مقالات مختارة

"صحوة" المالكي

1300x600
دعا نائب رئيس الجمهورية نوري المالكي إلى ان تغادر الطبقة السياسية الحالية مناصبها قائلا: "هذه الطبقة السياسية، وأنا منهم، ينبغي أن لا يكون لها دور في رسم خريطة العملية السياسية في العراق، لأنهم فشلوا فشلاً ذريعاً".

ولصاحب هذا العمود بعض الملاحظات، من أجل العراق اولا، ومن أجل الحقيقة ثانيا، وخصوصاً، خصوصاً بسبب ما عاناه هذا الشعب المغلوب على امره من عذابات ومآسٍ وخراب خلال السنوات الماضية. 
كلام السيد المالكي يوحي وكأن الرجل لم يحكم البلاد ثماني سنوات وسعى بكل ما اوتي من سلطة المال والسياسة الى ان يمدد ثالثة ورابعة، اذا ما سمحت الاقدار، هو يعرف، والقوى السياسية تعرف، أن أهل هذه البلاد أناس مغلوبون على أمورهم وعلى امنهم وعوزهم وعلى الصراعات السياسية التي لم تنقطع منذ اثني عشر عاماً.

ما قاله المالكي اخطر كلام سمعته على لسان مسؤول يعتبر مشاركاً في القرار السياسي، وظل صانعا له حتى كتابة هذه السطور.

عندما جلس المالكي على كرسي السلطة في المرة الأولى القى خطاباً سياسياً جميلا ووديعا تركز على اقامة دولة القانون، فكيف كان شكل هذه الدولة خلال السنوات الثمانية التي حكم فيها؟، من هم صناع القرار؟، من هم الذين تلاعبوا بمقدرات البلاد وأمنها وثرواتها؟، الذين كانوا يشتمون كل من يتحدث عن اخطاء رئيس الوزراء؟، الذين تعاملوا مع شركائهم في هذا الوطن باعتبارهم أقليات؟.

الواضح ان السيد المالكي يشير الى سياسيين لم يكن يجلس معهم ويتسامر ويتفق ويختلف، ولكن في النهاية يطلب من الجميع ان يصفق له، فمن اوصل الانتهازيين والساعين الى تقسيم العراق ومنحهم الحصانة، ومن وضع الفاشلين في سدة الحكومة؟ 

هذا السؤال تطرحه الناس كل يوم وهو حقها. اما المشاركون في تقسيم كعكة العراق فلا يحق لهم طرح الاسئلة وتوجيه اللوم، لأن عليهم بدل ذلك ان يقدموا الأجوبة على سؤال مهم: من اوصلنا الى هذا الحال؟.

لقد وضعت حول عنق العراق سلسلة من السراق والمتسلقين تحت مبدأ اصحاب الثقة اهم من اصحاب الكفاءة، ومن أفرغ خزائن العراق بسبب صفقات مشبوهة؟ 

في كلام السيد المالكي الكثير من الصحة وان لم يكن الحقيقة كلها. لكن السؤال الأكبر وربما الوحيد، هو من الذي دفع بنا الى هذا المصير المجهول ولماذا؟ ومن جاء بعدد كبير من المقربين منه ليضعهم في واجهة الحكومة؟

اعتقد ان اثارة مسألة التنحي وسبب الفشل قد تأخرت كثيراً. لم تعد الفوضى والخراب اختصاصاً، بل اصبحت حالة عامة في السنوات الاخيرة. وفي خطاب الدورة الاولى لرئاسة الوزراء قال المالكي "اننا نريد ان نبني دولة ديمقراطية الجميع فيها متساوون في الحقوق والواجبات"، واعاد نفس "الاغنية" في دورته الثانية، لكن الحمد لله على سلامة الديمقراطية، واحترام الرأي الاخر.

ياسيدي ثماني سنوات لم تجن الناس خلالها سوى شعارات براقة سرعان ما تم الالتفاف حولها لتفرغ من مضامينها الحقيقية، وليقرر أشاوسة دولة القانون نسف اللعبة الديمقراطية بأكملها، والعودة بالبلاد إلى زمن القرون الوسطى.

لقد جاءت صحوة المالكي متأخرة. فالناس تئن منذ سنوات. والذين في ايديهم القدرة على صنع القرار، لم يكفوا عن فرض ارادتهم وتسليط مقربيهم على اعناق العراقيين.. لعل اهم ما في كلام فخامة نائب رئيس الجمهورية انه قيل على لسان مسؤول في مكانته، لكن المؤسف انه وجه الكلام الى جهة لا تملك قرار طرد الساسة، واعني بها الناس البسطاء.



(نقلا عن صحيفة المدى العراقية)