قضايا وآراء

مصر بين مطرقة العسكر وسندان الكنيسة

1300x600
منذ اليوم الأول للانقلاب العسكري الذي جرى في الثالث من يوليو من العام 2013، وقد اصطبغت مصر بصبغتين عسكرية وقبطية (مسيحية)، الأولى ضد حركة المجتمع المدنية الطبيعية، التي من المفترض أن ينتهجها كنظام عام للحكم، أما الصبغة الثانية فضد الهوية (الإسلامية) الرئيسية للمجتمع المصري التي ترسخت وتجذرت لأكثر من أربعة عشر قرناً خلت، يعيش فيها المسلم إلى جانب شريكه المسيحي في وطنٍ واحد، دون تمييز على أساس الدين أو اللون أو العرق، له ما له من حقوق، وعليه ما عليه من واجبات، تحت مظلة دولة العدل والمساواة، لم تعشه أي أقلية دينية سوى في كنف دولة الإسلام.

يعيش الشعب المصري المسلم في أغلبيته الساحقة بين سندان الدولة العسكرية الاستبدادية من جهة، ومطرقة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية من جهةٍ أخرى، وقد يتهمني البعض بتبني خطاب الطائفية المقيتة، وهذا اتهام له وجاهته إذا خلت مزاعمي من الأدلة والبراهين التي تعزز صِدقية تلك المزاعم التي تصل إلى حد اليقين.
 
أما زعمي الأول بأن مصر ترزح تحت الحكم العسكري ، فكل مراقب للحالة المصرية يجد أن البلاد تعيش حكماً عسكرياً ديكتاتورياً منذ حركة 23 يوليو من العام 1952، رغم بعض التنوع الشكلي فقط، دون تغيير في الجوهر، حيث الترسيخ لحكم الجنرالات، استطاع من خلالها هذا النمط من الحكم تجريف الحياة العامة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، واختصار الوطن في الطُغمة العسكرية الحاكمة، ومن ثم عسكرة البلاد شعباً ومؤسسات، ليتحول الجيش الوطني من حامي للحدود إلى حاكم ومتصارع على الحكم، فاقداً حياديته بين كل الفرقاء والتيارات السياسية المتنافسة على الحكم، لعل أكثرها تجلياً بعد انقلاب الثالث من يوليو من عام 2013، حيث تحولت مصر فعلياً إلى معسكر كبير شكلاً ومضموناً ودون أدنى مبالغة، فالمراقب للمشهد المصري يكتشف بكل وضوح كيف تحولت كل مؤسسات الدولة دون استثناء إلى فرع من فروع الأمن، وإن شئت فقل ثكنة عسكرية تنتظر أوامر الجنرال الحاكم بأمره، إذ كيف نفسر تولي جنرالات العسكر مسؤولية غالبية محافظات الدولة كمحافظين؟ فضلاً عن رؤساء المدن والأحياء ومساعدي ونواب الوزراء والمحافظين وكبار رجال الدولة في استنساخ قبيح للحقبة الناصرية في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، حيث الرقيب العسكري في كل ركن من أركان ودواليب مؤسسات الدولة،فقد دأب الجنرال"عبد الفتاح السيسي" منذ اليوم الأول من الانقلاب، على تمرير قوانين من شأنها عسكرة الدولة، بما يضمن له ولاءها التام، لعل آخرها وأكثرها فجاجة ما يسمى بقانون"حماية الجيش للمنشآت العامة" في 27 أكتوبر أصبحت بموجبه جميع مؤسسات الدولة الحيوية العامة من محطات كهرباء وطرق ومستشفيات ومدارس ومحطات سكك حديدية وجامعات منشآت عسكرية لمدة عامين، يُعاقب كل من يحاول إتلافها أو الاعتداء عليها أوتكدير صفو العمل فيها أمام القضاء العسكري.

أما فيما يتعلق بمؤامرة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بحق هوية أغلبية الشعب المصري المسلم، فالأمر ثابت بالتصريحات قطعية الثبوت والدلالة، لعل أبرزها حوار نيافة بابا الكنيسة الأنبا "تواضروس الثاني" مع صحيفة "جود نيوز" الكندية والمنشور في موقع "العربية نت" بتاريخ 23 إبريل من العام الماضي، تتعلق بتغيير المناهج التعليمية بما يتفق مع الروح الوطنية (لاحظ المصطلح الخادع من قبيل دس السم في العسل)، مؤكداً بلهجة قوية ومقتضبة "وجرأة على غير العادة" قائلا إن "الكنيسة ستقول رأيها في أي أمر لمن هو في سدة الحكم دون خشية من أحد، وأن هناك مؤسسة في المجتمع المصري تجمع الأزهر بالكنيسة وهي"بيت العائلة"، وتلك المؤسسة أخذت على عاتقها مهمة تنقية مناهج التعليمن ونجحت في ذلك، وبدأنا في إزالة أجزاء من المناهج (على حسب قوله)، هذا فضلاً عن التصريحات الأخطر لـ"لجليلة القاضي" مديرة الأبحاث بمركز الأبحاث من أجل التنمية الفرنسي على فضائية "صدى البلد بتاريخ 22 إبريل من العام الماضي، وقبل حوار البابا بيوم واحد قائلة" إنه سيتم تغيير المناهج كلها لتنظيفها من التحيز الديني،معتبرة الفتح الإسلامي لمصر غزوًا عربيًا (على حد وصفها)، وقد ذهب في ذات السياق الكاتب البريطاني الشهير"روبرت فيسك" إلى أن المسيحيين يريدون الحكم العسكري الذي يُؤمّن لهم سلطتهم الاقتصادية على البلاد، ويُؤمّن لهم أن يُعاملوا كما لو كانوا مواطنين درجة أولى، بينما المسلمون درجة ثانية، وقد حدث ذلك، لكن البابا وقائد الانقلاب (على حد قوله) يفهمان ذلك جيداً أنهما يسيطران على مؤسستي"العسكر والكنيسة"، وكلاهما قررا القضاء على المساجد، وتهكم"فيسك" قائلاً: مصر الآن .. العسكر اتفق مع الكنيسة على اضطهاد الاسلام ارضاءً للغرب الكاره للإسلام والمشروع الإسلامي، على حد قوله، ما يجعلنا نخلص باختصار، مما سبق، أن المؤسسة العسكرية المصرية الحاكمة باتت دولة فوق الدولة لا تُسأل عما تفعل، بينما تستمد الكنيسة وجودها كما لو كانت دولة داخل الدولة وما بين الجيش والكنيسة يحيا شعب مسلم كلاجيء سياسي في خدمة أقلية عسكرية مسيحية.
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع