مقالات مختارة

صلاة سياسية

1300x600
برغم كل الإنهاك الاقتصادي والاجتماعي، والحواجز والضغوط، صلَّى في المسجد الأقصى قبل يومين ربع مليون فلسطيني، رجالا ونساء، هم حراس المسجد وحماته. ربع مليون، ليس عددا قليلا، والذين لم يتمكنوا من الوصول إلى الأقصى من غزة وغيرها، أكثر من هذا العدد بكثير، وفي صلاتهم، ليس مجرد بحث عن ثواب في رمضان، إذ إنها رسالة أعمق بكثير لإسرائيل والعالم الذي يبيع للشعب الفلسطيني شعرا ونثرا. 

كيف يمكن لإسرائيل أن تهدم الأقصى أو تتقاسمه أمام هذا الحجم الهائل من الانجذاب الديني للأقصى، وهذا الرابط، ربما هذا هو السؤال الذي تطرحه إسرائيل على مستوى مراكز معينة، تريد أن تنفذ مخططها، وأن تسلم في الوقت ذاته من ردود الفعل؟!. لأجل هذا السؤال فقط، تسعى إسرائيل ليل نهار، لإنهاك السوار الاجتماعي للأقصى، عبر التضييق والسجون والضرائب، وتقطيع أوصال فلسطين إلى كانتونات، فلا مجال أمام إسرائيل سوى إتعاب الشعب الفلسطيني، اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا، ونزع أي فكرة للمقاومة ضدها، لأن هدفها النهائي أن تعيش بأمن واستقرار، وأن تتوج مخططها بإقامة هيكل سليمان، ومن دونه فإن مشروعها ناقص وغير مكتمل. 

لا تخشى إسرائيل هذه الأيام أحدا في جوارها العربي والإسلامي، فالحروب الطاحنة تحرق كل جوار فلسطين، وقضية فلسطين غائبة عن الشعوب والأنظمة، وإذا كان هناك خطر حقيقي على إسرائيل فهو داخل فلسطين المحتلة، ورغم أن إسرائيل نجحت -إلى حد ما- بتقسيم الفلسطينيين أجنحة وفصائل واتجاهات متقاتلة فوق التقسيم الجغرافي، فإن مشهد الجمعة يقول إن الأقصى فوق التقسيمات، وهو عنصر جامع، لا يمكن أن يختلف بشأنه أحد، حتى لو تبدت الكراهية او الهشاشة أو اقتتال الإخوة في تواقيت محددة. 

مشروع إسرائيل في الأساس تعرض لنكسة كبرى، تمثلت ببقاء عدد كبير من الفلسطينيين داخلها، وتوزع البقية أيضا في دول الجوار، فهي لم تتمكن من إنشاء كيان نقي وفقا لمعيارها، ومعنى الكلام أن كيانها مهدد في النهاية من الداخل قبل الخارج. 

في صلاة ربع مليون فلسطيني رسالة في توقيت العبادة ذاته، فكل محاولات التدجين والترهيب والإتعاب والإنهاك قد تنجح مؤقتا، لكنها في النهاية لن تجعل الناس بعيدين عن علاقتهم بالمسجد الأقصى، فهذا هو السوار الاجتماعي الذي يحميه، وهذا هو السوار الذي تستهدفه إسرائيل، وهو السوار ذاته الذي يخذله العرب والمسلمون، لغايات تتطابق مع غايات الاحتلال، وخدمة له جهارا نهارا. 



(نقلا عن صحيفة الدستور الأردنية)