قضايا وآراء

لمّا هانت!

1300x600
الذين يصرون على وضعنا دائما في مواجهة مع الضمير، بأي طريقة يمكننا الاختيار بين الموت، والموت، فكروا معنا في حل عملي لإغماض عين عن مأساة، أو صرفها إلى اللامبالاة، بشرط ألا تسقط آدميتنا، أو تتمرّغ مشاعرنا في وحل الانتقاء !
 
(1)
 
كلما استعذبنا الصمت، تدفعنا الصور التي لا تكذب ولا تتجمل، إلى الصراخ في فضاءات ممتدة، لا تمرر الصوت، ..نكرر الصمت، فيتكرر الاختبار، (الإنسان، أو الطوفان؟)..
 
كنّا قد وصلنا إلى بديهية التضامن الانتقائي في البلاد، فيميل كل فصيل إلى من يشبهه، ويعلو نداء الواجب الإنساني في الفصائل المختلفة، حين يمس الظلم أحد أقرانهم، بينما يخفت هذا الواجب بالضرورة، إذا تعرّض مخالف لـ"ظلم أشد"، تماهينا مع ذلك الواقع، وانتهينا،..فلماذا إذن بدا اختبار "صورة سعد الكتاتني" باعثا على الانحياز للإنسان، أي إنسان !
 
لمّا هانت، -افتح قوسا وضع ماشئت- (الروح، الثورة، الآدمية، الوطنية، وغيرها..)، ذهب كلّ فريق بقناعاته، ولم يتوقع أكثر المتفائلين بزوال "يناير" إلى الأبد، أن صورة كهذه، يمكنها لملمة الشتات، ..تلك المفارقة التي تصرف اللاهثين خلف رئاسة "البرلمان"، إلى قلق مرتقب من لحظة توحد، لم تكن في الحسبان !
 
(2)
 
(الزخم المفاجئ، يقلق، ولايحسم).. و(القلق المفاجئ، يؤلم، وقد يحسم)..
 
سلمّ قطاع عريض من جماهير الثورة، بأنّ "جريمة" الإخوان المسلمين في حق 25 يناير، لا تغتفر، وأنّ الحديث عن عودة "مرسي"، لايقلّ سفاهة عن أمنيات" أبناء مبارك"، في عودة المخلوع، أغلقت الصفحة هكذا، ومرت السنوات ..!
 
تتابعت ذكريات الأحداث "محمد محمود، مجلس الوزراء، وغيرها"، اتسعت الفجوة، وبدا التئام الجراح عصيا، على من يرغب في تطييبها، وانصرف فريق من الشباب العالقين بأستار الميدان، إلى تبريرات، تنفي إمكانية العودة، واستحالتها، أية مبررات تزيح عن كاهل المهمومين ألم "الحلم" المكبل بقيود "المرجعيات" المتحاربة، والمقدمات ذات النتائج المرعبة.
 
فجأة، يوضع الذين يرفضون المراجعة، على خط التماس مع تضامن إنساني لافت مع "خصوم الميدان"، وكأنّ ثمة نبض لم يزل في جسد أنهكته الطعنات!

(3)

لمّا هانت، وضعنا جميعا في خندق المشاهدة، فإذا بالصورة تبدو قاصمة، لأشد المختلفين مع "سعد الكتاتني"، وفي الخلفية لم يزل "مبارك" ممددا على سريره، تمامًا كابتسامته التي على وجهه !
 
كنت أودّ ألا تمر عيناي أبدا على وجه شاحب، لرجل كان بالأمس القريب "رئيسا لمجلس الشعب"، وفقا لقائمة الرؤساء المعلقة على جدران مجلس النوّاب، حتى لا أقع في بؤس المقارنة، مع مشاهد  الذين أخذوا ما شاءوا من دمنا، ثم انصرفوا !، انصرفوا إلى منازلهم، أو كما قال القائل " عادوا إلى مقاعدهم".
 
لا يعنيني بالقطع، ما إذا كان أطراف الصورة البائسة مدانون في قضايا، لم تحسم بعد، ولست في معرض الحديث عن أي تجاذب سياسي، أو تعزيز حصول خصم على "نقطة مضافة"، في معركة يدفع الوطن بأكمله، ثمن استمرارها، إنما أقف على حافة الوجع الذي أصاب فرقاء الثورة، وقدرتهم على القفز فوق أية خلافات في لحظة فارقة، ليدرك الذين يرونها "باهتة"، أو قضي أمرها، أنّ العبرة بـ" الإنسانية" وفقط، تلك الإنسانية التي حملتنا جميعًا، إلى التأسي والحزن المضاعف، على شهداء حادث العريش الأخير.
 
لمّا هانت، فقد محتكرو الوطنية الجدد آدميتهم، وتفرغوا لسب الثورة وشبابها، وتغولت فاشيتهم حد التشفي في سجين لا يملك من أمره شيئًا !
 
(4)
 
لا نحتاج إلى تذكير بموقف "الكتاتني" من سبّ البرادعي بمجلس الشعب، وغيرها، من الإخفاقات في إدارة المرحلة، لكننا نحتاج إلى تذكير حتمي بأنّ حقه المكتسب الآن، معاملة توازي معاملة وزراء "مبارك"، التي رأيناها مباشرةً في جلسات المحاكمة !
 
تمرّ العين على صورة الهزال البدني لـ"مشاهير السجناء"، وفي النفس تدور تساؤلات مريرة، بشأن الذين لا يعرف أحد عنهم شيئًا، كيف هم الآن، ولماذا تبدو الأمور على هذا النحو من القسوة، إذا كانوا في النهاية "رهائن"، لا يقدرون على شيء مما كسبوا !
 
لمّا هانت، بدا كل شيء مهزوم في  واقعنا، إلا صرخات افتراضية، تسعف الضمائر، وتتمسك بـ"عدالة" المصائر.