غوردون، أن احتلال إسرائيل للضفة الغربية ينزع عن الفلسطينيين بشريتهم ويؤدي إلى عدم استقرار في المنطقة.

ويقول الكاتب إن غوردون لم يقل شيئا لم يقله كيري في لقاءاته الخاصة مع نتنياهو خلال التسعة الأشهر الماضية. وبحسب مسؤول بارز مطلع على المناقشات  فقد كانت "ذات طابع وقح وغير مريحة". ومن أكثر المناقشات التي لم ترح نتنياهو، تلك التي حصلت في شباط/ فبراير عندما وصل كيري للقدس بعد لقائه بمسؤولين في مؤتمر ميونيخ للأمن. وكان كيري يتوقع أن يتركز اللقاء على أوروبا الشرقية والأزمة في أوكرانيا، وعوضا عن ذلك، فقد أمطر المسؤولون كيري بالأسئلة حول جهود الوساطة بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

وأخبر المسؤولون في الاتحاد الأوروبي كيري بأنهم مستعدون للانضمام لجهود المقاطعة  في حال رفضت إسرائيل التعامل بجدية مع المفاوضات. وعندما قال كيري إن الولايات المتحدة ستعارض خطوة كهذه، قيل له إن صبر أوروبا نفد.

وعندما وصل كيري في 2 شباط/ فبراير إلى القدس وحاول إيصال الرسالة لنتنياهو قائلا إن "إسرائيل تواجه مشكلة في أوروبا"، ظن رئيس الوزراء الإسرائيلي أن كيري يحاضر عليه، فرد بغضب: "لن يتم ابتزاز إسرائيل كي توقع على اتفاق مع الفلسطينيين". و"في الحقيقة رفع أصبعه في وجه كيري"، وبعدها بدأت حملة على كيري حيث اتهم نفتالي بينيت، وزير الاقتصاد كيري بأنه "متحدث" باسم العداء للسامية. 

وتيقن مستشارو كيري أن نتنياهو الذي كان يخشى انهيار حكومته يقف وراء التسريب. فقد كانت مواجهة كيري طريقته لإرضاء تحالفه. ولكن اتهام كيري بأنه متحدث باسم المعادين للسامية كان خطيرا. 

عباس لعريقات: اخرس

وفي الجانب الفلسطيني كان كيري يواجه القيادة الفلسطينية؛ فقد اختلف عباس ومساعدوه، بحسب مسؤول بارز في فتح، حول استراتيجية التفاوض، فكلما بدا قابلا بالموقف الإسرائيلي كلما بدا ضعيفا وزادت قوة حماس في الضفة. 

وبدا التوتر في القيادة الفلسطينية أثناء اجتماع عقده كيري مع كبير المفاوضين الفلسطينيين وعباس، وكان عدم الارتياح باديا على كيري، وعندها التفت عباس إلى عريقات الذي أطال في حديثه قائلا "اخرس. ألا يمكنك السكوت؟ كل ما تفعله هو الكلام. اخرس"، والتفت عباس لكيري قائلا: "لا تستمع إليه.. أنت تفاوض معي".

وبحلول آذار/ مارس، كان عباس يواجه أزمة مع عدد من قادة فتح. وبحسب مصدر مطلع، وفي واحد من اللقاءات التي عقدت في مكتب عباس بداية هذا العام، فقد هاجم عباس واحدا من نقاده واتهمه بتأييد حماس، وصرخ فيه: "كيف تدافع عن هؤلاء الناس؟ إنهم هم الذين تعاملوا مع إيران، كيف يبدو هذا لك؟"، فرد عليه ناقده: "صحيح، ونحن من نتعامل مع إسرائيل، كيف يبدو هذا لك؟"، وخرج من الاجتماع وهو يصرخ قائلا: "ولم نحصل على شيء".

لعبة عباس

وخيمت حماس على لقاء كيري- عباس كما يقول المسؤول الفلسطيني. وهدد عباس بأنه سيتصالح مع الحركة في حال فشلت المفاوضات، وسيطلب العضوية في المنظمات الدولية وهو ما فعله بعد انهيار المفاوضات.

وبحسب مسؤول فتح، فقد أكد عباس لكيري أن اتفاق المصالحة مقصود منه "تدمير حماس" من خلال إدخالها في العملية السياسية وهزيمتها في الانتخابات. قال عباس لكيري: "أكره حماس. لا تقلق عندي لهم خطة". 

بالنسبة للإسرائيليين، فإنهم لم يصدقوا خطة عباس وانفجروا بالضحك حسب الدبلوماسي الأمريكي الذي تحدث للكاتب عن لقاء كيري- نتنياهو. وأضاف أن الإسرائيليين تصرفوا كالذئب في لباس الحمل، قائلين إنه لا فرق بين عباس والإرهابيين. واتهموا عباس بالتخطيط لتسليم السلطة الوطنية لخالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحماس. 

