حقوق وحريات

دعوات في الأردن لإنصاف "مجهولي النسب" وتحسين أوضاعهم

72 حالة مجهول نسب سنويا في الأردن - أرشيفية
ببالغ الألم تلقى الشاب علاء الطيبي مجهول نسب من الأردن، عبر شبكات التواصل الاجتماعي، صورة لرضيع عراقي في إقليم كردستان، وقد وسمته إحدى المستشفيات بكلمة "لقيط" على صدره.. وسم لن يزول بمجرد تنظيف الحبر الذي كتب فيه، إذ سيحمله الطفل "وصمة عار" تلاحقه من المهد إلى اللحد، على حد قوله.
 
خلال السنوات الثلاث الماضية، استطاع الطيبي أن ينشئ في الأردن حراكا ضاغطا للمطالبة بحقوق مجهولي النسب، انتزع من خلاله مجموعة مكاسب بعد سلسلة اعتصامات نفذها حراك "مجهولو النسب"، لمطالبة السلطات الأردنية بإنصافهم، وتغيير "سياسية التمييز" التي كانوا يعاملون بها.
 
وتمكن مجهولو النسب من الضغط على الحكومة الأردنية التي كانت تميزهم بأرقام وطنية تبدأ برقم (2000)، ونجح حراكهم بإعادة استبدال جميع الأرقام الوطنية لمجهولي النسب، بعدما كانت تمثل بالنسبة لهم "وصمة عار"، تضعهم في مواقف "مهينة" عند التوظيف أو التقدم للزواج.
 
ويرى الطيبي في حديث لـ"عربي21" إن صورة الطفل العراقي "تبين حجم معاناة هذه الفئة، وكم الظلم الواقع عليها في كل بلدان العالم، فأعداد مجهولي النسب بتزايد، ولا تحرك الدول ساكنا، حيث إن التشريعات لا تحمي مجهول النسب أو تغلظ العقوبة على من يرتكب الفاحشة ويرمي بطفله إلى الشارع".
 
"وصمة عار"


ويعاني مجهولو النسب من " وصمة عار " تلاحقهم طيلة حياتهم، وفق ما يراه الطيبي، ويضطر عدد منهم بسبب الرفض المجتمعي لهم للعمل في النوادي الليلية أو التسول، بعد تخرجهم من دور الرعاية بعد سن الثامنة عشر".

ويقول الطيبي إن "هناك العشرات من مجهولات النسب يعملن في النوادي الليلية، بعد تخرجهن من دور الرعاية، وعدد منهن أنجبن أطفالا مجهولي النسب، ويقمن برعايتهم دون شهادة ميلاد أو وثيقة"، محملا الجهات الحكومية مسؤولية المصير الذي تؤول إليه هذه الفئة.
 
وبهدف تغيير بعض المفاهيم الاجتماعية حول مجهولي النسب، قام الطيبي ومجموعة من الأيتام بإطلاق حملة تحت اسم "شكرا"، وزعوا خلالها منشورات على المواطنين، مرفقة بورود، يهدفون من خلالها إلى تعريفهم بالظلم الواقع على هذه الفئة من المجتمع، "التي وقعت ضحية لذنب لم يقترفوه".
 
إلا أن "الوضع لم يتحسن"، بحسب الطيبي، ويخوض مجهول النسب "صراعا مع الحياة يبدأ منذ لحظة رميه في الشارع أو في حاوية قمامة، وحتى يبلغ ويصارع من أجل إيجاد فرصة عمل أو قبول في مجتمع يطلق عليه لقب لقيط عندما يولد، ولقب ابن حرام حين يكبر".
  
يستذكر الطيبي قصة مجهول النسب "أحمد روبين" الذي أحرق نفسه أمام بوابة وزارة التنمية الاجتماعية 2008، احتجاجا على منعه من دخول الوزارة طلبا للقاء الوزيرة، ليتوفى "روبين لاحقا متأثرا بجروحه بعد أيام".
 
وفي قصة أخرى لشاب مجهول النسب، يدعى محمد، حكم عليه القضاء الأردني بالسجن عامين بعد أن سرق وجبة "همبرغر"، بعد أن ساءت أوضاعه الاقتصادية، ولم يجد طعاما ليأكل، فتوجه إلى أحد المطاعم المعروفة في عمّان ليطلب طعاما، وبعدها يهرب من دفع الحساب.
 
وهذه القصص يرى فيها الطيبي مثالا لحال مجهولي النسب، منتقدا "التجاهل الرسمي لفئة من المجتمع، وجدت نفسها ضحية دون إرادتها".
 
ولا يتوقف الصراع من أجل البقاء عند هذا الحد، إذ يخوض مجهولو النسب صراعا آخر مع التشريعات والقوانين التي تميزهم عن غيرهم بأرقام معينة، وتفقدهم الحق في التنافس على وظائف حكومية.
  
ويقترح الطيبي أن تقوم الحكومات ومنها الأردنية ببناء قاعدة معلومات للحمض النووي للمواطنين، وفي حال العثور على طفل مجهول النسب يتم مقارنة العينة بقاعدة المعلومات، وإلزام الأب برعاية الطفل.
 
رأي قانوني

يقول الباحث والمستشار في قضايا المرأة وحقوق الإنسان، المحامي عاكف المعايطة، إن " المُشرع الأردني عالج مسألة الأطفال مجهولي النسب، من خلال عدة قوانين، أهما: قانون الأحوال المدنية الأردني، حيث أجاز القانون للطفل مجهول النسب الحصول على شهادة ميلاد باسم أب وأم غير حقيقيين، وبإشراف وزارة التنمية الاجتماعية، وتقوم الوزارة من خلال مراكز الرعاية المعنية بإرسال المولود إليها للعيش هناك، ضمن ملف خاص، يحمل اسما لهذا الطفل، وتاريخ ولادة، وشهادة ميلاد.

