مدونات

المستنقع

أحمد القاعود
لم تكن الإسكندرية وحدها التي تغرق في مياه الأمطار والصرف الصحي، وإنما كانت مصر كلها تغرق في مستنقع الرجعية والمعاداة للإنسانية في وقت كان الشعب فيه مشغولا بانتخابات صورية لم تسجل حضورا يمنحها شرعية من أي مستوى، وأثناء موت المواطنين صعقا، كان هناك من يتندر على حال المدينة، عندما كان الإخواني حسن البرنس نائبا لمحافظها وقائما على حل مشاكلها.

وفي خضم الجدل حول بالوعات الصرف الصحي التي خرجت من الخدمة بعد جرعة مقبولة من مطر خفيف تتعرض له أي منطقة في العالم، كانت هناك بالوعة الكراهية تستعر جحيما، فيصدر قائد الانقلاب قوانين معادية للإنسانية تبيح تعذيب السجناء وحرمانهم مما تبقي من إنسانيتهم المسلوبة فى عهد الحكم العسكري، وكانت جحافل الأمن تطرق أبواب الصحفيين لتختطف 5 منهم خلال الأيام القليلة الماضية فقط.

انشغل الجميع بإقالة أو استقالة محافظ الإسكندرية " أبوتاتو" أو "جاذب الستات" بينما مرت جرائم في صورة قوانين تكرس لمزيد من إهدار الكرامة والحق والعيش الكريم لأمة منكوبة بالحكم العسكري، فالتعديلات التي جاءت متواكبة مع انتخابات برلمانية، لم يشأ قائد الانقلاب انتظار تمريرها في برلمانه وإنما أصدرها استباقيا، لتحقيق رغبات مكبوتة في الحقد على المصريين وكراهيتهم. لم تتحدث المنظمات الحقوقية عن الجريمة القانونية ولم يتداول الإعلام مستقبل الإنسان، الأسود، في جمهورية الحكم العسكري.

وبعيدا عن نظريات المؤامرة، فالنظام الأمني الحاكم في مصر، يكون أول السعداء بشغل الناس مؤيدين أو معارضين بقضايا سطحية أو بحوادث عرضية يمرر خلالها جرائم ضد الإنسانية، فليس أفضل من قتل مصريين أبرياء برصاص الشرطة وخطف خمسة صحفيين وتمرير قوانين كريهة، سوى في وقت الحديث عن غرق الإسكندرية.

وليس أفضل من المشاركة في جرائم إبادة بحق الفلسطينيين في قطاع غزة أو في سوريا المحتلة إلا مع إلهاء الناس بقضية حسن مالك وتحكمه في اقتصاد دولة وغيرها من الأحداث الأخرى، التي يشغل النظام الرأي العام بها بينما لا ينشغل هو ثانية واحدة عن حماية المصالح الصهيونية في الدولة والإقليم.

تزادد الصورة قتامة في مصر مع فشل الخطوة الثالثة والأخيرة من خريطة الطريق التي فرضتها إسرائيل عبرر وكلائها بعد الانقلاب العسكري، فبرلمان جديد فاقد للشرعية الشعبية وأجري في ظروف مشبوهة وتتوالى أحكام بطلان انتخابات الدوائر فيه، الواحدة تلو الأخرى، لن يعمر طويلا، ومحكوم بموته سواء طالت المدة أو قصرت. وربما كانت غياب الشرعية عن برلمان يقلص من صلاحيات مغتصب منصب الرئيس هي ما تمناه وزيادة، لتهديد هذا المجلس إذا ما شذ يوما عن المرسوم له.

سيكون محكوما على هذا البرلمان غير الشرعي أن يؤيد كل قرارات قائد الانقلاب والتصديق عليها، وسيغيب عنه دور الرقابة والمحاسبة، وسيشرع قوانين جاهزة ومعلبة تأتي مباشرة من غرف الأمن. سينفق عليه المليارات كما أنفقت على عملية انتخاباته الفاسدة، وسيحرم الشعب المصري من فرصة فى تحسين ظروفه المعيشية.

سيسعي السيسي لتعديل الدستور بحجة أن المصريين رفضوا أن يشاركه برلمان في سلطاته، وسيتم تكريس جمهورية كوريا الشمالية على الأرض المصرية، ستطلق مدد الترشح للرئاسة بلا نهاية للقائد الضرورة، وسيتم تجريد وزير الدفاع من المادة الاستثنائية التي تتيح له البقاء لست سنوات أخرى من الآن، وستجمع السلطات، الشكلية، في يد واحد ليتم تقنين الديكتاتورية والاستبداد على الورق، كما هي فى الأمر الواقع.

وفي ظل هذا السباق المحموم نحو نزع مصر من إنسانيتها وإدخالها في طريق رجعي متوحش، تتهاوي كافة مرافق الدولة بدء من الصرف الصحي ومرورا بالتعليم الذى احتلت مصر ذيل القائمة فيه عالميا من حيث مستوى الجودة، وحتى الدولار والاحتياطي الأجنبي الذي بدأ في التبخر والانقراض، بما يهدد مصر بصورة مباشرة في أمنها الغذائي والاقتصادي.

وإذا كان هذا الوادي هو مستنقع الانقلاب العسكري، فإن هناك واديا آخر لا يهتم بما يجري أو يحدث على الصعيد السياسي أو الشعبي، ويعمل على تحقيق مصالحه وأطماعه فقط، وهو اقتصاد الجيش، الذى يتوغل بصورة مرعبة على كافة مناحي الحياة، ليشكل جريمة في حق مصر، الحاضر والمستقبل، ويصنع دولة فاقدة للقيمة والإنتاجية، ويحولها لمجرد عمالة يومية لصالح فئة تحكم وتسيطر بدورها لجهات أخرى خارجية.