مقالات مختارة

منظومة العيون الخمينية من طهران إلى الجليل!

1300x600
ستة وثلاثون عاماً وهم يحاولون إلصاق التهمة بها بأنها ثورة إيرانية، وبالتالي ما دخل العرب بها أو سائر الأمم الأخرى؟

ستة وثلاثون عاماً وهم يحاولون إلصاق التهمة بها بأنها ثورة شيعية، وبالتالي ما دخل أهل السنة بها أو سائر الطوائف الأخرى؟

ستة وثلاثون عاماً وقبل ذلك ربع قرن إضافي وهم يحاولون إخراج قادتها العلماء من مسرح الحياة
الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية والفكرية للناس، بحجة أن حداثتهم و«تقدمهم» و«مدنيتهم» أسدلت الستار و إلى الأبد على مقولتي التدين والإيديولوجيا، وأنهم باتوا يمثلون «نهاية التاريخ» !

وأن من يقف بوجههم أو من يحاججهم مهزوم لا محالة، وأمره ماض إلى زوال من دون شك أو تردد، فكيف من تجرأ أو يتجرأ على مقارعتهم؟

ستة وثلاثون عاماً ومثلها أو يزيد من قبل، وهم يبذلون قصارى جهدهم لإثبات أن نظامهم الدولي أي معادلة المنتصرين في الحرب العالمية الأولى، وما تبعها من تكريس وتعزيز مدنس بقيام كيان الاغتصاب والاحتلال، هو النظام التقدمي والحر والأصيل، والوحيد القادر على صناعة التاريخ والارتقاء بالأمم إلى سدة الحضارة والتطور والسيادة والريادة!

لكن ذلك الرجل الثمانيني الوقور والحكيم والزاهد في الدنيا والفقير إلى الله، الغني بدينه وثباته وتصميمه والمتمسك بعقيدته وعزيمته الراسخة على أنه الأقوى، وأنه الأعز وأنه الأرقى مادام معتصماً بحبل الله المتين ومؤمن بمقولة: «إن ينصركم الله فلا غالب لكم»، استطاع أن يبزهم جميعاً وفرادى، ويثبت لهم بطلان ما روجوا له، عنيت به الإمام روح الله الموسوي الخميني …..

في مثل هذه الأيام من العام 1979، استطاع رجل الاحتجاج والرفض والثورة والحكم أن يضع حداً لمحاولاتهم اليائسة والبائسة كلها. 

بعبارة واحدة اعتمدها منهجاً، استطاع أن يبزهم جميعاً يوم وجه نداءه الشهير: يا شعبنا العظيم ويا شعوب العالم أجمع، لقنوا أنفسكم أنكم تستطيعون، ستستطيعون بالفعل، وبمنهج واضح ومنير ومستنير، استطاع أن يعرض أفكاره ملخصاً ما أراد قوله او فعله كله، على مدى حياته قدم معادلته البديلة: الدين يساوي الحياة.

وهكذا كانت المبارزة في ميادين الغيب كما في ساحات الشهادة، أي في ميادين ادعاءات خصومه من حيث روجوا لخروج الدين من دورة الحياة، كما في تلك الميادين التي ظنوا أنهم الوحيدون الفاعلون فيها أي امتلاك الصدارة في شؤون العلم والعقل، استطاع قائد الثورة وحكيمها وحاكم دولتها الفتية ومن بعده تلامذته الملتزمون بخطه ونهجه، أن يبزوا ذلك الغربي المتعجرف والاستعلائي والأناني عندما أطلق نظرية العيون الأربع.

وذلك يوم دعا شعبه وعمل معهم على رسم معالم أول دولة دينية حديثة ومعاصرة تقوم على مبدأ الجمع والمزج المدروس والمتقن والمحكم بين العقيدة والعزيمة والعلم والعقل، وهكذا كان وبهت الذي كفر.

انظروا الآن إلى إيران وقارنوا أنتم بأنفسكم ماذا كانوا يريدون لها، وماذا خططوا ضدها، وماذا فكروا لها، وماذا روجوا عنها، وما آلت الآن فعلاً؟

لم يتركوا وسيلة للتآمر عليها ولا محاولة لإسقاط ثورتها ودولتها إلا وقد فعلوا والشواهد والأدلة والقرائن بالمئات. 

حاولوا حصارها كما فعلوا بجد ذلك الرجل الثمانيني العجوز عنيت به محمد بن عبد الله، واستمروا من بعده مع وريثه الحق الإمام السيد علي خامنئي، حتى قيل عن طهران على لسان معانديها وبعض المرجفين في المدينة من أبناء جلدتها بأنها باتت في «عصر شعب أبي طالب»!

ولكن ماذا حصل بفعل العيون الأربعة، وماذا حصل بفعل منهج، لقنوا أنفسكم بأنكم تستطيعون، وستستطيعون؟ 

ليس فقط لم يتمكنوا منها ولم يستطيعوا حشرها في شعب أبي طالب، بل إنها اصبحت اليوم في عصر بدر وخيبر.

نعم إنها تصعد إلى الفضاء متعملقة بأقمارها وصواريخها، وتجوب البحار على مدى الأفق من هرمز إلى خليج عدن وباب المندب إلى مضيق جبل طارق و إلى مابعد بعد جبل طارق، والقادم أبعد وأبعد …
وفي العلوم تتصدر الدول العشر الأولى في العالم في أكثر من صعيد ومستوى وحقل، والمقبل من الأيام يشي بمفاجآت كبيرة .

وفي ميادين السياسة والموقع غدت عضواً أساسيا في نادي الدول النووية في العالم، ناهيك عن كونها الدولة الإقليمية العظمى الأهم فيه.

وفوق هذا وقبله وبعده ترى سيد هذا العالم المستعلي والمتجبر والمستكبر يجد نفسه مضطراً ومجبراً، ومكرها للإذعان بضرورة مفاوضتها بأي ملف من ملفات المنطقة، معترفاً لها بذلك بأنها أفلتت من حصاره، وموقناً أكثر فأكثر ومع كل يوم يمر، بأنه لا فكاك من التعايش معها ولو على مضض.

إنها عزة الصابرين الاستراتيجيين والمتقنين لديبلوماسية حياكة السجاد، بفضل جمعهم لعالم الغيب والشهادة في منظومة ينبغي أن تسجل لذلك الرجل الثمانيني العجوز : منظومة العيون الأربع.
الرجل الذي هزم فوكوياما «نهاية التاريخ» ومن قبله هنتينغتون «صراع الحضارات، والذي يؤسس تلامذته الاوفياء اليوم وفي مقدمهم السيد القائد الإمام السيد علي خامنئي، لنظام عالم جديد، وقواعد تعامل واشتباك سياسي أمني عسكري وفكري وثقافي مع الخصوم، يستطيع معها القول: بأن العالم الذي جمع له يوماً ليهزمه، ليس فقط يفشل اليوم في حشده المتوالي كله على مدى أكثر من ثلاثة عقود….



(نقلاً عن صحيفة القدس العربي)