قضايا وآراء

صعود وسقوط آل الاحمر.. اليمن نحو نظام سياسي جديد (3/3)

1300x600
بالتزام آل الأحمر بمسار الانتقال السلمي الذي ارتضته القوى السياسية المشاركة في الثورة  كما ذكرنا في المقال السابق ، تخلى آل الأحمر عن فرض قوتهم المسلحة على المشهد السياسي ، وارتضوا الانتقال للعمل السياسي وانجاز الانتقال السلمي للسلطة وفق المبادرة الخليجية التي كانوا جزءا منها ، ما دفعهم للمشاركة في الحوار الوطني ممثلين عن قبائل حاشد باعتبارها كبرى قبائل اليمن وذات الدور السياسي المركزي في النظام اليمني . 

في المقابل كان الحوثي يعمل على بناء قوته العسكرية - مدعوماً من إيران  - بشكل حثيث لفرض معادلة جديدة في النظام السياسي . لم يوافق الحوثي في بادئ الأمر على المبادرة الخليجية واعتبرها التفافاً على الثورة ومطالبها ، وإعادة لتقسيم النفوذ والسلطة بين القوى السياسية التي حكمت لأكثر من أربعين عاما ، ورغم اعتراضه هذا شارك الحوثي بممثلين عنه في مؤتمر الحوار الوطني حتى لا يبدو كمعرقل للانتقال السياسي وفق المبادرة الخليجية ، وبالتالي وضعه تحت البند السابع وفرض عقوبات دولية عليه كما أقر مجلس الأمن ذلك بالقرار رقم 2041الصادر عنه بشأن اليمن، فجاءت مشاركته كمناورة سياسية لتغطية تمدده في أقصى شمال البلاد .

في تلك الوضعية السياسية التي شهدها مؤتمر الحوار الوطني ، لم يكن للحوثي قوة سياسية كافية لفرض رؤاه للنظام السياسي على المتحاورين ، حيث كان الثقل السياسي يصب لصالح حزب التجمع اليمني للإصلاح إضافة لآل الأحمر ، الذين استطاعوا تقرير الشكل الفيدرالي للدولة وتقسيمها لست أقاليم  لاقت اعتراضاً شديداً من قبل الحوثي باعتبار أن تلك القسمة قد حرمته كما رأى من مصادر الطاقة ومن الميناء البحري ، حيث وُضِع في إقليم خالٍ من كل ذلك ! 

وإزاء ذلك وجد الحوثي أنه بفرضه معادلة جديدة على الأرض بقوة السلاح يمكنه تجاوز ما سيتم الاتفاق عليه في الحوار الوطني ، خاصة في ظل  حالة السيولة التامة وانهيار منظومة الدولة وانقسام الجيش الى ولاءات شخصية وقبلية ، والصراع بين القوى السياسية والقبلية في صنعاء ، فبدأ بمحاصرة السلفيين في منطقة دماج بمحافظة صعدة معقل الحوثي والزيدية ، وتمكن بعد عدة أشهر من الحصار والمواجهات المتقطعة من اجلاء السلفيين من منطقة دماج الى محافظة الحديدة ، وهو ما أتاح للحوثي بسط نفوذه على محافظة صعدة بشكل كامل .

بعد ذلك اتجه الحوثي إلى التمدد والتوسع نحو المحافظات الأخرى ، فاتجه صوب محافظة الجوف الغنية بالنفط حيث لاقى مقاومة شرسة من قبائل المنطقة حالت دون دخوله للمحافظة ما دفعه لتوقيع تهدئة مع تلك القبائل والتوجه صوب محافظة حجة للسيطرة على ميناء ميدي فسيطر بالفعل على أجزاء كبيرة من تلك المحافظة ، وكانت أعين الحوثيين على محافظة عمران معقل قبيلة حاشد وآل الأحمر ومن خلفها العاصمة اليمنية صنعاء . 

