مقالات مختارة

«استهتار» قد يعيد الإخوان

1300x600
كتب عماد الدين حسين: قبل حوالى ثلاثة أسابيع قابلت مسؤولا تنفيذيا كبيرا، وفوجئت به يقول بنبرة حزن واستياء إنه إذا استمرت الخلافات بين الأحزاب المدنية بالطريقة التي نراها الآن، فإن فرص عودة الإخوان المسلمين إلى البرلمان لن تكون بعيدة.

وجهة نظر المسئول الرفيع أن الأحزاب المصرية تهدر وقتها فى خلافات وصراعات فرعية ولا ترى الخطر الداهم الذى يهدد البلاد من جراء الاختلافات المستمرة داخلها.

قبل سقوط الإخوان فى 30 يونية ثم فى الأسابيع الأولى التى أعقبت السقوط كانت الأحزاب المدنية تتحدث بصورة تجعلك تعتقد أنها تدرك فعلا خطورة الأحزاب الدينية على هوية الدولة، بل وعلى فكرة وجودها ذاته، واعتقد البعض أن أداء هذه الأحزاب والقوى سوف يرتقى إلى مواجهة التحديات الحقيقية التى تواجه البلاد.

الذى حدث على أرض الواقع فى الشهور التالية يشبه ــ مع الفارق فى القياس ــ ما حدث فى موقعة أو غزوة «أحد» عندما انشغل المسلمون بجمع الغنائم فانقض عليهم المشركون وهزموهم.

ما نقرأه ونسمعه بشأن العراقيل التى تواجه الائتلاف والتحالف قبل الانتخابات النيابية المقبلة يشير إلى أن الأحزاب المصرية عادت «للخلف در» آلاف الأميال، بل ربما بصورة أسوأ مما كانت تفعله أيام حسنى مبارك.

هذه الأحزاب تتصرف وكأن جماعة الإخوان المسلمين قد اختفت للأبد من الساحة السياسية، أو كأن بقية التيار الإسلامى من سلفيين وجماعات وفصائل إسلامية سوف يعتزلون العمل السياسى ويتفرغون لدراسة الفقه أو الدروشة.

القصة باختصار أنه فى اللحظة التى سيكتشف فيها المواطنون أن هذه الأحزاب المدنية قد فشلت فى تغيير الواقع الاقتصادى والاجتماعى والسياسى، فسوف يستديرون لتأييد قوى أخرى، بما فيها الإخوان.

إذا لم نكن قد نسينا فإن كل الأحزاب غير المنتمية للتيار الإسلامى حصلت على ربع مقاعد البرلمان فى انتخابات نهاية عام 2011 بما فيها حزب الوفد. جماعة الإخوان ستقاطع الانتخابات أغلب الظن، وسيكون الباب مفتوحا لقوى مدنية كثيرة، لكن ينبغى أن يكون السؤال الجوهرى هو: هل تملك هذه الأحزاب المدنية كوادر حقيقية، ومرشحين يحظون برضاء شعبى، ولديهم رؤية سياسية تتجاوز مفهوم «النائب الخدمى» الذى يكون كل ما يشغله هو رصف طريق بين قريتين، أو تعيين بضعة أفراد من أبناء الدائرة أو الحصول على بعض تأشيرات الحج والعمرة!؟.

أخشى أن يكون غالبية ما نراه على سطح الحياة السياسية هو الجعجعة، وأننا قد لا نرى «طحنا» كثيرا، وإذا حدث ورأينا بعض الطحن فلن يكون بمعناه الإيجابى أى الدقيق، بل من الطحن الذى يطحن الآمال ويسحق الطموحات.

طبقا لكثيرين يتابعون خناقات ومشادات وصراعات التحالفات، يقولون إن سببها الرئيسى هو من يكون فى أول القائمة، ومن يكون الزعيم، ومن يكون اسم حزبه أولا.

قد لا يكون ذلك عيبا فى عالم السياسة، لكن شرط أن يكون هناك استقرار فى المجتمع. الآن نحن نواجه تحديا فعليا من داخل وخارج المجتمع، ولا يمكن مواجهة ذلك إلا بوضوح الرؤية، وأن يكون أساس التحالفات هو التوافق السياسى والاجتماعى والاقتصادى بشأن الأفكار والبرامج والأهم بشأن المستقبل، أما ما عدا ذلك فهو مجرد تنسيق فى دوائر انتخابية محددة ينتهى بإعلان نتيجة الانتخابات.
لو لم تدرك الأحزاب خطورة الوضع فسوف تدفع ومعها كل المجتمع ثمنا فادحا.

(بوابة الشروق المصرية)