مقالات مختارة

الأقنعة التي سقطت بسقوط الطائرة الروسية

1300x600
أخذت الأمور منحى آخر بعد معرفة أن الطائرة التي أسقطتها مقاتلات سلاح الجو التركي بعد إنذارها عشر مرات، ومواصلتها اختراق الأجواء التركية هي إحدى طائرات سلاح الجو الروسي. 

وبدأ الحديث سريعا ليس فقط على مستوى تركيا بل على المستوى الدولي أيضا عن احتمالية تحوّل الخلاف القائم بين روسيا وتركيا الناجم عن هذه القضية إلى مناوشات ساخنة، وكلام عن كون الخلاف سيحل قريبا.

استخفاف بالسيادة التركية

كان هناك الذين نظروا إلى الموقف من تحت الستار فتحدّثوا عن أن روسيا ستقطع تصدير الغاز إلى تركيا محاولين بذلك إرباك وإثارة الرأي العام. 

المعارضيون ذاتهم الذين لم يعتادوا إلا على الاعتراض لم نجد منهم من يسأل عن السبب وراء إسقاط تركيا للطائرة الحربية الروسية. بل إن منهم من وصل به الأمر إلى حد القول متسائلا: "هل يعقل أن تسقط طائرة لاختراقها الحدود لمدة سبع عشرة ثانية؟". وفي الوقت نفسه لم ير أي من كتّاب إعلام أردوغان ولا المستظلين بمظلة الكيان الموازي أي لزوم للحديث عن السيادة التركية.

الأمر هو أن البعض من أولئك الذين لم يستطيعوا بعد سعي حثيث وأيام طويلة من المسير أن يسقطوا حزب العدالة والتنمية عن طريق صناديق الاقتراع، أصبحوا يرون أن هناك بصيص أمل ولو بسيطا لإسقاطه عبر دعم بوتين. لكن انطلاقا من التعاطف الذي أظهره مثقفونا الذين دائما ما صدعوا رؤوسنا بعشقهم وحبّهم للديموقراطية مع بوتين الذي لا يتوانى في أن يجهض أبسط الاعتراضات السياسية عليه بأبشع الطرق اللاإنسانية، نستطيع أن نرى نظريتهم في الحكم وبأي منطق سيديرون البلاد.

الأمر في أصله بسيط جدا، وهو أن تركيا أسقطت طائرة "مجهولة الهوية" طبقا لقواعد الاشتباك بعد اختراقها لمجالها الجوي وذلك ضمن مفهوم السيادة المتعارف عليه دوليا وهو حق تركيا الذي تكفله لها القوانين و النظم الدولية. 

وليس من الوارد أبدا أن تأخذ الضوء الأخضر في استخدام هذا الحق من أيّ كان. وقد أكّدت مصادر الناتو أن الطائرة الروسية اخترقت الأجواء التركية فعلا.

لصٌ يطالب بالاعتذار عن السرقة!

ومع وجود كل هذه الحقائق فإنه تجدر الإشارة إلى أن مطالبة الرئيس الروسي بوتين لتركيا بالاعتذار أمر لا يمكن تفسيره بالطرق العقلية بل هو أشبه بضغط اللص على صاحب البيت المسروق وابتزازه إياه. أظن أن الرئيس الروسي الذي مافتئ يعبّر عن حبه للفودكا لم يكن ذا عقل رزين وهو يقول هذا الكلام. 
فهذا الطلب أشبه بأن يطالب الرئيس الروسي أوكرانيا التي احتل أرضها "شبه جزيرة القرم" بالاعتذار.
 أمر تختصره السخافة، لكن في الآونة الأخيرة لم يعد بوتين الذي يسير برأس غير رزين هو المسؤول الوحيد عن السخافة. خصوصا حين يخرج عليك رئيس ورجل دولة مثل بوتين متهما تركيا بشراء البترول من داعش، وهو الأمر الذي يتعدى السخافة ولا يتعدى كونه ادّعاء لا يليق برئيس دولة.

والسبب المنطقي الوحيد الذي قد يجعل بوتين يقول هذا الكلام هو الصدمة التي خلّفتها عملية رسم وإعادة العربدة الروسية إلى مناطقها من خلال إسقاط طائرتها بمجرد اختراق الحدود التركية، ومحاولته -أي بوتين- حشد حملة صليبية جديدة ضد تركيا. ومطالبته برد آيا صوفيا للعالم الأرثوذكسي قد يكون خير دليل يدعم هذا الطرح.

والأدهى من ذلك هو ظن روسيا أنها ستقف على أقدامها بقصفها بالقنابل الثقيلة المواطنين الأبرياء في مناطق التركمان، وليس ذلك إلا ضرب من ضروب الخيال والوهم.

تدخل روسيا في سوريا بهذا الشكل سيعيد للأذهان كل ما انتقدناه لسنوات من قصف الاتحاد السوفياتي في القرن الماضي، وسيجعل عالي الوجه الروسي في المنطقة سافله، سيعيد -دون شك- للذاكرة الاجتماعية ماكان يردّد دائما في القرن التاسع عشر أنه لا يمكن لكافر موسكو أن يكون رفيقا.

ترجمة "عربي21" عن صحيفة يني شفق التركية