سياسة عربية

أبو مارية القحطاني.. هل هو سبب خلاف "النصرة" مع "الدولة"

أبو مارية القحطاني.. هل هو السبب بخلاف "النصرة" مع الدولة"
كتب أبو عمر الحاج علي تقريرا في صحيفة "ميديل ايست آي" البريطانية، طرح فيه تساؤلا حول دور القيادي في جبهة النصرة أبو ماريا القحطاني في الخلاف بينها وبين الدولة الإسلامية.
 
وفيما يلي النص الكامل للتقرير من ترجمة وتحرير "عربي21":

بدأ انقسام فكري جديد في حركة جبهة النصرة السورية يهدد بترك الآلاف من عناصرها بلا قيادة ولا دفة، في واحدة من آخر المعاقل الخالية من التنظيم المعروف بـ“داعش”. 

يقول أعضاء حاليون وسابقون من جبهة النصرة إن الجماعة تنقسم حول الكيفية التي يجب أن تعامل بها تنظيم الدولة. ففي حين يرى بعض أعضاء الجبهة تنظيم الدولة كجماعة مسلحة محترمة بخلاف بسيط في النهج، يرى البعض الآخر التنظيم باعتباره يضم حفنة من الإرهابيين منزوعي الأخلاق. وفي وقت مبكر من هذا الأسبوع، قالت تقارير إن النصرة -الذراع الرسمي للقاعدة في سوريا- وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) -المنشق عن القاعدة- قد توصلا إلى اتفاق يسمح لهما بتوحيد قواهما. وإذا ثبتت صحة الأمر، فإن التداعيات قد تكون خطيرة وستنهي أشهرا من الانقسامات.

وفي وقت بدا كما لو أن الجانبين يحاربان سويا في سوريا، نمت التوترات في فبراير من العام الماضي لدرجة أن زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري قد تنصل من تنظيم الدولة معتبرا أن القاعدة غير مسؤولة عن أنشطة داعش وليس لها علاقة بالمجموعة.

في أوائل يوليو الماضي، بدأت جولة من القتال المكثف بين جبهة النصرة وتنظيم الدولة في مدينة دير الزور شرق سوريا، وهو ما أنهى فصل جبهة النصرة في هذه المنطقة. لم يكن لدى المسلحين من خيار إلا أن ينضموا إلى التجمعات الأخرى لجبهة النصرة في جنوب سوريا. 

أبو مارية القحطاني، قائد جبهة النصرة في دير الزور، وصل إلى درعا جنوبي سوريا بصحبة مئات المقاتلين وأسرهم، كان مجموعهم يقارب 700 شخص. أكثر هؤلاء ظلوا في درعا وانضموا لجبهة النصرة في تلك المنطقة، لكن مجموعة من المقاتلين، يقودهم سلطان عطوي، والملقب بأبي ليث التبوكي، فضل أن يبقى وحده.

بالنسبة للسكان المحليين، فإن أبو مارية يُعد أشد منتقدي داعش، خاصة بعد معارك دير الزور، وبوصوله إلى درعا، تولى أبو مارية مسؤولية قيادية في جبهة النصرة والتقى ببقية الكتائب والجماعات العسكرية العاملة في درعا. وبحسب محمد كتيفان، وهو ناشط إعلامي كان مقربا من جبهة النصرة، فإن أبا مارية يتحدث معظم الوقت عن داعش ونشاطها في دير الزور.

وعندما لا يشاركه أي شخص رأيه أو حتى لا يتفاعل مع سب تنظيم الدولة، فإن أبو مارية كان يتهمه بالانتماء لداعش، حتى لو كان ذلك الشخص بعيدا كل البعد عن التعاطف مع التنظيم.

ووفقا لمصادر في جبهة النصرة، أثار ذلك الكثير من المقاتلين التابعين للجماعة في درعا، لأن موضوع كل المحادثات كان داعش، إذ يؤكد المقاتلون أن جميع الاجتماعات والخطب والدروس والأحاديث مع القحطاني كانت حول داعش، وهذا سرعان ما ضايق العديدين داخل النصرة.

