مقالات مختارة

ما مستقبل "طالبان" و"القاعدة" بعد الملا عمر؟

1300x600
تأكد أخيرا وبشكل نهائي وفاة الملا عمر زعيم حركة طالبان الأفغانية، نهاية الأسبوع الماضي وفق البيان الرسمي الذي أعلنت فيه الحركة وفاة زعيمها بعد تضارب الكثير من الأنباء من حين لآخر بشأن وفاته أو مقتله، كما أعلنت تولي الملا أختر منصور زعامة الحركة، وبموت الملا عمر أمير المؤمنين كما يسميه أنصاره وأتباعه، ومؤسس الإمارة الإسلامية في أفغانستان التي استمرت ستة أعوام، واختفائه بعد ذلك سوى من بعض الرسائل والصوتيات، تكون الحركة قد دخلت منعطفا جديدا تجاه بقاءها واستمرار تأثيرها، وتجاه ما يتعلق بالسلام والاستقرار على أرض أفغانستان.

فوفاته تأتي بالتزامن مع بدء عملية المصالحة، بين الحكومة الأفغانية وبين "طالبان"، حيث تشكل هذه المفاوضات مرحلة مهمة ولحظة حاسمة، وهي بخلاف سائر المفاوضات السابقة التي جرت منذ 2001 حتى 2013 والتي كتب لها الفشل وعدم النجاح لأسباب مختلفة ومتفاوتة، المفاوضات هذه المرة تأتي برعاية وتنسيق أميركي وصيني على الأراضي الباكستانية المشجعة لها، وتحظى بدعم وتأييد من القيادة الأفغانية الجديدة في كابول المتمثلة بأشرف غني الذي انتهج نهجا مختلفا عن سابقه كرازاي، وترحيب بهذا التواصل من عواصم الدول الكبرى والأمم المتحدة، وكان الأهم هو دعم وتأييد الملا عمر لمحادثات السلام التي تجري بين الحركة والحكومة الأفغانية، واصفا إياها بأنها "شرعية"؛ في آخر رسالة له بمناسبة عيد الفطر، وبغض النظر عن كونه من كتب تلك الرسالة أو غيره فإن الشخصية في البيان قد بدت أقرب إلى الجناح والتيار البرغماتي من التيار المتشدد في الحركة الرافض لكل دعوات التفاوض والسلام.

إلا أن مستقبل هذه المفاوضات قد بات مهددا بالتلاشي، فحتى وإن كان الزعيم الجديد للحركة الملا أختر منصور سيختار المضي في المصالحة مع الحكومة الأفغانية، فثمة معارضة واضحة من العديد من أعضاء المجلس العسكري في الحركة لأي حوار مع الحكومة، إذ يفتقر إلى الهالة الدينية التي كان يتمتع بها الملا عمر، والأهم هو توقع المزيد من الانشقاقات داخل الحركة بعد وفاته، والتحاقهم بتنظيم داعش، إذ كان إعلان وفاته انتصارا معنويا وسياسيا لها، وفي الوقت نفسه فإن الخاسر الأكبر هو تنظيم القاعدة والظواهري الذي فقد آخر صمام أمان له في البقاء، وهو ما يطرح تساؤلات كبيرة عن وحدة الحركة في المستقبل، في ما يتعلق بالانشقاقات والتحاق الكثيرين بتنظيم داعش، فيجب أن يؤخذ في الحسبان.

أولا أن زعيم القاعدة بن لادن قد بايع الملا عمر (بيعة إمامة) في تسجيل له، وهو ما يعني أن جميع فروع تنظيم القاعدة، هي تابعة تنظيميا للملا عمر، ويمثل تنظيم القاعدة جيش الإمارة الإسلامية خارج الحدود، وهو مسؤول عن إدارة معاركها خارج حدودها، وكانت ترى أن أفرع القاعدة في العراق والشام وقبل نشوء الصراعات بينهما، قد حققت انتصارات تصب في مصلحة الإمارة، ولكن وبعد فشل جميع الوساطات؛ لإنهاء الخلاف والانشقاق هناك، التزمت "طالبان" الصمت والحياد. 

ومع مطلع 2015 تلقت الحركة أولى الصدمات، بإعلان "داعش" ولاية خراسان بعد مبايعة عدد من القيادات المنشقة عن حركة "طالبان" زعيم داعش أبا بكر البغدادي، وتشكيل مجلس شورى خراسان، وهي خطوة خطرة كونها تمنح عناصر طالبان المنشقة راية بديلة ينضوون تحتها، وكان على رأس أولئك الملا عبدالرؤوف المعتقل سابقا في "غوانتانامو"، ثم سرعان ما بدأ التنظيم يجتذب العديد من المقاتلين من داخل "الحركة" وخارجها، فشهدت الساحة الأفغانية أخيرا حالة من الصراع بين كل من حركة "طالبان"، صاحبة النفوذ التقليدي، وبين تنظيم "الدولة الإسلامية" الذي أخذ يتمدد في مناطق نفوذ "طالبان"، وهو ما أدى إلى وقوع اشتباكات مسلحة بين الطرفين في عدد من هذه المناطق، وما حصل هو نتيجة حتمية؛ فأبرز إشكالية بين الطرفين هي حقيقة أنَّ كليهما وفق أدبياته لديه زعيم يدَّعي بأنَّ له الحقَّ في أن يحمل لقب "أمير المؤمنين". 

ولكن في الواقع لا يمكن بحسب رأي هذين الطرفين أن يكون هناك سوى أمير واحد فقط للمؤمنين، وبناء على ذلك فقد كانت المواجهة بينهما حتمية ولا مفر منها، ومع ذلك فقد حاول الملا عمر احتواء الصراع، ولكن لتزايد حالة القلق العميق لدى "طالبان"، من تمدد "داعش"، بعث نائب إمارة طالبان الملا أختر منصور -تم تعيينه زعيما لطالبان خلفا للملا عمر- رسالة طويلة كانت عبارة عن تحذير بلغة مهذبة وهادئة إلى "داعش"، تضمنت مطالب متعلقة بالإمارة، وعدم إنشاء "مجموعات جهادية"، تابعة لها للعمل على الأراضي الأفغانية. 

وبعد أيام رد تنظيم داعش على الرسالة برد كان وقعه كالصاعقة، على لسان المتحدث الرسمي أبي محمد العدناني أعلن الحرب على طالبان بأنها حليفة للمخابرات الباكستانية، ودعا المجاهدين في خراسان إلى مبايعة البغدادي، ولذلك فإنه، وبعد مقتل الملا عبدالرؤوف في غارة جوية بطائرة دون طيار.

لم يتوقف تنظيم "داعش" عن التمدد في أفغانستان، بسبب قدرة التنظيم على التجنيد، وجذب المقاتلين، ولاسيما أنه يسعى إلى استغلال العديد من الظروف الحالية لإضعاف طالبان، فضغط التمدد "الداعشي" في مناطق نفوذ "طالبان" خلق تقاربا مع إيران وتكرر زيارات وفد من طالبان لطهران خلال السنوات الثلاث الماضية، إذ تشعر كل من طهران وطالبان، على حد سواء بالقلق من تداعيات الانتشار السريع لتنظيم "داعش" في أفغانستان. 

وعلى رغم محدودية تأثيره حتى الآن وفقده لقياداته، فإن "طالبان" بعد موت الملا عمر، باتت مهددة أكثر من أي وقت مضى بمزيد من الانقسام والتشرذم، وأن مستقبل المفاوضات بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان في أفضل الأحوال أصبح غير واضح، أو أن ذلك سيسهل المهمة في فرض المزيد من الاشتراطات على طالبان، ورضوخها لها.



(نقلا عن صحيفة الحياة اللندنية)