بورتريه

مدني مزراق.. تائب لا يعتذر عن قتل جنود جزائريين (بورتريه)

مزراق: مستعد للمثول أمام أي محكمة - عربي21
أثارت خططه دخول حلبة السياسة المخاوف من عدم الاستقرار في الجزائر، بعد أكثر من عقدين من إحباط الجيش لانتصار الإسلاميين في الانتخابات البلدية والتشريعية.

فهو لجأ إلى الجبال في سنوات التسعينيات لقتال الجيش قبل أن يسلم سلاحه في اتفاق على هدنة.

ذكريات الحرب الضارية في تسعينيات القرن الماضي التي قتل فيها قرابة 200 ألف شخص لا تزال تخيم بظلالها على الجزائر مثل الأشباح.

ولا يتفق الاتجاه الإسلامي في البلاد مع المخاوف التي تطلقها الدولة الجزائرية من أن يعيد تأسيس حزب سياسي إسلامي البلاد إلى سنوات الحرب الأهلية الدامية، فهم يعلنون احترامهم للدولة ولجميع مؤسساتها.

وكانت الدولة الجزائرية قد استبعدت معظم المقاتلين الإسلاميين السابقين وأعضاء "الجيش الإسلامي للإنقاذ" من الحياة السياسية، لكنهم يستأنفون في بعض الأحيان نشاطهم من المنفى في أوروبا لتفادي الدولة الجزائرية.

وفي نظام سياسي لا تزال تهيمن عليه نخبة "جبهة التحرير الوطني"، يقول المنتقدون إن أحزاب المعارضة غالبا ما تكون ضعيفة أو حتى متعاونة أو متحالفة في هدوء مع الحكومة.

يواصل التأكيد على أنه ابن الجزائر وليس أي مكان آخر، يقول: "لم أتكون في فرنسا أو بلاد الصهيون، تكونت في بلدي الجزائر على يد جزائريين شرفاء، نحن لم نأت من أفغانستان ولا من إيران ولا من أمريكا ولا من روسيا، نحن نبتنا في الجزائر".

ولد مزراق نور الدين المعروف إعلاميا بمدني مزراق عام 1960، بولاية جيجل شرق الجزائر، وتنتمي أسرته إلى قبيلة بني خطاب.

درس الابتدائية والإعدادية بجيجل، وانتقل إلى معهد الكندي الثانوي وتخرج فيه نهاية سبعينيات القرن الماضي.

لم يكن شغوفا بطلب العلم الأكاديمي، فهو ولد لأب يعمل في التجارة وعاش طفولة رغدة، وفقا لوصفه.. يقول: "كنت مدللا عند أهلي وعندما وصلت إلى القسم النهائي كنت أفكر كيف أشق طريقي الذي اخترته وأحتسبه لله عز وجل، كنت في ذلك الوقت شغوفا بالرياضات القتالية، كنت أمارسها وقررت الانتقال إلى العاصمة بغية ممارسة بعض الرياضات ثم أنظر ماذا أفعل".

عمل مدني مرزاق في تجارة المكسرات بين تونس والجزائر وليبيا، ودخل السجن في ليبيا فترة قصيرة وعاد منها عام 1983 إلى الجزائر.

التحق بالتنظيم السري لـ"حركة النهضة" بزعامة الشيخ عبد الله جاب الله عام 1987 وفي عام 1991 تركه والتحق بـ"الجبهة الإسلامية للإنقاذ" وعين عضوا في مجلسها الاستشاري بمدينة جيجل.

شارك في الإضراب الذي دعت إليه الجبهة احتجاجا على التقسيم الإداري للدوائر في 25 أيار/ مايو عام 1991، ودام إضرابه عشرين يوما، اعتقل في شباط/ فبراير 1992 وسجن بجيجل قبل أن ينقل إلى الجزائر العاصمة ويحكم عليه بالسجن عاما نافذا..

لم يقض من مدته سوى سبعة أشهر، إذ إنه مرض ونقل إلى المستشفى ومنه هرب والتحق بالجبل في أيار/ مايو 1992، وانضم إلى التنظيمات المسلحة الأولى التي تشكلت باسم "الجبهة الإسلامية للإنقاذ"، إثر إلغاء الحكومة نتائج الانتخابات التشريعية التي فازت بدورتها الأولى، التي فازت بها "الجبهة الإسلامية للإنقاذ". وتم تأسيس "الجيش الإسلامي للإنقاذ" بعد ذلك بعام.