وصلت هذه القصة إلى ذروتها في منتصف أكتوبر، حيث قرر أحد أعضاء النصرة اتخاذ موقف حاد من القحطاني وقال: "أبو مارية، إذا كنت تريد أن تقاتل الدولة الإسلامية، اذهب لتحاربها في دير الزور، لماذا تقيم هنا في درعا؟" فرد أبو مارية إنه من الصعب للغاية أن يعود إلى دير الزور، وأن الحكومة السورية تدعم داعش، وبما أنه يقاتل الحكومة السورية في درعا، فهو كذلك يقاتل داعش بشكل غير مباشر. 
لكن الضرر كان قد وقع بالفعل. 

فعلى مدى الأسبوعين التاليين، بدأ مقاتلو جبهة النصرة في مغادرة منطقة درعا، متجهين نحو القلمون وغوطة دمشق. ووفقا لكتيفان، فإن هؤلاء الذين تركوا النصرة بشكل مستقل، أو حتى من تركوا النصرة للانضمام إلى مجموعات النصرة الأخرى في بقية المناطق السورية، تم اتهامهم من قبل القحطاني بأنهم ينتمون لداعش. هذا الشك كان له ما يؤيده من بعض التقارير التي زعمت أن مقاتلي جبهة النصرة قد بدأوا في اتخاذ طريقهم شمالا للانضمام إلى داعش لمحاربة الأكراد. 

وحتى الآن، تمكنت النصرة من الحفاظ على خلافها سريا وبعيدا عن الإعلام، وهو اتجاه يتوافق مع سياسات الجماعة الثابتة بشأن سرية الشؤون الداخلية للتنظيم.

لكن ذلك بدأ في التغير عندما تحدث سلطان العطوي، أبو ليث التبوكي، أحد كبار شخصيات جبهة النصرة بشكل علني. فقد اتهم القيادي السعودي القحطاني بأنه قاد معركة خاسرة، قائلا إن النصرة قد حصلت على الكثير من الأموال من آبار النفط ومحطات الغاز، لكن أثناء تلك المعركة مع الدولة الإسلامية، لم تستطع الجبهة توفير أي أسلحة نوعية، وبحسب العطوي فإنه حتى البنادق كانت نادرة. 

وزعم العطوي أنه كان هناك رفض مدبر بعناية لفتح أي نقاش حول الأخطاء التي أخرجت النصرة من دير الزور، معربا عن عدم رضاه عن قيادة النصرة "كانت هناك حملة كبيرة منذ وصول أبو مارية إلى درعا. وكان واضحا أن معركتهم مع الدولة كانت تناطح رؤوس لأشخاص يرفضون الهزيمة".

وتابع: "سقط الشرق السوري في قبضة الدولة الإسلامية وانهار تماما، كان هناك فساد مالي وإداري، ولم يطلب أبو محمد الجولاني (زعيم جبهة النصرة) إجراء أي تحقيق، بل أمرنا بالانسحاب إلى درعا".

وقال العطوي: "في هذا الوقت، قررت أن أعلن انفصالي عن جبهة النصرة، لكن الإخوة نصحوني ألا أعلن ذلك خشية الفتنة". وأكد العطوي أنه استقبل رسائل من بعض الشيوخ الذين حثوه على السكوت.

لكن الصمت قد كُسر، وكانت واضحة كلفة إعادة تسكين جبهة النصرة في درعا، والتي تمت بشكل كامل تحت قيادة القحطاني. وعلى الرغم من أن الجماعة كانت قد بدأت في إحراز بعض المكاسب العسكرية من خلال سياسات التقارب مع بقية المجموعات والتي اتبعها أبو مارية، عبر قتالهم إلى جانب المجموعات التي عُرفت بالمعتدلة في العديد من المعارك الرئيسية، بما في ذلك معركة تل الحارة، والتي تحارب فيها المعارضة الحكومة على أطول نقطة خارج نطاق سيطرة النظام، إلا أن ذلك كان بكلفة أيديولوجية نمثلت في إبعاد المقاتلين مثل سلطان العطوي. 

