قضايا وآراء

هل تكون مأساة المهاجرين السوريين فرصة لاستعادة زمام أمورنا؟

1300x600
الطبيعة لا تقبل الفراغ؛ هذه المقولة الأرسطية المعروفة، تفسر لنا كثيرا مما يمر به عالمنا العربي والإسلامي؛ ومنه مأساة إخواننا اللاجئين السوريين، ومن قبل العراقيين الذين خبا ذكرهم في غمرة الموجة السورية الرهيبة. فالغرب على تنوع أهدافه المشتركة والخاصة بكل بلد أو جهة ماض  في ملأ الفراغ الذي تتيحه له الأحداث وأعراضها ونتائجها (حالة اللجوء هنا).

لكن ما الذي ينقص العالمين العربي والإسلامي من حيث الإمكانات كي تكون له مبادرة للتصدى للمشكلة الإنسانية الموجعة لكل من أوتي قلبا ولو حجرا؛ لأن من لم تحركه مأساة شعب كريم كان ملاذا للأمة في أحوال الرخاء و الشدة لا قلب له، بل هو كائن يصعب تصنيفه ضمن الكائنات المعروفة.
إن المواقف العربية خاصة الرسمية منها تؤكد لنا مرة أخرى قصر نظرها، وعبثيتها ولا مبالاتها إزاء توالى الضربات المتوالية بلدا بعد بلد.

أما كان في الوسع استثمار هذه الطاقة الهائلة من الإخوة السوريين في بلدانهم المفترض أن تكون الثانية. وتنشأ لهذا الغرض منظمة عربية غوثية على جناح السرعة، توضع لها القوانين اللازمة لعملها الإنساني والأخوي، وتخصص لها الإمكانات المادية الضرورية لاحتضان الإخوة، وحفظ كرامة شعب تجهمت له الظروف القاسية.

ثم تكون هذه البادرة الواجبة ، خطوة على طريق التكفل بأوضاع اللاجئين العرب الذين دفعت بهم ظروف بلدانهم للجوء والهرب من الحروب والمآسى .

وتكون كذلك هذه البادرة أيضا إحتواء وإمتدادا للجهود التي أدتها دول الجوار لسوريا (الأردن ولبنان ) مع الجارة الإسلامية (تركيا) التي مكنتها أحوالها الاقتصادية الجيدة من أداء واجب التكافل الأخوي، فتصير أوضاع اللاجئين فيهما ضمن المخطط العربي لللاجئين .

قد يرى بعض المعترضين أن دولنا العربية لم ترق لمستوى المعايير الدولية للتعامل المناسب مع هذا الوضع المأساوي. كما أن حقوق الإنسان في أغلبها ليست على ما يرام . وأن أوضاع كثير منها من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية خصوصا لا تساعدها على أداء المهمة الأخوية. كما أن لبعضها تحفظات تتعلق بأمنها الداخلي لتشابك المأساة السورية.

وهي ملاحظات وإعتراضات ملحوظة بالطبع، وبعضها واقعي كذلك وحقيقي، لكن أليست النوازل ما يدفع للتفكير في إبداع الحلول، ومعالجة المشكلات ؟ ولما لا تكون هذه المأساة فرصة للعرب كي يبادروا إلى استرجاع ما فقدوه من شعور بالأخوة، وأن الرابطة الإنسانية والأخوية على مستوى الشعوب تعلو على كل الحسابات؟

ألا يمكن أن تكون هذه الناحية الإنسانية الخطيرة جدا مدخلا للعالم العربي كي يسترجع بعضا من زمام مشكلاته الكبرى التي تنذر كيانته وأنظمته في الاستمرار والوجود، فإن حقق فيها نتائج إيجابية، أعادت له الثقة في نفسه، وإمكاناته السياسية خصوصا كي يتابع مسار الاستنقاذ، والحفاظ على ما يمكن الحفاظ عليه في مستوى الدول، وإنتظار ما يمكن فعله بعدئذ حسب التطورات، والمواقف الدولية والإقليمية.

فكل الأهوال التي تهز المنطقة تؤكد حقيقتين هما: اللعبة الدولية الكبرى بالمنطقة؛ باستعمال كل الأوراق والأدوات على نحو يكاد يشل العقول على التفكير والقدرة على فهم حقيقة ما يجري، وها هي ورقة اللاجئين بموجتها الهادرة تأتى في عنفوان المأساة حاملة معها إجابات ممكنة على السؤال المركزي: ما الذي يراد بالضبط بالمنطقة العربية؟ قد يكون منها: محاولة التقليل من حمولة الإنسان العربي في دول المحيط الفلسطيني تحديدا، وواضح جدا علاقة هذا العامل بالصراع الديمغرافي مع الكيان الصهيوني، الأمر الذي يسبب له قلة شعور بالأمن دوما.

الحقيقة الثانية: مستوى التهيؤ الداخلي للوضع الحضاري للعالم العربي تحديدا في الجانب السياسي، كي يتداعى بهذه السرعة الهائلة. 

لكننا تعلمنا من ديننا أن الأمل لن ينقطع ما دامت عناصر الخير حية في الأمة، وخاصة في شعوبها؛ فلا غرابة في هذه الدعوة التي يحملها المقال: استعادة مبادرة أولية للتحكم في الوضع، بالاستفادة من الدروس القاسية جدا التي عاشتها المنطقة منذ حرب الخليج الثانية.