قضايا وآراء

ما بعد الترخيص.. إشكالية التبرير!!

1300x600
رداً على مقالة د. رحيل الغرايبة: (دبابة الدولة والمنطق المتناقض)  الدستور الثلاثاء، 10 مارس/آذار، 2015م

• إن الغريق لا يخشى من البلل، وربما دفعه ذلك للوقوف تحت المزراب مباشرة، مغايظة ومكابرة، بعد الإسقاط في اليد، وخيبة الرجاء، فيما هو ذاهب إليه من غايات!

• كان الذهاب لتصويب وضع الجماعة، الخطوة التي لا يمكن لمُنصف أن يؤيّدَها، أو يجدَ لها مسّوغاً منطقياً، مهما اجتهد في ذلك، حتى من بعض المتعاطفين مع هذه المجموعة -إن لم نقل كلهم- والمتقاطعين معهم في نقد أداء قيادة الجماعة، بل ومن عموم الكتاب والصحفيين والسياسيين -من مختلف التيارات- الذين استهجنوا هذه الخطوة وأدانوها!  مما دفع الإخوة مضطرين لمحاولة التبرير،وإقناع الرأي العام، بدغدغة عواطف العوام والبسطاء، وربما تأكيد حالة البراءة من مسلك قيادة الإخوان ، للراعي الرسمي للترخيص! 

• لم تكن القضية مخالفة تنظيمية وحسب، بل هي مخالفة قانونية ودستورية وعُرفيّة أيضاُ، إذ كيف يتم الترخيص لمجموعة ليس لها أي صفة قيادية، أو موقع تنظيمي في الجماعة، وهي غير مفوضة أصلاً للقيام بهذه المهمة من القيادة، بل صدر بحقها قرار بالفصل، قبل الترخيص بأسبوع، ثم تقوم المؤسسة الرسمية بالترخيص لهم، باسم (جمعية جماعة الإخوان المسلمين في الأردن)، في أسرع عملية حمل، وولادة في التاريخ!!

• وبناء على هذا المنطق، لنا أن نتساءل: فيما لو أن رئيساً سابقاً من وزرائنا، ذهب للتفاوض من وراء قادته الشرعية مع (أخناتون)-مثلاً- ويُبرم معه صفقة من شأنها أن تهدّد كيان الدّولة، أو تمنحه حقوقاً لا ترغب قيادته بإعطائه إياها؟! هل يكون هذا الفعل قانونياً أو شرعياً أو أخلاقياً، أو نافذَ المفعول واقعياً!! إن هذا بلا شك هُراءٌ، من هُراء القول، لا ينبغي أن يكون محلَّ بحث، أو نقاش ابتداء!!!  

• يزعم د. رحيل: (أن جماعة كاملة بخطابها وفكرتها وفلسفتها تم اختطافها، وأصبحت تشكل غطاءً شرعياً لممارسات تنظيمية غير صحيحة وغير مقبولة)، وهو بهذا القول، يحاول أن يسوِّغ عملية اختطاف أخرى مقابلة، يمارسها هو وفريقُه، الذي عجز عن الإقناع، وعن تسويق الذّات وإمضاء البرنامج، وتراجعت مكانته في المشهد التنظيمي، فقفز خارج الحلبة، مستعيناً بصديق، ليقول لنا: إن عملية الاختطاف التي يدعيها في خصومه وأنهم يمارسونها من داخل التنظيم مُدانة وغير مشروعة، بينما عملية الاختطاف التي يقودوها ومن معه من خارج التنظيم، وبيد السلطة، ممارسة مشروعة، ومقبولة، وأخلاقية!!  

• ومن هنا جاءت حكاية موقف الإخوان من الدولة، والخلط المتعمد بين المفاهيم، ومحاولة التلبيس على القارئ، وهي محاولة مكشوفة، لأنه أعلم الناس بالفارق الجوهري بين الدولة والنظام، فالدولة أصل يقع خارج دائرة الخلاف، وهي في سويداء القلب من أبناء الوطن عموماً، ومن أبناء الحركة خصوصاً، أما النظام فخادم وأجير في الفقه الشرعي، وفي النظم والدساتير، يدير مصالح الناس برغبة الناس، بالعدل والقسطاس المستقيم، ويقيم العدالة، ويكافئ الفرص، وفي ضوء أدائه تكون النظرة إليه، والحكم عليه، فالولاء للدولة مطلق بلا قيود، وأمّا الولاء للحكومة فمشروط بتنفيذها للمهمات المنوطة بها، وعلى هذا جرت سنة الخلفاء بالفصل بين الحقّ، وبين من يقوم بمزاولته وتوظيفه: {أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم}. ومن هنا قام واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي يكاد ينحصر في الجماعة، وقلّة من الأحرار المخلصين هذه الأيام.  
   
