قضايا وآراء

هل خسرت النهضة ؟

1300x600
ما أن هدأ غبار المعركة الانتخابية في تونس وظهرت النتائج بتقدم حزب نداء تونس على حزب النهضة الإسلامي حتى ثار الجدل داخل أوساط الشباب الإسلامي على مواقع التواصل الاجتماعي فيما إذا كان ما تحقق في تونس عودة للنظام القديم بالصندوق أم انتصار للثورة ونجاح لدولة المواطنة كما نظرت لها النهضة .

(1) النهضة تكسب وطن 

هو الشعور بتعالي الحس الوطني وتقديمه على أي انتماء فئوي أو حزبي أخر هو ما دفع النهضة لتقديم كل تلك التنازلات التي قدمتها في المرحلة الانتقالية من عمر المجلس التأسيسي والذي انعكس بكل تأكيد على ثقة الشعب بقدراتها على إدارة المرحلة القادمة .

كانت لنهضة غاية في البراغماتية والتضحية ونكران الذات في نفس الوقت من اجل الوطن وحمايته وقطع الطريق على أي محاولة لإعادة أي حكم عسكري أو استبدادي تأتي به القوى المتربصة التي تدعم الثورات المضادة بالقوة والدم.

مرونة كبيرة في كتابة الدستور والبعد عن أي نقطة خلافية قد تثار مع القوى الأخر شركاء الثورة ذات الحساسية العالية من أي إشارات دينية، مرونة كانت نتائجها إيجابية على إقرار الدستور بشكل شبه مجمع عليه .

كل تاريخ النظام القديم وإجرامه لم يدفع النهضة أن ترفع عن أنصاره غطاء المواطنة رفضت قانون العزل السياسي وجعلت حق المواطنة مقدم على أي حق أخر من حقوق الثورة وكانت النهضة تسير على مبدأ المواطنة وحق المواطن أولا .

انحناء النهضة للعاصفة التي فجرها التيار السلفي بعد اغتيال السياسي اليساري شكري بالعيد كان تغليبا لمصلحة الدولة على مصلحة الحزب فتم إعادة تشكيل الحكومة وتوسيع الائتلاف الحاكم ومن ثم قامت بالتنازل عن رئاسة الحكومة لصالح حكومة وفاق وطني مستقلة بعد لاغتيال الثاني مقدمة استقرار تونس على استقرارها في الحكم.

النهضة تعلمت من الدرس المصري الكثير وكانت على يقين أن العسكر والفلول الأكثر تطرفا يتربصون بالمرحلة للانقضاض على السلطة فكان شعار النهضة نخسر سلطة ونكسب وطن من خلال استقرار النظام السياسي المنشود وإرساء مبادئ الديمقراطية الحديثة ودولة المواطنة.

النهضة فهمت الدرس المصري جيد بان التيار السلفي الجهادي والتيار السلفي السياسي أو العلمي لا يمكن الوثوق بهم أو الرهان عليهم كشركاء في بناء الدولة بسبب تازيمهم للأمور مع شركاء الثورة أصحاب الإيديولوجيات الأخرى على أمور بسيطة وتنازلهم عن كل شيء أمام صولجان العسكر إذا ما انقضوا على السلطة.

النهضة كانت ترقب التيار السلفي المصري وكيف انه أزم الموقف بين التيار الإخواني وشركاء الثورة وكيف انقلب هذا التيار لعدو للثورة بعد قدوم العسكر فكان أبشع أدوات العسكر في القضاء على الثورة وأبجدياتها فتداركت النهضة مبكرا الخطر والسطحية السياسية لهذا التيار فأبعدته عن المشهد وقطعت كل صلة به من اجل الحفاظ على الدولة ومدنيتها وأغلقت الطريق عليهم بان يكونوا عامل من عوامل اغتيال الثورة في تونس بغطاء ديني سواء بقصد أو دون قصد .

