صحافة دولية

هافنغتون بوست: نفوذ متزايد لسفير الإمارات في واشنطن

هافنغتون بوست: صعود تأثير العتيبة يعكس تأثير الربيع العربي على العلاقات بين أمريكا وحلفائها - أ ف ب
نشر موقع "هافينغتون بوست" تقريرا أعده كل من ريان غريم وأكبر شهيد أحمد، عن الدور المتزايد الذي بات يؤديه السفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة. مشيرا إلى أنه أصبح من أقوى الأصوات، بشكل يذكر بالدور الذي أداه السفير السعودي السابق الأمير بندر بن سلطان، وعلى مدار عقود من الزمان، في التأثير على الإدارات الأمريكية، خاصة في الشؤون المتعلقة بالشرق الأوسط.

ويشير الكاتبان إلى لقاء دعا إليه مجلس سياسات الدفاع، الذي يضم مجموعة صغيرة من الخبراء والدبلوماسيين، منهم مستشار الأمن القومي السابق زبنيجو بريفنجسكي، ووزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت، وسفير واشنطن السابق في بغداد ريان كروكر. وتباحث المجتمعون في اللقاء حول السبل التي يجب فيها مواجهة تنظيم الدولة، والتطورات المتتالية التي يعيشها الشرق الأوسط منذ عام 2010. 

ويذكر التقرير أن المجتمعين انقسموا بين الداعين إلى تسليح المعارضة السورية، وبين الملتزمين بموقف باراك أوباما، وهو أن لا حل عسكريا للأزمة. لافتا إلى أنه كان من بين الحاضرين اثنان من الأجانب، وهما السفير البريطاني والإماراتي يوسف العتيبة، الذي كان متشددا في موقفه، ودعا إلى سحق رئيس النظام السوري، ومسحه عن وجه الأرض. مبينا أن السفير الأصلع البالغ من العمر 40 عاما والواثق من نفسه، يرى أن سياسة التردد جرأت تنظيم الدولة والجماعات المتطرفة. 

ويبين الموقع أن العتيبة عبر عن استعداد بلاده لمساعدة الولايات المتحدة. ففي لقاء منفصل مع المسؤولة البارزة في وزارة الخارجية ويندي شيرمان، قال لها: "مقاتلاتنا الـ(إف-16) جاهزة، أخبرينا عن الوقت الذي تكونون فيه بحاجة لها"، وذلك بحسب أحد الحاضرين للاجتماع.

ويوضح الكاتبان أنه بعد أيام من اجتماع البنتاغون، قادت الطيارة الإماراتية مريم المنصوري هجوما ضد تنظيم الدولة، وانتشرت صورتها في كل مكان. وكانت "خبطة" علاقات عامة، حيث قال مقدم برنامج "هذا الصباح مع جوي" جوي سكاربرا: "مدهش"، وهو يتحدث لضيفه العتيبة، الذي أكد هوية الطيارة، وقال: "لا تستطيعون عمل هذا دوننا، ولا يمكننا فعل هذا دونكم"، فرد جوي: "احب هذا، أحب هذا".

ويقول التقرير إن العتيبة حقق تأثيرا كبيرا في غضون سنوات، حيث يشاهد وهو يتناول الطعام مع المسؤولين والإعلاميين ونواب الكونغرس في فندق "فور سيزونز" في جورج تاون. ووصفه أحد مساعدي البيت الأبيض السابق بأنه "يتميز بدهاء لا مثيل له". 

وينقل الموقع عن النائب الجمهوري ورئيس لجنة الاستخبارات في الكونغرس ريتشارد بير، قوله عن العتيبة إنه "يعرف كيف تعمل واشنطن، وكيف تعمل الكابيتال هيل، وهو ما لا تعرفه الكثير من الدول، ويعرف الدينامية، وكيف يفكر الأعداء ضد بعضهم البعض". 

ويقول الكاتبان إن البعض يقارنه بالأمير بندر بن سلطان، الذي بنى علاقات وثيقة بين النخب الخليجية الحاكمة والمسؤولين الأمريكيين. ويرد العتيبة على المقارنة بطريقة دفاعية، ويرى أنه أكد أسلوبه الخاص، فعلى خلاف بندر المعروف ببراعته، يتميز العتيبة بالهدوء، كما علق أحدهم.

ويجد التقرير أن صعود تأثير العتيبة في واشنطن يعكس الطريقة التي أثر فيها الربيع العربي على العلاقات التقليدية بين أمريكا وحلفائها في الشرق الأوسط، مشيرا إلى أن تأثير مصر والسعودية قد تراجع، وقد صعد تنظيم الدولة عدوا جديدا، فيما خرجت إيران، عدو أمريكا التقليدي، من الحصار المفروض عليها.

ويلفت الموقع إلى أنه وسط هذه التغيرات التاريخية، أصبحت الإمارات وممثلها في واشنطن حليفا مهما للولايات المتحدة في المنطقة، وتمارس تأثيرا مهما على السياسة الخارجية الأمريكية.