في كانون الثاني/ يناير 1995، أصبح أمير "الجيش الإسلامي" بفصيليه الشرقي والغربي، وكان يوقع بياناته العسكرية والسياسية باسم "أبي الهيثم"، ليدخل بعدها في مفاوضات مع الجيش الجزائري عام 1995، انتهت عام 1997 بنزوله من الجبل.

 وعقد معه ما عرف باتفاق الهدنة، الذي أسفر عن نزول أربعة آلاف عنصر من "الجيش الإسلامي للإنقاذ" الذي كان يتزعمه، واستفادوا جميعا من عفو رئاسي أصدره عبد العزيز بوتفليقة مطلع عام 2000.

بعد ثورات الربيع العربي، وفي شباط/ فبراير 2011، بعث مزراق برسالة إلى بوتفليقة يدعوه فيها إلى القيام "بإصلاح دستوري وإصلاح سياسي أعمق"، وتحميله مسؤولية ما سيقع في الجزائر نتيجة غياب الإصلاح.

دعا أنصاره إلى عدم الاستجابة لدعوات التحريض على التظاهر والخروج إلى الشارع في الانتخابات الرئاسية التي جرت عام 2014 وفاز فيها بوتفليقة.

وسيعود بعد قليل ليعلن أنه سيتقدم بطلب لتأسيس حزب سياسي جديد بهدف المشاركة في الانتخابات التشريعية لعام 2017.

وأوضح مزراق، الذي رصدت مكافأة للقبض عليه أو قتله في التسعينيات قبل أن يصدر عفو عنه، أن "الجيش الإسلامي للإنقاذ" قرر التحول إلى حركة سياسية مفتوحة لجميع الجزائريين.

وأضاف أن الحزب الجديد "الجبهة الجزائرية للمصالحة والإنقاذ" سيودع ملف ترخيص لدى وزارة الداخلية وسينظم مؤتمره التأسيسي ويدعو إليه القادة السابقين لـ"الجبهة الإسلامية للإنقاذ".

وأثار إعلان مزراق العزم على تأسيس حزب جديد جدلا في الأوساط السياسية بالجزائر، وقال وزير الداخلية نور الدين بدوي إن قوانين الجمهورية ستطبق "بدقة". ونقلت عنه وكالة الأنباء الجزائرية الحكومية قوله إن "وزارة الداخلية لا تبني ردودها على مجرد نوايا، هناك قوانين تطبق".

وبموجب "ميثاق السلم والمصالحة الوطنية" فإنه لا يمكن لمزراق ممارسة السياسة، ويمنع هذا الميثاق ممارسة السياسة "تحت أي شكل من الأشكال على كل شخص مسؤول عن توظيف الدين الذي أدى إلى المأساة الوطنية"، في إشارة إلى الفترة التي أطلق عليها "العشرية السوداء" بالجزائر.

لكن الميثاق يضيف أنه بإمكان رئيس الجمهورية اتخاذ أي إجراء آخر بهذا الشأن، وسيتعين تعديل القانون ليكون ممكنا لمزراق تأسيس حزبه.

ورغم أن الحكومة الجزائرية غير متحمسة لهذا الطلب عبر تصريحات أكدت استحالة قبوله، فإن مزراق يواصل مشاورات تأسيس حزبه، موضحا أنه يعكف الآن على وضع هيكل للحزب واختيار قياداته وإعداد الملف الخاص به تمهيدا للتقدم للسلطات بطلب إشهاره. 

وشدد على أنه لن يستسلم في حال رفض السلطات اعتماد الحزب بناء على نصوص قانون المصالحة التي تمنع عودة "الإنقاذيين" للمشهد السياسي، وأكد أنه "سيعمل حينذاك بكل جهد لتصحيح هذه النصوص عبر اللجوء للقضاء والمجلس الدستوري ولرئيس الجمهورية وللضغط الشعبي أيضا". 

وقال: "لقد صدر بحقنا مرسوم عفو رئاسي بداية عام 2000.. وهو ينص صراحة على تمتع من قام بقرار إرادي وتلقائي بترك السلاح وإنهاء أعمال العنف بكامل الحقوق المدنية".

