قضايا وآراء

النخبة العسكرية

1300x600
تستمع لعناصر توصف بأنها نخبة مصر المثقفة، فتجد أنك أمام نخبة مصر الأمنية، وبينما يصور الاعلام ووسائل الدعاية عددا من سدنة الأنظمة بالثوار، هناك عشرات الآلاف يقبعون في سجون عبدالفتاح السيسي ويدفعون ضريبة الحرية التي يتشدق بها أمثال هؤلاء.

على فضائية بي بي سي وفى حوار مع الكاتب علاء الأسواني، فان التلفيق وليّ الحقائق صار صنعة، والتضليل أصبح مهنة، وللأسف لا تستطيع الأن التمييز بين كاتب يفضل أن يوصف بالأديب، وكاتب أخر يعمل أمين شرطة.

كثير من نخبة مصر ونكستها فى نفس الوقت ممن يغضب عليهم الحكم العسكري، ليس لمعارضتهم إياه وانما تقليلا من شأنهم لخدماتهم المجانية له، أصبحوا صداعا حقيقيا فى رأس الشعب ومعوقا أساسيا أمام نهوض هذا المجتمع المنكوب.

فالاستماع لكاتب أو مثقف أو أديب أو أي شيئ من صنيعة اعلام الاتحاد الاشتراكي أو انتاج اعلام أنس الفقي أو ارشادات عباس كامل، لا يفرق كثيرا عن حديث السيسي نفسه أو وزير الداخلية أو أي جندي مجند فى أجهزة القتل والكراهية.

تمثل معضلة النخبة فى مصر إشكالية حقيقية وقضية فى غاية الخطورة توجب أن تكون أولوية ثورية وعلى رأس أجندة الثوار، إذ تمثل هذه الفئة المتنوعة مرضا عضالا وورما سرطانيا، كان سببا رئيسا فى تخلف البلاد والعباد عن ركب الحضارة الانسانية.

ومنذ عهد العسكر الذي بدأه جمال عبدالناصر كنموذج فاسد للحاكم الفرد تمكن النظام من صناعة طبقة عليا مقربة تسيطر على مقدرات البلاد وأموالها، ومكن طبقة أخرى ممن يطلق عليهم مثقفون أو غيرهم من عقول العباد، وبهذا فان مصر الوطن والمواطن أصبحت أسيرة فئتين هما الأكثر قبحا وسوءا فى تاريخ المحروسة.

تتميز نخبة مصر باحتقارها الشديد للشعب وقيمه ومعتقداته، تتعالى عليه وتتكبر وتعتبره قطعان من الحثالة لاقيمة لها ولاوزن ولا يمكنه أن يقرر مصيره، وعلى الأخرين أن يقرروا له.

تصدر نخبة مصر العسكرية روح الهزيمة دائما ومنهج الإرجاف، وتجعل الشعب بطاقته البشرية الجبارة موضع المفعول به لا الفاعل ورد الفعل لا الفعل ذاته، وتعتبر أن أي محاولة للتخلص من التبعية للغرب هي ردة للوراء ورجعية وجر البلد إلى مجاهل الماضي.

تمارس النخبة العسكرية فى مصر الفاشية فى كافة منابرها، تكذب كما تتنفس، تفعل عكس ما تقول، تتأمر وتخون كما تسرق وتنهب وترضى دوما بفتات السلطة الذي يكفل لها عيشا متميزا نوعا ما عن بقية أبناء شعبها حتى لو كان مغموسا بالذل والمهانة.

فجأة وعلى حين غرة قامت جموع الأبواق والأصوات الزاعقة بعد عملية اختطاف وقتل الديمقراطية الوليدة فى مصر بتبني وجهة النظر الصهيونية وجعلها منهجا وهديا لشتى مناحي الحياة فى مصر، إذ باتت فلسطين عدوة واسرائيل بلد الحريات والتقدم، وأصبح الطفل الفلسطيني الضحية، إرهابي مسلم يعتدي على جاره الاسرائيلي المسالم، وباتت غزة منبع الارهاب والعمل على حصارها ضرورة وطنية وانسانية.

يمثل التخلص من التبعية صداعا مزمنا فى رؤوس هؤلاء البشر الموصوفون زورا بالتقدمية والحداثة وهم فى الحقيقة دعاة رجعية وتخلف، فالرغبة لديهم  لابقاء مصر والعرب والمسلمين فى الحضن الغربي المعادي للاسلام والعالم الثالث على حد سواء، هدف أسمى عندهم، وأي محاولة للخروج من هذا الوضع هو ارهاب وتخلف يجر البلاد والمنطقة للهاوية.

يختلف ويتباين مفهوم حقوق الانسان والضمير عند النخبة العسكرية فى مصر، وفقا لتوجه وانتماء الانسان، فلا معايير واحدة تمكنهم من تحديد موقفهم من الشخص أي كان، ولا ضمير يجعلهم يقفون ضد ظلم فاضح وفاحش تجاه معارضين سلميين، فاذا كان المعتدى عليه ينتمي إلى فئتهم وفكرهم فانه يمكن المطالبة وعلى استحياء بوقف الاعتداء، وفقا لما يسمح به النظام، حيث لا مكان بالخروج عن النص تحت الحكم العسكري. أما اذا كان الضحية ينتمي لتلك الفئة صاحبة الضمير ممن ترفض القتل والاهانة لكافة البشر، فان دمه حلال والتقاط الصور مع المجرمين القتلة مدعاة للفخر، كما فعل ابن جمال عبدالناصر فى اليوم التالي لمذبحة رابعة المريعة، عندما ذهب للميدان فرحا ودماء الألاف تحت قدميه وصور الجثث المتفحمة فى خلفيتة.

تمثل حالة النخبة المصرية مجالا خصبا للبحث والدراسة، وطرق القضاء عليها واستئصالها ربما تثير الكثير من العصف الذهني، للتخلص من هذه الحالة المرضية. لكن القرار فى لفظ هذه الفئة يرجع فى المقام الأول للثوار الذين ان حسموا الأمور لصالحهم بالضرورة ستتلاشي هذه الفئة.