ولاحظ مايكل بيتروزيلو، الذي مثل الدبلوماسي السعودي عادل الجبير قبل أن يصبح وزيرا للخارجية، أن العتيبة لا يتناسب مع المفهوم التقليدي للدبلوماسية، الذي يرى أن العمل يتم من خلال التعاون مع عدد من الأشخاص المهمين في واشنطن. وهو يرى أن هذا لا يكفي. ويقول: "أنت بحاجة إلى الدخول في الحملات العامة، وهذا يعني الإعلام والتبرعات والكونغرس والبيت الابيض"، بحسب الموقع.

وينوه الكاتبان إلى الدور الإماراتي المتزايد المرتبط بالجدل في منتصف عام 2000، الذي ثار حول خطط الإمارات، أو مصلحة الموانئ في دبي لشراء وإدارة موانئ أمريكية، ورد فعل الكونغرس على الخطوات، حيث وصفت دولة الإمارات في "فوكس نيوز" بالدولة الراعية للإرهاب. وذكرت الشبكة اسمها 70 مرة في غضون شهرين، ونتيجة للضغط الإعلامي وتدخل الكونغرس، قررت دبي التراجع عن الصفقة. وتعاملت دولة الإمارات مع ما جرى بأنه أزمة حقيقية، وكاتت تحتاج إلى شخص مثل العتيبة. 

ويفيد التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، بأن العتيبة ينتمي إلى عائلة معروفة، ووالده كان وزيرا للنفط، وهو واحد من 12 ولدا أنجبهم والده من أربع زوجات، ووالدة يوسف مصرية، حيث درس في الكلية الأمريكية في القاهرة، وتعرف هناك على السفير الأمريكي فرانك ويزنر، الذي يتذكر أن يوسف كان يحضر نفسه للمستقبل. وبعد ذلك درس في جورج تاون وجامعة الدفاع الأمريكية، وهو ما عرفه على الطريقة التي تعمل فيها أمريكا، وجعل كل من يقابله ينسى أنه غير أمريكي. ووصفته برقية سربها موقع "ويكيليكس" بأنه "يتصرف كأنه أمريكي"، ويعرف الحياة السياسية والثقافية الأمريكية. 

ويضيف الموقع أنه في عام 2000 أصبح العتيبة مديرا للشؤون الدولية لولي العهد الشيخ محمد بن زايد. ويعرف ابن زايد في أمريكا باسمه المختصر "إم بي زيد"، وكونه مقربا من ولي العهد أصبح العتيبة نقطة الاتصال للمجتمع العسكري والأمني الأمريكي، خاصة أن ابن زايد يشرف على شؤون الدفاع وصفقات الأسلحة مع واشنطن.

ويبين الكاتبان أن قائد القيادة المركزية أنطوني زيني، كان من الذين تعاملوا مع العتيبة بشكل مقرب. وبعد فضيحة الموانئ الأمريكية قرر العتيبة تعزيز التعاون العسكري بين بلاده والولايات المتحدة. وأدى دورا في إقناع دول المنطقة لدعم خطط جورج دبليو بوش؛ لدعم خطته لزيادة أعداد الجنود الأمريكيين في العراق عام 2007. فقد ساهم في إقناع دول الخليج بدعم الجانب السياسي لزيادة الجنود، وهي الصحوات العراقية، موضحين أن الإستراتيجية الأمريكية لم تكن لتنجح دون الدعم الخليجي. ويقول بير من لجنة الاستخبارات: "لم يكن ناشطا فقط من أجل الإمارات، ولكن من أجل دول الخليج الأخرى".

ويذكر التقرير أنه عندما عُين العتيبة سفيرا للإمارات في واشنطن عام 2008، عُينت حال وصوله واحدة من مسؤولي طاقم بوش، وتدعى آمي ليتل توماس، التي أصبحت مديرة البروتوكول في سفارة الإمارات في واشنطن "وفتحت كل باب يريد دخوله، وكان الرجل في كل مكان"، ولم يحتج إلى وقت طويل حتى بدأ الناس يلاحظون وجوده.

ويكشف الموقع عن أن وصول العتيبة إلى واشنطن تزامن مع استعداد الإمارات لضخ كميات مالية خيالية؛ لتصحيح صورتها في الولايات المتحدة. مشيرا إلى أنها تنفق اليوم على اللوبي أكثر من أي دولة أجنبية (14.2 مليون دولار عام 2013)، هذا بالإضافة إلى مئات الملايين من الدولارات التي تتبرع بها الإمارات. فقد تبرعت لمؤسسة كلينتون بـ 3 ملايين دولار، واستثمرت مليارات الدولارات في أمريكا. وهو ما دعا العتيبة إلى التعليق بالقول: "الولايات المتحدة مستفيدة من عوائد نفطنا".