(2) جدل يحتدم

انتهت حالة تضارب النتائج بخروج الشيخ راشد الغنوشي وتهنئته للباجي قائد السبسي زعيم نداء تونس بالفوز بثقة الشعب التونسي في صورة تعتبر الأولى في البيئة العربية. سيناريو أقرب إلى السيناريو الغربي في القبول بنتائج الانتخابات والالتفاف حول الكتلة الفائزة وذلك من اجل بناء الوطن تحت شعار حب تونس مش كلام.

النهضة دعت إلى الاحتفالية بما حققته من فوز في الانتخابات والذي جاء بها في المرتبة الثانية وبما تحقق لتونس من عبور المرحلة الانتقالية بأقل لأضرار والخسائر والتأسيس للدولة القوية وتمكين للمجتمع في المشاركة في بناء دولته .

الجدل الدائر على مواقع التواصل الاجتماعي بعيدا عن النهضة وقادة الإسلامي السياسي التونسي، الجدل يحتدم بين الشباب الإسلامي في بلاد المشرق العربي إن صح التعبير بخصوص ما جرى في تونس.

جدل بين تيار إصلاحي يؤمن بالصندوق والدولة المدنية والقبول بنتائج الانتخابات وتعزيز مفهوم تداول السلطة ويرون في أن ما تحقق في تونس يؤسس لمرحلة الدولة العربية الحديثة التي تسير على ما سار عليه الغرب في بناء الدول .

وتيار يرى بان ما تم في تونس هو انقلاب ناعم وعودة للفلول عبر الصناديق وان تنازل النهضة المتوالي بدا من التنازل في الدستور والانحناء أمام مقاومة العزل السياسي والتفريط بالثوابت الإسلامية جلب على النهضة "غضب السماء على حد وصفهم " وأغرى بهم الخصوم فكانت نتيجتهم أنهم أعادوا تدوير النفايات السياسية في تونس وقدموها من جديد عبر الصندوق 

جدلية فكرية قد لا تنتهي من خلال تسويق كل طرف لبضاعته الفكرية ونظرته للأمور وتقيمه للنتائج وتصوره لكيفية التعامل مع ما ألت إليه نتائج الثورات العربية.

 المقلق في الأمر أن هناك من بدا يكفر بالحياة السياسية ما دامت أنها لم تنتجه عبر الصندوق معللا كفره بان أمريكا وإسرائيل هي من تمنع تقدم التيار الإسلام السياسي وانه لا بد من إجراءات ثورية تقتلع بها جذور كل ما يمت للنظام القديم والأنظمة القمعية الاستبدادية حتى لو تعدت على حقوق البعض ما دام ذلك في سبيل غاية تحرير الشعوب من عودة الأنظمة القمعية.

التيار الأخر يرى بان ما جرى في تونس هو غاية ما كانت تسعى إليه الحركات الإسلامية وهي الوصول إلى مرحلة تداول للسلطة بغض النظر عن من تختاره هذه الشعوب وان بوصلة الشعوب سوف تنحاز لمن يؤمن لها مستقبلها ويقنعها ببرنامجه وقدرته على الرقي بحياتها وحل مشاكلها، وان على الحركات الإسلامية أن تحسن بناء التحالفات حول القضايا المشتركة مع كل القوى السياسية وان تحدث خطابها السياسي لتكون على قدر أمال الشعوب وطموحاتها لتنال ثقتهم في الجولات القادمة .

هذه الجدلية الدائرة يبدو أن صانع القرار في حركة النهضة غير معني بها فهو قد حسم أموره بالسير على طريق الوصول إلى الدولة المدنية بالصندوق والطرق السلمية الحديثة بما يحفظ مصالح المجتمعات وأمنها واستقرارها، مؤصلا شرعا وفكرا لذلك كما انه بدا يستعد منذ لحظة صدور النتائج للجولة الانتخابية القادمة من خلال جلوسه على مقاعد المعارضة ورغبته في ممارسة المعارضة بكل أسلوب حضاري بحيث تكون المعارضة رقيب على السلطة التنفيذية بما يحقق مصالح الدولة التونسية ويبني الوطن ويرتقي بحياة الإنسان.

