قضايا وآراء

جماعة الحوثي.. سياقات النشأة والمشروع والعلاقة بإيران (2)

1300x600
كنا في الجزء الأول من هذا المقال قد تحدثنا عن أسباب نشأة الجماعة وتطورها، وذكرنا أن سقوط الحكم الإمامي الزيدي الذي حكم شمال اليمن لعدة قرون، وقيام النظام الجمهوري اليمني وما استتبع من ذلك من شعور لدى بعض الدوائر في المذهب الزيدي بالتهميش والإقصاء في ظل النظام الجمهوري، ثم دخول المدرسة السلفية بقيادة مقبل الوادعي وتركزها في منقطة دماج بمحافظة صعدة أي في قلب التواجد الزيدي كلها عوامل أدت إلى ظهور جماعة "الشباب المؤمن" بقيادة بدر الدين الحوثي، ثم مالبثت أن تحولت إلى جماعة مقاتلة ذات طابع توسعي اتخذت من منطقة صعدة مركزا لانطلاقها واصطدمت في ست حروب متوالية بالدولة اليمنية، واستكمالاً لما سبق نتطرق في هذا الجزء إلى أصول المشروع السياسي الذي تحمله الجماعة، وعلاقتها بالجمهورية الإسلامية الإيرانية.

مشروع الحوثي السياسي 

انقسم جمهور الزيدية في التاريخ المعاصر إلى تيارين عريضين: تزعم التيار الأول الإمام المجدد مجد الدين المؤيدي وهو تيار متصالح مع النظام الجمهوري اليمني الحديث، ويشكل حالة تجديدية في المذهب الزيدي، حيث تخلى عملياً عن فكرة الإمامة وفق المنظور الزيدي التقليدي والذي يشترط أن يكون الإمام من البطنين ( أي نسل الحسن والحسين عليهما السلام )، كما أن التيار متصالح مع مكونات المجتمع اليمني الحديث، وقد أنشأ هذا التيار حزباً سياسياً في عام 1990 وبمرجعية للإمام مجد الدين المؤيدي رحمه الله. 

وعلى النقيض من هذا التيار، تشكل التيار الآخر في المدرسة الزيدية، وهو تيار يتزعمه بدر الدين الحوثي، وذو نزوع صدامي مع الفكرة الجمهورية الحديثة، ويستمد نظرياته السياسية من الأصول التقليدية للمذهب الزيدي والتي تتمثل كما ذكرنا بوجوب أن يكون الإمام من نسل الإمامين الحسن أو الحسين، ويستند بذلك إلى الإرث الزيدي الضخم الذي حكم اليمن لعدة قرون حتى قيام الثورة الجمهورية في ستينيات القرن الماضي، وبذلك يرى أحقية تاريخية تضاف الى المذهبية لحكم اليمن. 

فالتيار الحوثي يمثل إذاً إحياءً زيدياً انفصل عن التوجه التحديثي في الحالة الزيدية، ويسعى لإقامة حكم ذاتي في شمال اليمن على الأقل، وتأثر هذا التيار بالثورة الإيرانية وزخمها -مع الفروق العقدية في الحالتين- وبتجربة حزب الله في جنوب لبنان وهو ماسنناقشة في السطور القادمة، ويجدر التنويه إلى أن التيار الأول "تيار الإمام مجد الدين المؤيدي" آخذُ بالتراجع والضمور، وذلك بسبب غياب القيادة الكارزمية بعد وفاة زعيم التيار مجد الدين المؤيدي، إضافة للنجاحات التي حققها الحوثي من خلال توسعه أولاً، وتقديمه لخطاب أيدلوجي مذهبي نقي استطاع أن يجذب شرائح واسعه من المذهب الزيدي إليه. 

علاقة الجماعة بالجمهورية الإيرانية

قدم الدكتور رضوان السيد في بحثه " إيران ومجلس التعاون الخليجي والتطورات في العراق وسوريا واليمن " قرائن هامة حول علاقة الحوثي بإيران، فالدكتور رضوان السيد كان قد أمضى سنتين في اليمن حيث عمل كأستاذ جامعي، وهو ما أتاح له فرصة التواصل مع بعض القوى الزيدية والاحتكاك بها، وقد لاحظ الدكتور رضوان أن عاملين ساهما في ظهور جماعة الشباب المؤمن هما: الثورة الإيرانية ونموذج حزب الله في جنوب لبنان. وبدى التأثر بالثورة الإيرانية جلياً من خلال استنساخ الجماعة للشعار الذي رفعته الثورة الإيرانية "الموت لأمريكا، الموت لاسرائيل"، كما أن استلهامهم لنموذج حزب الله في جنوب لبنان هو مادفعهم للتمدد في شمال اليمن وإحكام السيطرة على عدة مناطق في الشمال وحكمها كما فعل حزب الله في الجنوب اللبناني. 