ليس هناك شك في أنه في الأشهر القليلة الماضية، تغيرت جبهة النصرة في درعا بشكل كبير. التقى أبو مارية مع كل الفصائل والكتائب المسلحة في درعا، حتى الكتائب التي كانت في السابق على خلاف مع جبهة النصرة. وعندما طلبت بعض "الكتائب المعتدلة" من النصرة تغيير بعض قادتها، تعاملت النصرة مع تلك الطلبات بما ظهر كتحول غير متوقع في السياسة. 

ربما كان ذلك مفيدا لكسب ود بعض الجماعات المعارضة، لكن مصادر داخل جبهة النصرة يعترفون سرا بأن سياسة القحطاني فاشلة على المدى الطويل، إذ يقولون إنها فشلت في دير الزور وهي تفشل الآن في درعا. 

وفقا للعطوي، فقد وُجدت تلك التصدعات الأيديولوجية في دير الزور خلال قتال جبهة النصرة ضد "الدولة". يقول مؤكدا: "كانت هناك أصابع خفية لإبقاء الحرب مشتعلة في شرق سوريا عندما كان يمكن إيقافها". 

وأكد أنه كانت هناك دعوات لإبقاء جذوة القتال بين الفصيلين مشتعلة، والوقت وحده كفيل بإيضاح المبرر لتلك الدعوات حسبما يقول.

ومن الواضح أن تصريحات العطوي أدت لاتساع الصدع داخل النصرة، ليس فقط في درعا ولكن في سوريا بشكل عام. 

ففي محافظة إدلب شمالي سوريا، أصبح الانقسام داخل النصرة أعمق من أي وقت مضى، لدرجة أن مقاتليها هناك شنوا هجوما شديدا على جبهة ثوار سوريا (المعارضة المعتدلة). لقد كانت خطواتهم استفزازية، مثلا عندما استولوا على منزل القيادي في جبهة ثوار سوريا جمال معروف، والذي كان يعلن معارضته للنصرة. تداعيات هذه الأزمة الشمالية لم تنتشر في كل سوريا ولا إلى الجنوب، حيث لا تزال جبهة النصرة (التابعة في الغالب لأبي مارية) تقاتل جنبا إلى جنب مع مجموعات المعارضة المعتدلة.

ولا يمكن أن نتجاهل العامل الذي يمثله تنظيم الدولة. إذ تقول مصادر جبهة النصرة أن انتقادات أبي مارية لداعش أدت بالكثيرين من أعضاء النصرة إلى التعاطف مع التنظيم! انفجار العطوي يشير أيضا إلى أن هناك عاملا شخصيا، وأن بعض أعضاء النصرة يشعرون بأنهم تم الكذب عليهم من قبل أبي مارية. هذه المشاعر لا تزال في بدايتها، وعلى الأرجح فإنها ستتجاوز العطوي والرجال الذين يقودهم.

وعلى الرغم من أن الدولة لم تظهر بشكل رسمي في جنوب سوريا حتى الآن، إلا أن فرار عدد كبير من مقاتلي النصرة في درعا إلى داعش قد يغير من تلك المعادلة. ويقول المطلعون أن عددا من المنشقين عن النصرة في الجنوب سينضمون إلى داعش في شمال وشرق سوريا، لكن بعضهم سيفضل البقاء في درعا. 

تركيبة المعارضة المسلحة السورية تتغير بشكل شبه يومي، لكن أهمية الخلاف الحاصل في جبهة النصرة تكمن في أن الجماعة قد تفقد ما تفخر به دوما، أي فعالية قيادتها ومقاتليها المنظمين جيدا. 
التغييرات في جبهة النصرة تؤثر على ساحة المعركة بأكملها، لكن التغيرات الحالية تشير، من دون شك، إلى بداية مرحلة جديدة من الصراع في سوريا.



ترجمة "عربي21" عن صحيفة "ميديل إيست آي" البريطانية