ملفات وتقارير

القضاء ورجاله في مناطق تنظيم الدولة بسوريا

ألغى تنظيم الدولة المحاكم الشرعية التي أسسها الثوار وأنشأ محاكم تابعة له - أرشيفية
تعرضت منظومة الحياة في المناطق السورية التي سيطر عليها تنظيم الدولة لـ"هزة عنيفة"، بحسب مراقبين أشاروا إلى أن التنظيم "ألغى النظام القضائي السوري في مناطقه نهائيا؛ ليجد القضاة والمحامون أنفسهم - بين عشية وضحاها - قابعين في بيوتهم، أو معتقلين في سجون التنظيم، أو مهجرين بعيدا عن أهلهم وخلانهم".

ومع سيطرته على مناطق شاسعة في سوريا؛ أغلق تنظيم الدولة جميع المحاكم السورية التي تقع تحت حكمه، بما فيها المحاكم الشرعية التي أسسها الثوار، الذين سبقوا التنظيم بإلغاء المحاكم الجنائية، تاركين المحاكم المدنية والشرعية الرسمية على حالها لتسيير أمور المواطنين ومعاملاتهم الرسمية.

وحول إلغاء تنظيم الدولة المنظومة القضائية التابعة للنظام السوري؛ قال عضو التنظيم في ريف حلب "أبو عمر" إن "العدل أساس الملك، ولا يمكن للعدل أن يتحقق إلا إذا كان الحكم وفق الشريعة الإسلامية، وهذا ما دفعنا إلى إغلاق المحاكم الوضعية".

تداعيات سلبية

واشتكى مواطنون في مناطق تنظيم الدولة لـ"عربي21" من التداعيات "السلبية" لإغلاق المحاكم المدنية والشرعية الرسمية، مشيرين إلى أنهم باتوا مضطرين للسفر إلى مناطق النظام لتثبيت عقد زواج، أو إبرام عقد بيع عقار أو سيارة، بعد أن كانت كلها تجرى في مناطقهم. ومما يزيد المعاناة - بحسبهم - أن تثبيت تلك العقود يجرى بشكل سري بعيدا عن أعين التنظيم، لأن الجهر بذلك سيعرض المواطن للمساءلة.

وقال المدرس عصام، من ريف حلب الشرقي، إن المواطنين يُبقون على معاملاتهم سرية؛ لأنهم سيواجهون في حال اكتشافها تهمة الاحتكام لغير شرع الله.

وتابع في حديثه لـ"عربي21": "أضف إلى ما سبق؛ أن اللجوء لمحاكم النظام السوري يعني أنك لا تثق ببقاء الدولة الإسلامية التي تحكمك بشرع الله، وهذا سبب كافٍ لاعتقالك".

القضاة والمحامون

وأتبع التنظيم إغلاق المحاكم بسلسلة إجراءات؛ كان أبرزها منع القضاة والمحامين من أبناء المنطقة من متابعة أعمالهم ومزاولتها حتى في مناطق النظام، بل إنه ألزم القضاة بالتوقيع على وثيقة أقروا فيها بأن بيوتهم ملكٌ للتنظيم في حال سفرهم ومغادرة مناطقهم، بحسب أحد القضاة.

وقال القاضي "محمد" من ريف حلب الشرقي، إن تنظيم الدولة "وضعنا أمام خيارين صعبين، إما الهرب لمتابعة العمل الوظيفي في مناطق النظام، وترك كل ما نملك من أموال وعقارات وأهل وأقارب، أو التخلي عن عملنا والعيش في مناطقنا"، مشيرا إلى أن أكثر القضاة "فضّلوا الخيار الثاني؛ لأنهم وجدوا صعوبة في انتقالهم وعائلاتهم إلى مناطق النظام، وترك كل ما يملكون خلفهم".

وأضاف لـ"عربي21" أنه "بالرغم من تفضيل القضاة الخيار الثاني؛ إلا أنهم تعرضوا لمضايقات كثيرة من سلطة تنظيم الدولة"، مشيرا إلى "اعتقال كل من عبدالغفور الحسن رئيس النيابة، والقاضي الشرعي إبراهيم مصطو، والقاضي عبدالرزاق البكار، وقاضي محكمة البداية المدنية جمعة الحسين، وقاضي بداية الجزاء إسماعيل أحمد، ليتم إطلاق سراحهم بعد شهر تقريبا".

في المقابل؛ رأى عضو التنظيم "أبو عمر" ما جرى للقضاة بصورة مختلفة، حيث قال لـ"عربي21": "لم يكن اعتقالاً، وإنما هو احتجاز بهدف التأكد من فكّهم ارتباطهم بالنظام النصيري، ولم يتعرض أحد لهم بسوء"، غير أن قاضيا رفض ذكر اسمه، وجّه اتهامات للتنظيم بتعذيب بعض زملائه حتى الموت، كالمحامي محمود كامل حاج علي الذي ادعى التنظيم موته بجلطة، مشيرا إلى أن القاضي محمد باكير الجمعة ما زال معتقلاً لدى التنظيم.
 
ودفعت إجراءات التنظيم تجاه المؤسسة القضائية؛ كثيرا من القضاة والمحامين المقيمين في الريف الشرقي، إلى البحث عن موارد رزق جديدة، حيث اختار معظمهم الأعمال الحرة، وتفرغ آخرون للعمل بالزراعة، ومنهم من فضّل السفر كالقاضي عبدالرؤوف الشيخو الذي سافر إلى بريطانيا، فيما هاجر فريق آخر تهربا من طلب تنظيم الدولة منهم العمل كقضاة في المحكمة الشرعية، أو لأنهم كانوا نشطاء معارضين للتنظيم خلال الثورة، كرئيس مجلس أمناء الثورة بمنبج، المحامي مصطفى حاج عبدالله.