قضايا وآراء

الربيع العربي.. الفرصة التي أضاعوها

1300x600
لو أتيح للربيع العربي أن يتحدث عن نفسه، وقد ملّ كثرة المتحدثين، وكثرة المتسلقين، وبعد مرور ثلاثة أعوام على دخوله إلى عالمنا العربي، لتمثل ما قاله الفتى العربي الأول شعراً، يشتكي مرارة إضاعة قومه له: 

 أضاعُوني وأيَّ فَتىً أضاعوا      ليومِ كريهةٍ  وسدادِ ثَغــرِ

لقد ذهبت فرصة الربيع العربي، الذي هلل له كثيرون، وغمز في قناته آخرون، أدراج الرياح، وسط سيل جارف من الدماء والدموع، والقهر والبطش والظلم، فذبلت أزهاره، وتساقطت أوراقه، لا بل أحرقت أشجاره.

لقد كانت فرصة كبيرة، تفتح أبواب الأمل على مسارعها، بعد أن أغلقت على مدار عقود من الظلم والاستبداد، وقهر يصل حد الاستعباد، وتحكم منظومة الفساد والإفساد، التي نهبت خيرات البلاد، وأفقرت العباد.

كان الربيع فرصة عظيمة، سقطت فيها عروش، وتهاوت أنظمة أمنية قمعية، بأقل ما يمكن من جهد وتكلفة مادية أو معنوية، فاجأت الشرق والغرب على حد سواء، الكل وقف أمامه يلتقط أنفاسه مذهولاً غير مصدق ما جرى ويجري، فغامز في قناته، ومدافع عن أصالته، فبدأت التأويلات والتفسيرات، وانطلقت المهرجانات والخطابات، ونظمت القصائد والأغاني، وعقدت الندوات والمؤتمرات، وبدأت الفعاليات الشعبية، هتافات هنا وشعارات هناك، وكأن هذا بالضبط ما كان ينتظره الربيع العربي، من بني قومه، الذين انشغلوا- بعد أن أسقطوا الطواغيت التي كانت ترزخ على صدورهم- بأنفسهم، فتركوا الربيع نهباً للقوى الخفية، والقوى الظاهرة، والقوى الطامعة، والقوى المتربصة، والقوى الاستعمارية، والقوى المحتلة، والقوى التي تمتلك المال والإعلام والبحوث ومراكز الدراسات الاستراتيجية وغيرها.
بدأت القوى الإصلاحية، والتجمعات الثورية، تتصارع وتتنافس تنافساً محموماً على توزيع كعكة الربيع، أو الاستئثار بها، وكأن الأمر قد استتب لهم، فانشغلوا بالتوزيع وشروطه، اختلفوا كثيراً على التفاصيل، واشتعلت بينهم نيران الخصومة، وتبادل الاتهامات، غير أنهم ذهبوا في النهاية إلى الكعكة كي يقسموها.

وبالمقابل بدأت القوى الأخرى، وعناصر الدولة العميقة بالعمل الجاد، على إفشال الربيع، وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه من قبل، وتلقين الربيع درساً مراً، لا يزهر بعده، هكذا يظنون، وإليه يسعون.

المشكلة باعتقادي كانت ومازالت بالقوى الإصلاحية التي كانت تتطلع للحظة ربيع، تتنفس فيها الصعداء، فلما جاءت أضاعوها، باستعجال ثمارها، إذ قطفوها قبل نضجها، فندموا عند مذاقها، كان الأمر صعباً وشاقاً؛ لأن القوم فاتهم أن المشكلة أكبر من أن تذهب برأس النظام الفساد الظاهر، وفاتهم أن الفساد في بلادنا منظومة كبيرة، مؤسسة متجذرة، عمرها عقود من الزمن، يتبع لها جيش جرار من الإعلاميين والقضاة والعسكريين ورجال الأعمال ورؤوس الأموال، وغيرهم، مما لا يخفى أمرهم، وفاتهم صعوبة الاستسلام، لطرف حكم عقوداً، فذاق حلاوة الحكم، لا بل تضلع بشراب الحكم والجاه والسلطان، فأنى له أن يستسلم بسهولة ويسر؟!

كم كان الربيع مسكيناً، وهو يعاني من سطحية الكثيرين، وطريقة تفكيرهم، وعملية إدارتهم له، وتعاملهم مع متطلباته، لقد كان له متطلبات وأولويات مختلفة تماماً، سار كثير من القوم في الاتجاه المعاكس لها.

تم اغتيال الربيع العربي تحت سمع وبصر المناضلين السابقين وبساطتهم، بل ووظف كثير منهم للأسف في عملية اغتياله.

وتمت عملية إضاعة الربيع العربي، بعاملين: الأول: بغفلة أهله، والثاني: بمكر خصومه وأعدائه.
فثبت بالوجه القطعي، أنه ليس مهماً أن تصل، بل كيف تصل، والأهم إذا وصلت كيف تحافظ على وصولك، باختصار المطلوب، كما يقرر الربيع الضائع: أن يتم التخطيط أولاً لكيفية الحفاظ على لحظة الوصول، قبل التفكير في عملية الوصول.. فقد تصل فجأة، وبعوامل متعددة، لكن هل تضمن سلامة بقائك؟!!

مازالت عمليات الإجهاض على الربيع الضائع مستمرة، ومسلسل التركيع والتذليل تتوالى حلقاته، والتجهيز لحالة جديدة من الهيمنة والتمكين لقوى الفساد على قدم وساق، وكله تحت شعار محاربة الإرهاب.. وكثير من قوم الربيع العربي في شغل فاكهون، ولقصائد الغزل بعيونه ينظمون.