قضايا وآراء

ماذا يعني أن تقود سيارة في غزة؟

1300x600
قيادة السيارة في غزة أثناء الحرب هي مهمة ليست بالسهله مثلما يتصور العالم الخارجي. فهذه المهمة هي مهمة حربية ولا تحتاج فقط لرخصة قيادة محلية أو دولية، بل تحتاج إلى قلب شجاع.. قلب قوي.. وتحتاج لعقل متفتح.. لعيون صقر.. لسمع مرهف.. لاستشعار ليلي لخفاش.

أن تقود سيارة في غزة أثناء الحرب يعني أنك لا تعرف هل ستصل إلى المكان الذي تقصده أم أن طائرة زنانة (بدون طيار) تترصد لك، وربما تكون أنت هدف اللعبة التي يلعبها محركو هذه الطائرة المجنونة بالريموت كونترول من تل أبيب.

فعندما تقرر قيادة سيارتك هنا، ستجد ترددا كبيرا ينتابك قبل اتخاذ هذا القرار، وإذا اتخذت قرارك فستراودك الأفكار الكثيرة وأنت تقف أمام سيارتك وتقول في نفسك، هل أقود تلك السيارة أم الأفضل أن أمشي أسلم وآمن لي؟

هل سأصل أم سأكون هدفا سأتحول بعده لكتله من اللحم الذي سيأتي أفراد الدفاع المدني لمحاولة تفريقه وانتزاعه من ما تبقى من معدن السيارة بعد قصفها؟

هل وهل وهل...؟؟؟

ولكن لابد من الانطلاق، فالوقت يمضي.. والعمل أو إحضار حليب طفلك لا ينتظر..

ثم تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وتقنع نفسك بأن القدر والمكتوب واحد، ولكن هناك من يذكرك بأن البقاء هو فرار من قدر الله إلى قدر الله.

عموما.. الآن جلست بالسيارة وقبل الانطلاق ستقرأ دعاء الركوب وسورة الكرسي، وتتمنى لو كان الوقت يسعفك لقراءة القرآن كاملا، وحصن المسلم كاملا، ولكن لا وقت.. فالوقت يمضي بسرعة.. فهناك من ينتظر..

الآن تفتح المذياع على القرآن، ولا شيء غير القرآن ستسمعه الآن بعد أن تخلصت من أشرطة أم كلثوم وفيروز وحرقتها، قبل أن تبدأ هذه المهمة الكبيرة التي شاء القدر أن تكون أنت صاحبها!

انطلقت السيارة الآن..

يا ترى هل أسرع أم أبطئ أفضل لي؟.. ولكن حسب معلوماتي الأمنية البسيطة أن هذه الطائرات المجنونة لا تقصف السيارة إلا عند تخفيف سرعتها، ولكن شوارع غزة لا تجعلني إلا مخففا السرعة بدون أرادة مني.. اه ثم اه.. ما هذه الورطه..

الأفكار الشيطانية ما زالت تراودني، وأنا الآن بنصف الطريق.. عموما لا أسمع صوت طائرة تزن الآن.. ربما ابتعدت لتضرب هدفا آخر.. هدفا أجمل بالنسبه لها.. ربما علمت بمقاوم بالقرب من هذا الشارع أو ذاك.. ربما ربما.. الله اعلم.

اقتربت من الوصول لهدفي الآن..

بدأت نبضات قلبي أن تهدأ وبدأ العرق يخف مع أن مكيف السيارة يعمل بأقصى قوته.. ولكن هناك صوت يزن.. هو يقترب بل هو قريب.. لا لا.. هو فوقي الآن إني أسمعه.. هل أقفز هل أبقى هل أتوقف.. لا أدري.. عقلي شل تفكيره الآن وفي هذه اللحظه..

الأفكار الشيطانية تراودني مره أخرى....هل سأكون أنا الخبر القادم.. هل سأصل لمبتغاي.. هل سأرى أطفالي...هل سأجلس مع أصحابي.. هل وهل وهل..!!

ولكن ما هذه المفاجأة الآن.. لقد وصلت.. لقد وصلت..

اطفأت السيارة بسرعة ونزلت مبتعدا.. وشعوري كأني وصلت إلى باريس فاتحا ومنتشيا بانتصاري..

ونظري ما زال يرقب تلك الطائرة المبتعدة بازدراء وكبرياء المنتصر لابلغها..

أيتها الطائرة اللعينة.. إني قد وصلت.. قد وصلت.. قد انتصرت..