وأوضح أنه يتم إعطاء الطفل اسم أب وأم، وتكون الأسماء وهمية، وتحرص دائرة الأحوال المدنية بعدم ربط المولود باسم عائلة أردنية معروفة، أو اسم متداول في الأردن.
 
أما عن جنسية المولود، يقول المحامي في ورقة بحثية إن "قانون الجنسية الأردني حمى هذا المولود، ويتفق القانون في هذا المجال مع الاتفاقيات الدولية، وقد جاء منسجما معها من حيث حق الطفل بالحصول على جنسية واسم".

ونص القانون الأردني بأنه "يعتبر أردني الجنسية من ولد في المملكة الأردنية الهاشمية من أم تحمل الجنسية الأردنية وأب مجهول الجنسية، أو لا جنسية له، أو لم يثبت نسبه إلى أبيه قانونا، وأيضا من ولد في المملكة الأردنية من والدين مجهولين، ويعتبر اللقيط في المملكة مولودا فيها، ما لم يثبت العكس".
 
ويتفق المحامي مع مطلب الطيبي بضرورة استخدام الوسائل العلمية لإثبات نسب الطفل، من خلال فحص الحمض النووي، في حال إنكار الأب لابنه، أو في حال تعرض الأم إلى أكثر من اعتداء جنسي.
 
أول جمعية لمجهولي النسب.. تغلق مقارها
 

وفي سابقة من نوعها على مستوى الوطن العربي، رخصت وزارة التنمية الاجتماعية في الأردن قبل عامين أول جمعية لمجهولي النسب، تحت اسم "أنا إنسان"، بهدف العناية بكل شؤون الأيتام ومجهولي النسب داخل دور الرعاية وخارجها".

واللافت أن جميع أعضاء الهيئة الإدارية من الأيتام ومجهولي النسب.
 
إلا أن الجمعية التي استأجرت مقرا لها في إحدى مناطق العاصمة عمّان، لم تصمد أمام شح التمويل، لتقفل أبوابها بعد عام تقريبا من ترخيصها، وينتقل عملها إلى داخل منزل الطيبي.
 
ويسعى الطيبي من خلال الجمعية إلى تنفيذ برامج عدة لدعم الأيتام من مجهولي النسب، منها "توفير مسكن لهم بعد خروجهم من دور الرعاية، وتوفير تدريب مهني لهم، ليصار إلى توظيفهم فيما بعد، كما ستعمل على برامج التعليم والإدماج".
 
الحكومة: 72 حالة مجهول نسب سنويا
 

وحول دور وزارة التنمية الاجتماعية في التعامل مع قضية الأطفال مجهولي النسب، قال الناطق باسم الوزارة الدكتور فواز الرطروط، لـ"عربي21" إن "الوزارة لديها برامج عدة على المستوى العلاجي والوقائي، والعمل على التشريعات لدمجهم بالمجتمع".
 
ومن هذه البرامج بحسب الرطروط: "تعمل الحكومة الأردنية على برنامج الاحتضان منذ نهاية ستينيات القرن الماضي، حيث تمت حضانة أكثر من 1200 طفل من هذه الفئة لأسر أوضاعها المادية ممتازة، ومن خلال المتابعة تبين أن جميع الأطفال يعيشون أجواء أسرية سوية، أما  البرنامج الآخر يدعى (الأسر الراعية البديلة) للأسر ذات الوضع المادي الأقل مستوى، وطبق بشكل تدريجي على 40 أسرة، وتبين أنه إيجابي بنسبة نجاح %98".
 
وأضاف إلى جانب هذين البرنامجين لدى الوزارة برنامج "رعاية المؤسسة الاجتماعية للطفل مجهول النسب"، حيث يوضع الطفل حين يعثر عليه بدور الرعاية، إلى أن تتاح له فرصة الاحتضان، إذ تتنافس 150 أسرة كل سنة على حضانة 50 طفلا".
 
وحول أعداد مجهولي النسب في الأردن، قال الرطروط: "خلال العشر سنوات الماضية، تتعامل المملكة سنويا مع 72 حالة منهم 27 حالة مجهول (الأب والأم)، وحالتان سفاح قربى، 43 الحالات المتبقية أطفال تعرف أمهاتهم".
 
وأكد الرطروط أن رعاية الوزراة تمتد لما بعد التخرج، حيث تملك الوزارة دارا لرعاية اليافعات إلى حين تأهليهن وتدريبهن، كما يتم تدريب الذكور على العمل المهني أو إكمال تعليمهم من خلال صندوق الأمان المستقبلي لأطفال الأيتام، الذي تدفع له الوزارة 200 ألف دينار أردني سنويا، لتقديم هذه الخدمات.

بالإضافة إلى خدمات توفير المساكن، والتأمين الصحي، والتوظيف لدى القطاع الخاص، بحسب الرطروط.
  
وقالت الوزارة إنها ساعدت 50 خريجا وخريجة على الزواج بتسهيل سبل الزواج، وتزويد المساكن الزوجية بالأثاث اللازم لبدء الحياة الزوجية، والمساهمة في تكاليف حفلات الزواج بقيمة إجمالية بلغت 100 ألف دينار، وتجري مراسم الزواج وفق التشريعات السارية وبموافقة الطرفين الكاملة.