قضايا وآراء

تحشيد الغرب ضد "داعش".. الدلالات والاحتمالات

1300x600
هذا التحشيد الدولي الذي تشهده الساحات الدبلوماسية الدولية، التي باتت تغص بتصريحات كبار المسؤولين فيها، حول ما ولد مؤخراً، وانتشر سريعاً، وسيطر على الكثير من المناطق، وامتلك الأحدث من الأسلحة، بطرق غير واضحة، مع شخصيات هي محل شبهة، ومثار اتهام، وعرف بـ" الدولة الإسلامية" واشتهر بـ" داعش".

هذا التحشيد المريب، الذي يحمل تهويلاً وتضخيماً يجعلنا نتساءل عن أسراره، ودوافعه، والأهداف التي يريد أن يصل إليها، مع تأكيدنا على رفض كل الممارسات البشعة التي يقوم بها تنظيم الدولة الذي لا يسرني بنعته بالإسلامي، وهذا في الحقيقة ما أكدته كل الجهات المعتبرة من مؤسسات ومنظمات وتنظيمات وشخصيات دينية وسياسية ومدنية، في العالم العربي والإسلامي، معتبرة أن ما يقوم به هذا التنظيم لا علاقة له بالإسلام من قريب أو بعيد.

هذا التحشيد الدولي الدبلوماسي عالي المستوى، مريب ومثير للشكوك والاتهامات، فهل نحن فعلاً أمام دولة إسلامية، مكتملة الأركان، بجيوش وسلاح تقليدي وغير تقليدي، وباقتصاد كبير، وبحدود شاسعة، وإمكانات رهيبة، وبتأييد عالمي عربي وإسلامي عارم، حتى يبدأ الخوف يدب في أوصال هذه الدول، لتخرج علينا تندب حظها، وتبكي مصيرها؟! ويبدأ القوم بوضع استراتيجيات لمواجهتها؟ 
إن ما قام به تنظيم داعش مع استنكارنا ورفضنا له، لا يشكل إلا جزءاً يسيراً من حجم الجرائم والفظائع التي ارتكبها النظام السوري ضد شعبه، على مدار ثلاثة أعوام متتالية، ومازال مستمراً دون رادع، ونظام المالكي ضد شعبه كذلك، الذي سجن وقتل واغتصب...الخ، والنظام الانقلابي الدموي في مصر الذي قتل ذات صباح الآلاف من أبناء شعبه.. فإن كان دافع التحشيد فرض القانون الدولي، وحماية حقوق الإنسان، بغض النظر عن دينه وعرقه ولونه، لم يتم السكوت على هذه الأنظمة؟! أم أن الأمر مع هذه الأنظمة يأتي في إطار المتفق عليه؟!!

هذا التحشيد، الذي رافقه رفع مستويات التأهب للحالة القصوى، في بعض البلدان، كبريطانيا مثلاً التي رفعته إلى ما قبل الخط الأحمر، وكأن تنظيم الدولة "الداعشية" يقف على أبواب أوروبا يحاصرها، وينصب مناجيقه ليدك حصونها، ويقذفها بالحمم النارية.. أو أن فخامة الخليفة المبجل قد أرسل رسله لهذه الدول يطالبها بواحد من هذه: الإسلام أو دفع الجزية أو الحرب.

هذا التحشيد يضعنا في الحقيقة أمام مجموعة من الملاحظات والدلالات ، التي نقاد إليها رغماً عنا، وتبدو منطقية وواقعية، أمام بعض ما أشرنا إليه من تساؤلات سريعة، ولعل أهم ما يقفز أمامنا من ملاحظات والدلالات:

أولاً: لقد شهد العالم بدهشة وغرابة قوة الشعوب العربية وصلابتهم، حين استيقظت طلباً لحريتها، وثأراً لكرامتها التي أهدرت لعقود من الزمن.. فأدرك الغرب على وجه الخصوص أن العرب أمة قد تفعل الكثير إن ملكت إرادتها، ستطيح بأنظمة عسكرية أمنية قمعية، ظنها الغرب المهمين عليها عصية على الزوال أو حتى التهديد.. فشهد زوالها السريع وسقوطها الفظيع أمام إرادة الشعوب العربية، التي مورست ضدها كل وسائل التركيع والتجويع والتذليل، حتى ظنها المراقب أنها مسلوبة الإرادة، والقوة، والحول.