(3) تخوفات وترقب

هناك في داخل تونس وفي خارج تونس من هو متخوف من الطرف الفائز وهل سيفكر نداء تونس بالطريقة التي قادت بها النهضة تونس خلال المرحلة الانتقالية بحيث كانت الدولة للجميع حق المواطنة حقا مقدسا و معيار أوحد في الحكم على الأشياء ؟، أم أن النداء التونسي سوف يعود يمارس الاستبداد الذي ورثه عن نظام زين العابدين ولكن بشرعية انتخابية ؟

التخوف من الاستبداد الذي يأتي عبر الصندوق هو أسوا أنواع الاستبداد لأنه يتخذ من الصناديق سفينة يصل بها إلى غايته في حرق كل جزر الديمقراطية والدولة المدنية الحديثة التي أرستها وضحت من أجلها النهضة قبل السلطة وأثناء حكمها.

من خلال الواقع التونسي ومجريات الأمور على الأرض وتصرف النهضة بتهنئة نداء تونس بالفوز بالانتخابات واستعدادهم لتسليم السلطة بشكل مريح والحديث المبكر عن تشكيل حكومة ائتلاف وطني موسعة قد لا تشارك بها النهضة يجعل هذا السيناريو المقلق لا توجد له بيئة حاضنة في الدولة التونسية.

لا شك بان الانتخاب التونسية أضافت مزيدا من القناعات بان الأنظمة السابقة التي خلعتها الشعوب لها امتداد في بنية الدولة ولها القدرة على ترميم ذاتها وإنتاج نفسها من جديد بأشكال مختلفة وبوجوه جديدة، وأن هذا الصراع في الساحة العربية هو صراع تقليدي ينحصر بين الأنظمة القديمة وحركات الإسلام السياسي وان هذا الصراع في تونس كان أكثر حضارة ومدنية فاتخذ شكل الصراع في الصندوق بطريقة حفظت للدولة مكتسباتها وجعلت الشعب هو الحكم وصاحب الكلمة العليا في حسم هذا الصراع لأربع سنوات مقبلة.

القناعة التي بدأت تتشكل لأبناء الحركات الإسلامية قبل المجتمع بان الإسلام السياسي يحتاج إلى مزيد من المراجعات ويحتاج للسير بشكل اكبر وبسرعة أكثر نحو المدنية الفكرية وتحديث الخطاب والبرامج التي لم تعد تقنع جموع الشعب العربي في ظل ثورة المعلومات والبحث عن حلول للمشاكل التي تعاني منها تلك الشعوب طيلة العقود الماضية فكان من المهم أن يكون المخلص على مستوى الحدث.

الأهم من ذلك هو أن الحكومة القادمة سوف تعاني الكثير في ظل حجم المشاكل المتراكمة والسخط الشعبي مما يجعل المهمة في عودة النهضة للسلطة وبناء تونس وفقا لرؤيتها أكثر سهولة وأيسر حالا في المرات القادمة إذا ما تم الحفاظ على قواعد اللعبة التي تم التوافق عليها.

الشيء المؤكد انه من المبكر حاليا الحكم على طريقة النهضة ونجاحها في إدارة تونس والتعامل مع نتائج الثورة وتحقيق أهدافها، وقد تحتاج إلى أربع سنوات قادمة للتعرف على كيفية تعامل نداء تونس مع أبجديات الحكم المدني ومن ثم يمكن الحكم على النموذج التونسي كنموذج وأسلوب ناجح في الانتقال نحو الحرية آم انه نموذج فشل في إدارة مرحلة ما بعد الربيع وأعاد النظام القديم ومكن الاستبداد.