وقد أشار الدكتور رضوان السيد في بحثه سالف الذكر أنه أثناء زيارته لمدينة قم عام 1999 إثر دعوة تلقاها من السيد الخامنئي مرشد الثورة الإيرانية، قابل هناك بعض اليمنيين الزيديين في جامعة الإمام الخميني، وقد أصبح بعضاً منهم من قيادات الحركة الحوثية في وقت لاحق، وقد ذكر أن بعض أصدقائه الزيديين كانوا يترددون بين الفينة والأخرى إلى لبنان قاصدين الضاحية الجنوبية إما للدخول في الحوزات الدينية لتلقي تدريبات للمشاركة في قتال الصهاينة على حد قولهم ! 

ويطرح الدكتور رضوان تساؤلاً حول بداية الدعم الإيراني المادي والعسكري لحركة الحوثي وأخذها لهذه الحركة على محمل الجد؟ فيجيب بناءً على معلومات استقاها من الذين ترددوا إليه في لبنان أن الدعم الإيراني لم يصل إلى الجماعة إلا في وقت متأخر بعد أن اصطدمت الجماعة بالدولة عدة مرات وأثبتت نفسها كقوة لها وزن وثقل على الحدود السعودية، عندها بدأت إيران بالتعامل معهم بجدية في العام 2006 تقريباً، وتبدو أهمية البحث الذي قدمه الدكتور رضوان السيد في تقديمها وثقت حالات مادية للتواصل بين الحوثي وإيران، إضافة لتحريه الدقة في تحديد بداية الدعم المادي والعسكري للحوثي من قبل إيران في العام 2006، وهو ماتؤكده الوقائع كذلك، فالحوثي خلال حروبه الأولى التي خاضها ضد الدولة في عام 2004 لم يكن يمتلك منظومة تسليح عالية، وكانت أسلحته تماثل إلى حد كبير الأسلحة التي تمتلكها معظم القبائل اليمنية، وقد تمكن الجيش حينها من قتل قائده حسين بدر الدين، إلا أن تحولاً كبيراً حدث في المعارك بعد عام 2006 حيث تنامت قوة الجماعة بشكل ملحوظ ونوعي، وهو مايرجح دخول إيران كطرف داعم للجماعة عبر إريتريا عن طريق البحر، وهو مايفسر أيضاً توجه الجماعة حينها إلى محافظة حجو للسيطرة عليها وامتلاك ميناء بحري للتزود منه عسكرياً. 

ويبقى التساؤل عن مدى تحول أو تأثر الجماعة بالمذهب الاثنا عشري؟ وعن صحة الادعاءات التي تذهب للقول بأن قادة الجماعة قد تخلوا عن المذهب الزيدي وتحولوا إلى المذهب الاثنا عشري ؟

بطبيعة الحال لا يمكن الجزم بحدوث مثل هذا التحول، خاصة أن قادة الجماعة يؤكدون تمسكهم بالإرث الزيدي الكبير، وقد أشرنا سابقاً أن نشأة الجماعة جاءت للحفاظ على التراث الزيدي من الضمور في ظل ما رأته من تعسفٍ من النظام الجمهوري تجاه المذهب وتاريخه، فعلى المستوى العقدي لا يمكن القول إن تحولاً كهذا قد حدث وإن كان ثمة حالات فهي محدودة، ولا يمكن الاستشهاد بتلقي بعض قادة الجماعة للتعليم في إيران، فإيران تفتح أبوابها للراغبين في التعلم لديها وتدعمهم أياً كانت توجهاتهم العقدية وذلك في سعيها لاستمالة الشعوب واستقطابها، إلا أنه على الصعيد السياسي فإن ثمة تقارب كبير بين الحركة وإيران لا على صعيد المصالح السياسية فحسب، بل وعلى وفي الفكر السياسي وهو ما تمثل بإقامة الحسينيات واحياء ذكرى عاشوراء وذكرى الغدير وغيرها من المناسبات الدينية ذات الطابع السياسي والتي لم تكن موجودة من قبل عند الزيدية. 

خاتمة

طوال تاريخ اليمن سواء القديم أو الحديث وحتى المعاصر، جمعت الزيدية والشوافع علاقات تجاور وتآخٍ مثالية، وتمكن الطرفان من تجاوز كافة الخلافات المذهبية سواء العقدية أو الفقهية والعيش جنباً إلى جنب والتضامن في كافة الأمور، ولم يسبق أن حدثت أي نزاعات أهلية ذات أبعاد طائفية حتى في فترة الثورة الجمهورية ضد الحكم الإمامي والتي تحولت لحرب إقليمية! 

اليوم باتت قرون من التجاور والتآخي بين الزيدية والشوافع مهددة بفعل حالة الاستقطاب التي سببتها جماعة الحوثي وقيامها بأدلجة عوام الزيدية والزج بهم في صراعات بمواجهة القبائل اليمنية،كما أن دخول التيار السلفي الوهابي الغريب عن البيئة اليمنية وقيامه باستعداء الزيدية ساهم في هذا الاستقطاب، إضافة للحروب الستة التي شنتها الدولة ضد الجماعة والتي ولدت ثأراً وصراعات مفتوحة بين اليمنيين، ومالم يتجاوز اليمنيون شوافع وزيدية هذه الحالة المرضية واستحضروا تاريخهم وتراثهم وحدهم، فإنهم سيجدون أنفسهم في أتون حروب طائفية هم في غنى عنها وليس لهم فيها ناقة ولا جمل، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون !