مقالات مختارة

تَنابِلة ما بعد الحَداثة!!

1300x600
لا يرحمونك ولا يريدون لرحمة الله أن تنزل عليك، واذا كان لكل زمان تنابلته فإن تنابلة هذا الزمان من طراز آخر، وقد يكونون أثرياء حروب أو سماسرة هجرات ودماء، لكنهم قرروا التقاعد والتفرغ لِتَسفيه كل ما تقع عليهم عيونهم، يسخرون ممن يستغرق في أي جهد ذهني وممن يتصبب العرق من جباههم بحثا عن الحدّ الأدنى من السِّتر، انهم كهؤلاء الذين لا يقرأون ويسخرون ممن يحمل كتابا أو صحيفة قائلين بأن الكلام بالمجان وبمعنى آخر ببلاش رغم أنهم ينفقون الكثير على الثرثرة بالهواتف، ولم يعد الكلام بالنسبة لأمثالهم بالمجان. 

تنابلة عصرنا قد يهشون الذباب عن أنوفهم بخلاف أسلافهم تنابلة السلطان، لكنهم عاجزون عن إدراك الأخطار التي تحدق بهم وتهدد ذريّتهم بالطرد من التاريخ. 

انهم تلامذة نجباء في مدرسة جُحا نفذوا تعاليمه ومواعظه وصدقوا أن الدنيا بألف خير مادام الشّر خارج غرف نومهم، لكنهم على موعد مع اكتشاف قد يصيبهم بالانهيار وهو أن غرف النوم هي أحيانا صندوق باندورا الإغريقي المليء بالشرور وأن من لا يبالي بموت الآخرين سيموت وحيدا ككلب ضال ومن لا يبالي بفقر الأخرين قد ينتهي متسولا على رصيف أو عند باب مسجد، فالأيام كما شاهدها شاعرنا الحكيم دول، ومن سَرّه زمن ساءته أزمان، لكن ماذا نفعل بهذه اللغة التي جعلت المرادف للدولة هو الزّوال، والمرادف للعقل هو الاعتقال؟ 

تنابلة الألفية الثالثة لا يعرفون فقط من أين تؤكل الأكتاف بل يعرفون حدّ الإتقان كيف ينحنون بحيث تلامس رؤوسهم الأقدام. ولمن يقولون لنا بين وقت وآخر بل بين مذبحة وأخرى انظروا إلى النصف الممتلئ من الزجاجة نقول.. رأيناه ووجدناه ممتلئا بالدم والدمع وليس بالماء! تنابلة عصرنا استمرأوا مذاق الدم ولم يدركوا إلا بعد فوات الأوان أنهم كالقط الذي لحس المبرد! 



(نقلا عن صحيفة الدستور الأردنية)