قضايا وآراء

عندما يصبح الكلب مواطناً شريفاً!

1300x600
لا أستغرب حالة الانحطاط الأخلاقي التي نعيشها منذ الثالث من يوليو 2013 وحتى الآن، فقد تشرذم الشعب المصري إلى شعبين على طريقة أغنية علي الحجار "إنتوا شعب وإحنا شعب" بإيعاز من السلطة التي عمّقت هذا الانقسام وانحازت للشعب الذي صنعته على أيديها عبر إعلامها الذي غسل الأدمغة وشوه الذاكرة، فصارت دماء أنصار 30 يونيو زكية طاهرة تستدعي من العالم كله الهبّة والانتفاض ليس حباً فيهم، ولكن تجارةً بالقضية واستغلالاً للحالة المزرية التي تعيشها البلاد، لتستمد منها السلطة شرعية زائفة على أمل التغطية على الفشل المستحكم على كافة المستويات والتشويش على ممارسات الخيانة، ومن ثم ستر ما تبقى من عوراتها المفضوحة على رؤوس الأشهاد.

نلاحظ دائماً كيف يتم توجيه موجات الإدانة والاستنكار والعويل على ضحايا (أولاد البطة البيضاء) حتى لو كانوا مختلفين مع 30 يونيو، المهم ألاّ يكونوا من المنتسبين لما يسمى بجماعات الإسلام السياسي من أصحاب اللحى والحجاب، لنفقد معه ما تبقى من إنسانية ونستقيل من ضمائرنا التي ماتت بفعل عمليات الحقد والكراهية لمجرد الاختلاف السياسي.

تموت الناس حرقاً في الشوارع والميادين وخنقاً في سيارات الترحيلات ولا بواكي لهم! بل تجد من ينهش في أعراضهم حتى وصل الأمر إلى اتهامهم بأنهم ماتوا منتحرين أو أن زملاءهم هم من قتلوهم! وفي المقابل يتم نصب سيرك اللطم والعويل على فضائيات الفتنة وفرض الحداد الرسمي لمقتل ضحية من الشرطة أو الجيش (ولا شك أن قتله مُدان ودمه حرام مادام يؤدي عمله بالدفاع عن نفسه وسلاحه حارس على الثغور والحدود)، لكن المستهجن والمثير للغثيان أن يتم التفريق في الدم والإدانة والتجريم على أساس الانتماء السياسي،فيتذكر هؤلاء شيماء الصباغ لأنها يسارية وينسي عمداً سندس أبو بكر وضنّوا عليها بأدنى حروف الإدانة لأنها محجبة وإخوانية.

تذكروا الكلب المذبوح بعد تعذيبه بطريقة وحشية بشارع الأهرام بشبرا الخيمة وأفردوا له مساحات من التغطية الاعلامية وفواصل من الشجب والإدانة لانتهاك حقوق الحيوان! بينما تم تعذيب المحامي كريم حمدي حتى الموت في قسم شرطة المطرية بعد 24ساعة من قيام الأجهزة الأمنية بمديرية أمن القاهرة بإلقاء القبض عليه من منزله، واتهامه بالمشاركة في تظاهرات جماعة الإخوان المسلمين، ولم نسمع كلمة استنكار من قبل السلطة وأذرعها الإعلامية أو مجرد تعاطف مع الدماء التي من المفترض أن تكون كلها حرام، قتلوا أكثر من أربعين من شباب "الأولتراس" في ملعب الدفاع الجوي، ثم اتهموهم بأنهم كيانات فوضوية إرهابية، والأغرب أن الشرطة لم تقتلهم (ربما الاخوان هم القتلة كما قال أحدهم أو أنّ كائنات فضائية قامت بالمهمة)! وفي المقابل استشاطت السلطة غضباً وانتفضت انتقاماً لمقتل 21 من المصريين المواطنين ربما من الدرجة الأولى في ليبيا (لأنهم مسيحيون) على أيدي تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" وقام سلاح الطيران المصري بالرد في اليوم التالي بقتل مدنيين من بينهم أطفال في مدينة "درنة الليبية" ولم نرَ مقاتلاً داعشياً واحدا قُتل، أو دبابة عسكرية أو منشأة عسكرية تابعة للتنظيم تم حرقها أو قصفها تثبت أننا بالفعل ازاء تجفيف منابع الارهاب كما يدّعون ويروجون!

في مصر دماءٌ ودماء..دماءٌ طاهرة زكيّة يجد من يُرثيها ويبكيها حتى لو كان كلب شارع الأهرام المذبوح فدمه أعز وأغلى عند ما يُسمى دكاكين "عقوق الانسان"، ودم آخر رخيص لا بواكي له مهدرٌ ومباح على أساس الأيديولوجيا والانتماء السياسي، فإذا كنت من أبناء 30 يونيو المخلصين وقُتلت على إثر "عطسة عنيفة" فكن مطمئناً على جنازتك المهيبة التي سيسطرها التاريخ وتنقلها فضائيات مدينة الإنتاج الإعلامي على الهواء مباشرة فضلاً عن وصلات الشجب والإدانة والاستنكار ولطم الخدود وشق الجيوب حزناً على نضالك أيها الميت الحيّ خاصة إذا كانت ميتتك على يد إخوانيّ إرهابيّ فطوبى لك وهنيئاً لأهلك وذويك!..أن تكون حقيراً فذلك عنوان المرحلة.