مدونات

الإرهاب سائح يزورنا ويزوركم...فلنقم بمواجهته

مختار الشيباني
تذكرت وأنا أتابع أحداث باريس الإرهابية مقولة إن الإرهاب لا دين له، وتذكرت أولئك العنصريين الذين يربطون الإسلام بالإرهاب، وتذكرت بريطانيا وعديد الدول الأخرى التي نصحت رعاياها بعدم زيارة تونس بعد الأحداث الإرهابية.

ورغم تعاقب العمليات الإرهابية في كل مكان في العالم، ورغم الإرهاب الذي يمارس من المتمردين والدول والمخابرات والطغاة في كل شبر من هذه الكرة الأرضية، فإن العالم لم يستوعب الدروس ولم يفهم أن الإرهاب كالسيف؛ إن لم تقطعه قطعك، وكالسحر ينقلب في أي لحظة على الساحر، وبقي العالم رغم كل التجارب المؤلمة مؤمنا أن الإرهاب صنع لنا وحدنا، فقط للمسلمين وللعرب، فقط لمستعمرات العالم الثالث، أرادوه سائحا لا يزورنا إلا نحن، وفي ذلك غباء كبير ينم عن غطرسة عمياء أو تلميذ أحمق لم يدرس التاريخ يوما.

مع ظهور كل تنظيم إرهابي جديد في هذا العالم تختلف النظريات بين من يراهم مجرد شبان نقموا على هذا العالم الرأسمالي، الذي دمر دولهم وحارب دينهم فجاؤوا لينتقموا، وبين من يراهم مجرد فرق مخابراتية تحكمها كبرى دول العالم لإثارة النزاعات وخلق التوتر في كل مكان، وبين رأي ثالث يرى في هذه التنظيمات خليطا بين الاثنين، لكن لا أحد اقترح حلا لنواجه هذه الآفة، ولا أحد عمل على توحيد الإنسانية لاجتثاث الإرهاب رغم كل الشعارات الزائفة التي مللنا رؤيتها، بل واصل كل طرف لعبته المفضلة في رمي الكرة إلى ميدان الآخر، وأرقام القتلى الأبرياء من المدنيين تتزايد من يوم إلى آخر، ولم تبق أي نقطة من هذا العالم دون أن يسيل فيها الدم.

بقيت كل شعوب العالم تتصارع من أجل البقاء لكنها نسيت أن المعركة ستكون مكلفة لكل الأطراف،      
وواصل كل طرف اتهامه للآخر بممارسة الإرهاب، لكن الحقيقة التي يتغافل عنها الجميع سهوا أو عمدا أن الكل مارس الإرهاب، فبلاد العم سام التي تدعي محاربة الإرهاب مارسته على عديد الدول، وآخرها أفغانستان والعراق وهي الداعم الأكبر لكيان الإرهاب الصهيوني، أما روسيا فلن ينسى التاريخ جرائمها الإرهابية في الشيشان، ولن يصدق سوى أحمق أنها تحارب الإرهاب في سوريا، بل فقط تدعم نظام بشار الإرهابي، فرنسا بدورها تمارس الإرهاب على مالي وعلى سائر مستعمراتها السابقة في إفريقيا، وأغلب دول العالم الكبرى أرهبت دولا أقل مكانة منها في العالم، وطغاتنا العرب يمارسون الإرهاب على شعوبهم، وهنا نتساءل هل فقط داعش من يمارس الإرهاب على العالم !

يبدو السؤال غريبا، لكن الأغرب هو تغاضي شعوب العالم عن حقيقة أن الكل متهم بالإرهاب من حكومات دول الغرب وطغاة دولنا وصولا إلى داعش وغيرها من التنظيمات التي تشوه صورة الإسلام بأفعالها، وهنا يجب على شعوب كل الدول أن تدرك أن محاربة الإرهاب لا تتم فقط في دولنا العربية الإسلامية، بل تبدأ من محاربة سياسات دولهم الاستعمارية التي تقتل القتيل وتبكي في جنازته، والتي تتدخل في شؤون الدول الداخلية وتشعل فتيل الأزمات الداخلية لمواصلة نهب خيرات الدول والسيطرة عليها، وعلى شعوب العالم أن تدعو حكوماتها لمحاربة الإرهاب الصهيوني أولا قبل محاربة داعش، فما يقوم به هذا التنظيم لا يعتبر ربع جرائم كيان الاحتلال الصهيوني الذي يلقى الدعم الدولي في كل جرائمه ضد شعب فلسطين الأعزل، وقتها فقط سيحق لهم محاسبتنا عن كل عربي أو مسلم يفجر نفسه في شوارع بلدانهم، ووقتها فقط سينتهي غول الإرهاب الذي أرهقنا كمسلمين وعرب أكثر من أي دولة أو ديانة أخرى، ودون ذلك سنبقى نعاني جميعا شرقا وغربا ولن يستثني الإرهاب أحدا.

حان الوقت ليدرك كل من يحمل ذرة من الإنسانية أننا جميعا شركاء في الجريمة، وتحميلنا كعرب ومسلمين فقط مسؤولية الإرهاب فذلك جريمة في حد ذاتها وهروب من الواقع الصادم لحقيقة البشرية، وليعلم الجميع أننا وصلنا إلى مرحلة يجب أن تتحد فيها شعوب العالم لمكافحة كل أشكال الإرهاب،  ومحاربة مسبباته الرئيسية لا فقط الظاهر منها، الذي يتجسم في تنظيم داعش.