ولكن الرئيس بوتفليقة لا يتفق مع ذلك فهو أوضح في رسالة إلى الجزائريين، بمناسبة الذكرى العاشرة لتزكية "ميثاق السلم والمصالحة" في استفتاء أجري في أيلول/ سبتمبر من عام 2005، أنه يرفض عودة الشخصيات المحظورة إلى العمل السياسي. 

وتنص المادة 26 من الميثاق على أنه "تمنع ممارسة النشاط السياسي، بأي شكل من الأشكال، على كل شخص مسؤول عن الاستعمال المغرض للدين، الذي أفضى إلى المأساة الوطنية". 

ويرى مزراق أن "المشرع قام عن قصد خبيث بصياغة المادة 26 من قانون المصالحة بطريقة غامضة وفضفاضة ليجعل منها سيفا يشهره في وجه أبناء الجبهة". 

وحول الرفض الاجتماعي الذي تواجهه الجبهة وما يترتب عليه من رفض لعودة أعضائها وقياداتها للمشهد السياسي، أجاب مزراق بأن "الجبهة فازت عام 1991 بأغلبية ساحقة في ثلاثة استحقاقات، هي البلدية والولايات والبرلمان، وبعد ذلك حلت ومنعت من المشاركة السياسية، ولم يسمح لها بالرجوع مجددا، فكيف يتم إذن قياس مدى شعبيتها؟". 

 ويشدد مزراق على أن "الانتخابات هي الطريق الوحيد والمحك لقياس الشعبية ولنعرف جميعا هل لا يزال الجزائريون مؤيدين وأوفياء لجبهة الإنقاذ أم إنهم رفضوها وألقوا بها لمزبلة التاريخ وانتهى أمرها". 

يرفض التعليق على معارضين له يتهمونه بأنه "صنيعة أجهزة الأمن أو بعدم التمتع بالشعبية التي تؤهله لتأسيس حزب"، مكتفيا بالقول: "هذا هراء لا أقبل التعليق عليه". 

كانت مثيرة تلك الصورة التي بثها تلفزيون الجزائر العام الماضي، خلال لقاء رئيس ديوان الرئاسة وزير الدولة أحمد أويحيى الذي يوصف في الجزائر بأنه "الرجل الأكثر عداوة للإسلاميين"، بالقائد السابق للجناح العسكري لـ"الجبهة الإسلامية للإنقاذ" المحظورة.

ووصفت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية مدني مزراق بأنه استقبل كشخصية وطنية. 

مزراق اعترف في تصريحات صحفية لقناة "العربية"، في تموز/ يوليو الماضي، بأنه "قتل جنودا جزائريين، وليس نادما على ما فعل، لأنه كان ضحية وفي وضعية دفاع عن النفس". وقال: "لست تائبا لأحد، وإنما تائب لله فقط".

له تفسيره الخاص بخصوص "ميثاق السلم والمصالحة"؛ فهو يرى أنه لا يشمل عناصر الجيش الإسلامي للإنقاذ، وبخصوص علاقته مع علي بن حاج وما يتردد عن صراع بين الرجلين، يقول إنه "كذب، ولا يوجد سوى تنافس بينهما"، وأضاف أنه يتوافق معه في أمور كثيرة، لكنه يختلف معه في أساليب التغيير.

وقال مزراق، إنه "طرف كبير في الأزمة، وإنه جزء من الحل، وهناك كثيرون لا يفهمون هذه القيمة".

مزراق يقول إن عودته إلى الساحة السياسية كانت بناء على اتفاق مع قيادة الجيش الجزائري، وإن التنظيم الذي كان يقوده لم يرتكب أي مجزرة، ولم يعتدِ على الآمنين، لكنه يقر بأنه قتل من كان حريصا على قتله، على حد قوله، مرددا: "أنا مظلوم وضحية، ولست قاتلا. أنا داعية في سبيل الله".

ويؤكد أنه مستعد للمثول أمام أي محكمة، وفي أي مكان، وفي أي دولة.

وقال إن "السلطة الجزائرية هي سلطتي وولية أمري، وهدفنا إقامة دولة جزائرية مستقلة وديمقراطية في إطار مبادئ إسلامية".

وبين تفسيره للمصالحة وتفسير الدولة الجزائرية التي طوت "الإسلاميين"، قد يجد مزراق نفسه في وضع لا يحسد عليه، فالخيارات تبدو أمامه: إما الصدام أو القبول بالأمر الواقع.