ثانياً: أن الديموقراطية جاءت بالخصم اللدود للأنظمة الغربية، ولإسرائيل على وجه الخصوص، جاءت بالإسلاميين إلى سدة الحكم، في انتخابات حرة ونزيهة، ما يؤكد أن الإسلام السياسي المعتدل هو خيار الشعوب العربية، التي طالما زورت إرادتها، وسرقت انتخاباتها، بصناديق أعدت مسبقاً.

ثالثاً: قد ينفع قليلاً ولبعض الوقت أن يتم إسقاط الأنظمة الإسلامية من الحكم، بانقلابات عسكرية، لكن المقلق أن مواقف الشعوب التي ذاقت طعم الحرية، وكسرت حاجز الخوف، لن تستسلم بسهولة للخوف وللأنظمة الانقلابية، ولعل مصر وما يحدث فيها، رغم أن الانقلاب العسكري الدموي دخل عامه الثاني، إلا أن ثورة الشعب تزداد تمرداً، وتتسع رقعتها، ولعل من أسباب ذلك أن هذه الأنظمة الانقلابية غير مؤهلة للحكم الراشد، الذي يقنع الناس بأدائه.

رابعاً: ولعل الغرب لا يرى بديلاً عن الديموقراطية وسيلة للتطبيق، كي تجلب الاستقرار للمنطقة، وتضمن سكوت الشعوب وقبولها، لكن بشرط أن لا تأتي هذه الديموقراطية بالبديل الإسلامي، فكيف يتم تشويه الإسلام، والإساءة إليه، ومحاربته؟! حتى يكون خياراً صعباً لا قبول له عند الشعوب؟!.

خامساً: وللوصول لهذه الغاية، كان لا بد أن تتم هذه العملية على يد المسلمين أنفسهم، فما عاد يجدي أن يتم تشويه الإسلام من قبل أعدائه وخصومه، فوجدوا أن خير من يقوم بهذا هم أبناؤه، بلحاهم الطويلة، وزيهم التاريخي، بناطيل قصيرة، وقمصان طويلة، وجثث ضخمة، ووجوه مقطبة، وقلوب متحجرة.. هذه هي صورة المسلم التي رسمها إعلامهم منذ أمد بعيد عن المسلمين، اليوم تعاد على أرض الواقع، باسم الخلافة والخليفة.

سادساً: وللتخلص من الديموقراطية وقتل الطموح نحو الحرية، لا بد من العمل على شيطنة الربيع العربي، وتشويهه, وإثارة شبه العمالة حوله، وتحويله إلى خريف، تسفك في طريقه الدماء، وتنتهك الحرمات، ويفقد الأمن والأمان، وهذا للأسف الذي يحصل الآن، في سوريا، وليبيا، واليمن، ومصر، والعراق.. يريدون القول للعرب دعوكم من هذه الثورات، وارضوا بواقعكم، فهو خير لكم. 

لهذا كله، وغيره مما خفي علينا، كان لا بد من وجود "داعش" التي تخدم في أكثر من اتجاه، تشويه صورة الإسلام، تشويه الربيع العربي وثوراته، استدعاء عودة الغرب من جديد، تمهيد السيطرة على البلاد والعباد سيطرة المنقذ، الذي جاء لإنقاذ الإنسانية، والأقليات المستضعفة، والانتصار لحقوقها، لا بصورة الغازي الذي جاء للسيطرة على البلاد، ونهب خيراتها، واستعباد إنسانها.

* كاتب وأكاديمي أردني