وبحسب الدبلوماسي فقد صعق كيري لهذا التفسير الإسرائيلي؛ فإذا كانت إسرائيل مقتنعة بأن عباس سيتبادل السلطة مع حماس، فلماذا إذن تقوم بالتفاوض معه؟

وبعد انهيار المفاوضات وإعلان حكومة الوحدة الوطنية صعدت إسرائيل من حملتها على حماس، وقارنها وزير الاستخبارات الإسرائيلية يوفال ستنتز بداعش، وقال: "لا أرى فرقا بين إرهابيي حماس وجماعة داعش التي أعدمت الجنود العراقيين". وحاول الوزير الإسرائيلي إظهار أن إسرائيل مثل أمريكا في العراق، تقاتل الجهاديين المتطرفين "الذين هم سواء، ويريدون تحقيق نفس الهدف" حسب مسؤول استخبارات أمريكي سابق. وأضاف أن "هذا كلام فارغ، داعش متطرف أكثر من حماس، وعندما قررت حماس المشاركة في الانتخابات اعتبرتها الجماعات الراديكالية جماعة كافرة". وقال المسؤول الأمني السابق، إن "فكرة ضرب حماس لتقوية المعتدلين، فكرة ساذجة"، و"الحقيقة هي أن عملية (الجرف الصلب) أضعفت عباس وتركت فراغا في الضفة الغربية، واحد من سيملأ الفراغ؟ وعلى ما يبدو ليس لدى إسرائيل الجواب؟".

ماذا بعد؟

ويرى الكاتب أن سؤال "ماذا بعد؟" مثير للخوف بالنسبة لعدد من الدبلوماسيين وقادة الاستخبارات الأمريكيين. فالهجمات الإسرائيلية المتكررة على غزة في السنوات الماضية أدت لتشتيت الجماعات المسلحة في غزة، وقوت عناصر فيها مثل لجان المقاومة الشعبية والجهاد الإسلامي اللتين تعتبران أكثر تشددا من حماس. وفي عام 2007 و2009 عقد حزب التحرير الذي يدعو لإقامة الخلافة مسيرات في الخليل جذبت إليها أعدادا قليلة لكنها ملتزمة. 

ويقول يوسف منيار، المدير التنفيذي لمؤسسة القدس "في الإعلام الأمريكي: حماس، حماس، حماس"، و"هي نقطة جيدة للحديث، ويجب أن لا تكون هكذا لأن أفعال إسرائيل دفعت الفلسطينيين للتشدد، ربما هذا ما تريده  ولكنني لا أستطيع تخيل هذا".

ويقول الكاتب: "في الوقت الذي تضع فيه إسرائيل حماس في سلة داعش، فالحركة نفسها تخشى من ظهور الحركات المتشددة".

وربما كان هذا هو الأثر المباشر لاختطاف الإسرائيليين الثلاثة الذي فاجأ حماس. وبحسب مسؤول بارز في فتح فإنهم "كانوا سيكتشفون أنهم لم يأمروا بالاختطاف أو القتل، وشعروا بالدهشة، ونحن نظرنا إليه على أنه موجه نحو حكومة الوحدة الوطنية وليس إسرائيل".

 ورفض حمدان التعليق على ما قاله مسؤول فتح ولكنه أكد "حتى هذه اللحظة: لا نعرف" من قام بالعملية.

وبدخول عملية الجرف الصلب يومها الثامن تحاول الولايات المتحدة البحث عن طرق لإنهاء الأزمة، وعلى خلاف المواجهات السابقة فإن من الصعب التوصل لاتفاق وقف إطلاق نار. وبحسب ناثان براون، المحاضر في جامعة جورج تاون فإن الأزمة "أضعفت عباس، وتريد إسرائيل إظهار قوتها وحماس تنظر لمنافسيها" في غزة. ويقول إنه لا توجد مخارج كثيرة، وقد تستمر الأزمة لوقت طويل، وستكون دموية.

وعليه فإن محاولة إسرائيل منذ 8 أعوام إخضاع حماس قد انتهت بالفشل، ولكن حملاتها العسكرية المتكررة ربما خلقت جيلا فلسطينيا متشددا وهمشت حلفاء إسرائيل. ويعلق مسؤول أمني أمريكي "جاء الوقت لتعترف فيه إسرائيل بأن سياسة عزل حماس وإضعاف فتح ومواجهة أمريكا لم تنجح، وربما حان الوقت لتجربة شيء آخر".