• وعليه فالإخوان جزء من الدولة قطعاً، ويعملون ضمن القانون، ويقبلون بالنظام، وهم الذين حموه في حقبة تاريخية، وما زالوا، فأعدم عبدالناصر من إخوان مصر  21 أخاً مسلماً؛ غضباً، ليلة فشل انقلابه في الأردن، لكنهم اليوم ليسوا جزءاً من النظام، لا عن رغبة منهم، بل لأن النظام نفسه لا يرغب بهم، إلا إذا كانوا ديكوراً للعملية السياسية، فهو يحاصرهم، ولا يتيح لهم الفرص الحقيقة، لإحداث التغيير النوعي المطلوب، في الأداء والتربية والتنمية والبناء، بل يُلاحقهم، ويضيّق عليهم، وعلى ذراريهم، حتى صلة القرابة من الدرجة الخامسة، مع أنه يزعم الديمقراطية، والتنمية السياسية!!  
 
• أمّا موضوع الترخيص من الحكومة، فأمر طبيعي، فلم يصدر ترخيص الإخوان الأول عن عمر بن الخطاب، بل صدر من الحكومات نفسها سواء في 1946م، أو في 2015م، لكن الترخيص الأول كان بإرادة المُرخِّص، ورؤيته وبرنامجه، وضمن إجماع كوادره، وبيد قيادته الشرعية، أما الترخيص الأخير فجاء بانقلاب وانشقاق، وجد فيه الرسمي بأجهزته فرصته -وربما أوعز به ابتداء- لضرب الجماعة، ومحاولة إضعافها أو تفكيكها من الداخل، لأنه متضرر من تماسكها، ولا يريد أن يسمع صوتاً ناصحاً، منها أو من غيرها، ما دام معارضاً لسياسته، ويعلم القائمون على الجمعية الوليدة، أنهم مع أول خطوة لهم على طريق المعارضة الحقيقية، سيتم الانقلاب عليهم ومحاصرتهم، إلا إذا جاءت معارضتهم في السياق التمثيلي التهريجي، بالتنسيق الخفيِّ أو العلني، مع الجهات ذات العلاقة!   

• إن التّذرّع بردّ هذا الزعم (زعم العداء للدولة) إلى تربية مقصودة، زُرعت في الأفراد، وهي تُحرّم عليهم المشاركة بالسلطة التنفيذية، وتُبيحها في التشريعية لمصالح خاصة، فهو لا يعدو أن يكون مجرد زعم، لا يقوم عليه دليل، والجماعة تقولها بوضوح: إنه لا جدوى من أي مشاركة في أيّ من السلطتين إذا استمرت العقلية الرسمية بما هي عليه، من إصرار على تفرغ السلطتين من مضمونهما، بتدخُّلات من القوى النافذة بالنظام، التي حملت رئيس وزراء ليس من الإخوان، ليعلن استقالته من خارج البلاد، مع أنه جاء -يوم جاء- بشرط امتلاك الصلاحيات الكاملة، التي لم يتحقق له منها شيء، فاحترم نفسه واستقال، مسجلاً موقفاً للتاريخ وللأجيال القادمة، التي تحترم ذاتها وتاريخها! 

• الأعمال بخواتيمها، ولا جدوى من سرد سجل التضحيات، فنحن جزء من هذه الدعوة،  وعلى مساس بمحاضن التربية، وبين أيدينا المناهج التربوية، التي لا نرى فيها شيئاً يزرع البغضاء، أو يؤسس لمؤامرة على النظام، أو يصوّر الدولة على أنها ساحة عمل لا وطناً!! بل يزرع الدولة في وجدان الأفراد، بوصفها أرض رباط، نتعبّد لله بالإقامة فيها، والعمل على بنائها وصيانتها، وأننا معنيون بحفظ أمنها، لا يسبقنا بهذا أحد، حتى جيشها وأجهزتها الأمنية، لأننا مُجمعون على أننا كلنا جبهة واحدة، في وجه أي تهديد خارجي أو داخلي يهددها، فلا وطن لنا غيرها، سواء نحن، أو مَن يُلْمِح الكاتب إليهم من وراء حجاب، بنَفَسٍ عنصري مستغرب، واقعاً في خطيئة الكشف عن السرائر، والتّنقيب في مكنونات الصُّدور!!
 
• نصيحة من القلب للإخوة الذين صنعوا هذا المشهد -مختارين أو مكرهين- أن امضوا لقناعاتكم، وشيّدوا عالمكم الخاص، بعيداً عن الجماعة وكوادرها!! اتركوا التشكيك، ولا تكونوا جزءاً من الهجمة على ربيع الأمة، التي يقودها الرسمي العربي قبل الغربي، الذي ينال منها الإخوان المسلمون نصيب الأسد، ولا تُعوّلوا كثيراً على إمكانية استقطاب أحد لطرفكم، غير الذين رضوا ابتداء أن يكون من صُنّاع هذا المشهد، بل توقعوا تراجع أكثرهم وانسحابهم، بعدما ظهر من حقائق !!  فاتقوا الله، وأربعوا على أنفسكم، ولا تجعلوا خطيئة التبرير أكبر من خطيئة الفعل نفسه، عسى الله أن يُسددكم ويوفقكم، ويجعلكم إضافة نوعية في ميدان أخفقت فيه الحركة، كما تزعمون!!