استغل الحوثي عدة عوامل خارجية وداخلية قبيل دخوله لمحافظة عمران ، فعلى الصعيد الخارجي مثل الانقلاب العسكري الذي جرى في مصر في الثالث من يوليو وما تلاه من إعلان جماعة الإخوان جماعة إرهابية في المنطقة فرصة مواتية للحوثي لتقديم خطاب يتماهى مع تلك التغيرات في المنطقة ، فصوَر حربه تلك بأنها حرب على الإرهاب المتمثل في حزب التجمع اليمني للإصلاح والقوى القبلية الداعمة له ، ما أكسب تحركاته رضا وغطاء إقليمياً من عدد من الدول التي أعلنت حربها على التيار الإسلامي . 

كما استفاد أيضاً من الانقسام الذي حدث بين قبائل حاشد على خلفية الموقف من الثورة ، فاستطاع التنسيق مع عدد من القبائل  وتحييدها من الصراع مع آل الأحمر في عمران ، كما استغل انقسام الجيش والقوى الأمنية فتمكن من الدخول إلى مقرات الشرطة العسكرية التي تدين بالولاء لشخص الرئيس السابق على صالح دون مقاومة تذكر ، وعمل على بناء تحالفات بينه وبين القوى المتصارعة مع آل الأحمر حول النفوذ داخل قبيلة حاشد ، فوجد آل الأحمر أنهم يخوضون حرباً لم يكونوا قد استعدوا لها وقد تخلى عنهم بعض حلفائهم في قبيلة حاشد إضافة لقوى أمنية وعسكرية .

بدأ الحوثي زحفه نحو عمران في أواخر عام 2013 ، حيث أقام مجاميع مسلحة على مداخل محافظة عمران بدعوى الاحتجاج ضد الفاسدين ومراكز القوى ، ومحاربة العناصر الإرهابية المتشددة ، وسرعان ما اشتبك مع القوى الأمنية والقبلية في المدينة ، واستمر الصراع حتى فبراير عام 2014 ، حيث تمكن الحوثي من السيطرة على مدينة الخمري معقل زعماء قبيلة آل الأحمر في محافظة عمران بعد معارك عنيفة ، قاموا بعدها بتفجير منزل ال الأحمر الذي يمثل قيمة ورمزية  تاريخية واجتماعية كبيرة . 

بعد ذلك تدخلت قوات اللواء 310 في عمران والتي يقودها اللواء حميد القشيبي المحسوب على حزب التجمع اليمني للإصلاح لمواجهة الحوثيين في المدينة ، وفي شهر يوليو تمكن الحوثيون من السيطرة على مقر اللواء وقتل قائده حميد القشيبي ، بعد تخلي وزارة الدفاع عنه وتراخيها في مده بالامدادات العسكرية ، حتى أن ذوي اللواء اتهموا وزير الدفاع بالتواطؤ مع الحوثيين للتخلص من القشيبي المحسوب على حزب التجمع اليمني للإصلاح ! 

مثّل سقوط محافظة عمران -معقل قبيلة حاشد - بأيدي الحوثيين بعد قتال استمر لأكثر من سبعة أشهر النهاية الفعلية للنظام السياسي اليمني الذي استمر لأكثر من أربعين عاملً وشهد هيمنة قبيلة حاشد بزعامة آل الأحمر على النظام السياسي ، وجاء دخول الحوثيين إلى صنعاء بعد ذلك بشهرين فقط ودون مواجهات تذكر إعلاناً للحقبة الجديدة التي بدأت معالمها بخطاب عبدالملك الحوثي بتاريخ 23 سبتمبر ، والذي قدم نفسه كوصي على الحياة السياسية ، فدعا القوى السياسية وعلى رأسها حزب التجمع اليمني للإصلاح للمشاركة في الحياة السياسية بعد أن جردهم من قوتهم العسكرية والقبلية ، واعتبر أن 21 سبتمبر - يوم دخولهم الى صنعاء - تاريخاً فارقاً في تاريخ اليمن الحديث !