ويذهب الكاتبان إلى أنه منذ وصول العتيبة إلى واشنطن، فقد تبرعت الإمارات لعدد من مراكز البحث، بينها "مركز التقدم الأمريكي" و"معهد أسبين" و"معهد شرق غرب" و"مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية". وفي هذا العام تشارك معهد إماراتي مع السفارة السعودية لإنشاء "معهد دول الخليج العربية".

وبحسب التقرير، فقد بدا العتيبة في أعوامه الأولى في واشنطن دي سي، مثل ولي العهد الإماراتي، مدفوعا بعاملين؛ وهما السخط من الإسلام السياسي، خاصة الإخوان المسلمين، والموقف المتشدد من إيران.

ويقول الموقع إن العتيبة عندما ينفق لا يكتفي بالقليل، بل إنه اشتهر بإقامة الحفلات الباذخة التي يدعو إليها فنانين مثل بيونسي وأليشا كي، وهو مستعد لتقديم الدعم دون شروط، ففي ربيع 2014، شارك في استضافة حفلة للأطفال مع بريت باير من "فوكس نيوز" في فندق ريتز كارلتون. 

ويذكر الكاتبان أن شبكة "فوكس نيوز" هي التي قادت الحملة ضد خطط دبي موانئ دبي في أمريكا. وكان باير، الذي احتاج ابنه لعملية قلب مفتوح وهو صغير، قد كرس نفسه لجمع الأموال لصالح نظام الصحة الوطني للأطفال. وفي عام 2009 تبرعت الإمارات بمبلغ كبير لمستشفى الأطفال في واشنطن (150 مليون دولار). يذكر أن مستشارة الأمن القومي سوزان رايس حضرت الحفلة في كارلتون، بالإضافة إلى رام إيمانويل، وزعيم الغالبية الجمهورية إريك كانتور. وجمعت الحفلة أكثر من 10 ملايين دولار. 

ويورد التقرير أن سيدة مجتمع ترى أن تبرعات الأثرياء للمؤسسات الصحية، عادة ما تتم بعد إصابة أحد أفراد عائلاتهم ومعالجتهم في مؤسسة من المؤسسات، أما الدافع الآخر فهو أن مناسبات كبيرة كتلك التي أقيمت في كارلتون، يحضرها كبار المسؤولين، وهي فرصة لإتمام أمر يحتاجه الشخص لا يمكنه إنجازة في الوقت العادي. 

ويلفت الموقع إلى أن العتيبة يدعو المسؤولين والنواب لتناول الطعام في السفارة الإماراتية في شارع "فان نيس"، أو في قصره في فرجينيا بانك على نهر بوتاميك، مبينا أن من لا يتناول الطعام في بيته يدعى للمناسبات التي تعقد في الإمارات، مثل سباق السيارات، حيث يتم نقلهم بطائرة خاصة، ويقيمون في فندق  "إمارات بلاس"، وعادة ما يأتي المدعوون بانطباع إيجابي، ويقول أحدهم: "لديهم حرية إعلامية، والقاعدة الوحيدة هي ألا تنتقد العائلة الحاكمة"، ويضيف: "لماذا تريد انتقاده، فقد قابلت السلطان، أو من يطلقون عليه ولي الأمر، ووجدته رجلا عظيما".

ويرى الكاتبان أن خلف هذه الحفلات والدعوات كلها أمرا مهما، وهو مواجهة الربيع العربي، الذي أحدث شقا بين دول الخليج، فقد دعمت قطر وقناتها "الجزيرة" الثورات العربية، فيما قادت السعودية والإمارات ثورة مضادة. وتعامل العتيبة مع صعود الإخوان المسلمين في مصر على أنه تهديد كبير على الإمارات وازدهارها، ويتذكر فرانك ويزنر، الذي كلف بمتابعة المفاوضات لخروج حسني مبارك من السلطة، بأن العتيبة كان متشككا من الربيع العربي، ويقول: "قال يوسف إن على الولايات المتحدة أن تتأنى في تفسير الاحداث، وتعدها في صالح حقوق الإنسان". وأضاف: "فعندما تزيل الأيدي القوية في مصر وتونس وسوريا، تخرج الكثير من الأشياء، بما فيها الإخوان المسلمين، الذين ليس لديهم وقت للحكام التقليديين في الخليج". 

ويختم "هافينغتون بوست" تقريره بالإشارة إلى أنه بعد وصول الإخوان إلى السلطة في مصر، ملأ العتيبة بريد مستشار البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط فيل غوردون بالرسائل التي تهاجم الإخوان وداعمتهم قطر. وبعد الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي، وقرار الولايات المتحدة تعليق تسليم أسلحة لمصر، ضغط العتيبة على الإدارة الأمريكية لتسليم الأسلحة لنظام عبد الفتاح السيسي، لدرجة صار يعرف بـ "سفير السيسي"، بحسب أكثر من مصدر نقل عنه الكاتبان. ووجد العتيبة نفسه على الجانب ذاته مع أيباك، وهو اللوبي الإسرائيلي المؤثر في أمريكا.