مقالات مختارة

المَلِك بات عاريا

1300x600
 صدرت هيئة المحلفين بولاية ميسوري الأمريكية، قرارا بتبرئة الضابط الذي قتل الشاب الأفريقي الأصل "ميشيل براون" البالغ عمره 18 عاماً، في العاشر من شهر أب/ أغسطس الماضي، ولقد كنت في ولاية ميسوري عقب وقوع هذه الجريمة بشهر.

وولاية ميسوري هي ولاية الهنود الحمر القدامى، كما أنها من ولايات "ريف الولايات المتحدة الأمريكية". وعند تعريف أهالي المنطقة لتلك الولاية يقولون إنها "الولاية التي عاش فيها الأمريكيون الأصليون". وثمة سبب منطقي لهذا التعريف، وهو أن المدن العالمية الأمريكية متعددة الجنسيات مثل نيويورك وواشنطن لا تعكس أمريكا الحقيقية. وذلك لأن الأمريكيين الأصليين، يعيشون في الريف يعني الولايات التي تقع في وسط الدولة.

وتمتلك مدينة فيرغسون ديموغرافية مختلفة عن عموم ولاية ميسوري. فهي مدينة يقيم بها 20 ألف مواطن أفريقي، كما أن معدلات الأمية والبطالة فيها مرتفعة.

بسبب برنامج زيارتي لم أتمكن من الذهاب إلى ميدينة "فيرغسون" وتقصي حقيقة الأمر من مكان الحدث. إلا أنني تجاذبت أطراف الحديث مع الذين يتابعون التطورات في مدينة "كنساس" القريبة من "فيرغسون". 

وأوضح ممثل لإحدى المنظمات الأهلية، وهو أبيض البشرة يبلغ من العمر خمسين عاما، الأزمة التي تشهدها "فيرغسون" على هذا النحو: "السبب الرئيس في الاضطرابات هو الأمية. فإذا تحسنت ظروف التعليم للأمريكيين الأفارقة، ستنخفض نسبة البطالة مع مرور الوقت. وبانخفاضها، ستنخفض بدورها نسب الجريمة، ويعُم الأمن والأمان".

بالطبع، كان لا يتحدث بكل وضوح، ولكن لفت نظري شيء في مجمل حديثه، فقد قال "إضطرت الشرطة لقتل أمريكيين من أصل أفريقي". ولأن هذا الرجل كان ممثلاً لإحدى المنظمات الأهلية، فقد انتابتني الدهشة لعدم حديثه ولو لمرة واحدة عن حقوق الإنسان، وهو يقص عليّ مقتل الشاب الأعزل.

دونت ما قصه على هذا الرجل كملحوظة، وفي اليوم التالي سألت سائق تاكسي صومالي عن الأمر. ولم يخفِ سائق التاكسي الذي يعمل في ولاية "ميسوري" منذ سنوات، دهشته من سؤالي له عن "فيرغسون". وعن السبب في دهشته قال: "لأنه لا أحد هنا يريد الحديث حول هذا الأمر. فالجميع يعرفون حقيقة ما يجري في فيرغسون ، ولكن لا أحد يريد مواجهة هذا الظلم".

و ما ذكره سائق التاكسي، بعد ذلك، مغاير تماماً لما ذكره الأمريكي الأبيض صاحب الخمسين عاما. فحسب ما ذكره صديقنا الصومالي، فإن السبب الرئيس في الأمر، يكمن في حرية الشرطة في قتل الأفارقة. فالشرطة كانت تحصل على حق قتل الأمريكيين من أصل أفريقي من القوانين العنصرية لولاية ميسوري. ولعل قتل رجال الشرطة البيض للأمريكيين من أصول أفريقية، أمر يتوائم للغاية مع الطبيعة الظالمة للقانون المعمول به. لذا قتل الشرطي الأبيض الأمريكي الأفريقي ذو الـ18 ربيعا، لأنه اشتبه به ، وهذا ما رأه .

فسألته قائلا: "حسنا، وهل كان مضطرا للقتل؟ ولماذا يقتل شرطي شابا أعزلا بست رصاصات؟" وكانت إجابته واضحة على النحو التالي: "إذا اشتبه الشرطي في شاب أسود أو قتله، فلا يعد مرتكبا لجريمة، وفق القوانين المعمول بها في ولاية (ميسوري)، بل على العكس من ذلك يكون قد أدى مهمته. لكن إذا أصاب الشرطي هذا الشخص، فسيكون الأمر وبالاً عليه. وستحل كارثة على ذلك الشرطي إذا ما أصاب الشاب بإصابة تمنعه من العمل، أو أصابه بعاهة مستديمة. في مثل هذه الحالة، تبقى الشرطة مضطرة لرعاية ذلك الشاب مدى الحياة! معني ذلك أن قتل الشرطة للشاب في فيرغسون لا يعتبر جريمة، لأنه إذا لم يقتله كان سيعتبر مذنبا".

يمكننا القول إن كلا التفسيرين المختلفين اللذين قاما بهما أمريكيان مختلفان في اللون، يوضحان بقدر كافِ مدي العنف الذي تشهده مدينة فيرغسون. نقف أمام ولاية يعد فيها عدم القتل جريمة وليس القتل، هذه الولاية هي ولاية ميسوري. وبالتالي، علينا أن نندهش من عدم محاكمة الشرطي الذي أنهى حياة الشاب الأسود.

كونوا على ثقة من أن الاحتجاجات التي قام بها الأمريكيون السود، ليست بسبب اندهاشهم من قرار المحكمة. ولكن الهدف الوحيد للسود الذين نزلوا الشوارع هو أنهم يحاولون توجيه الأنظار ولفتها إلى العنصرية والظلم التي لا يريد أحد أن يراها. وفي حقيقة الأمر، هم من خلال هذه الاحتجاجات التي يقومون بها من قلب الولايات المتحدة مهد الديمقراطية، ينادون على العالم أجمع قائلين "المَلِك بات عاريا".

(المَلِك بات عاريا" إشارة الى القصة المشهورة للملك الذي خرج عاريا إلى شعبه ، ولكن أحد الأطفال قالها صراحه له، "الملك عارٍ" المحرر).

عن صحيفة خبر ترك التركية