حقوق وحريات

اليمن.. معركة بلا قواعد تستهدف الصحفيين

الأسيدي: الانقلابيون اقتحموا ونهبوا وأغلقوا أكثر من 70 وسيلة إعلامية- أرشيفية
في يوم الجمعة الماضي؛ اقتحمت مجاميع مدججة بالسلاح منزل الصحفي "محمد شمسان"، واقتادته بالقوة إلى أحد المعتقلات بالعاصمة اليمنية صنعاء، حيث تفرض المليشيات الانقلابية التابعة للرئيس اليمني السابق علي صالح، وعبدالملك الحوثي، سيطرتها منذ استكملت انقلابها على السلطات الشرعية مطلع العام الماضي.

وإذا كان الصحفي شمسان قد حظي بوسطاء تمكنوا من إطلاق سراحه بعد ساعات من اختطافه؛ فإن 13 صحفيا آخرين فشلت كافة الوساطات في إطلاقهم منذ اختطفوا قبل تسعة أشهر، وبعضهم مر عليه عام دون أن يُعرف مكانه أو مصيره.

في الليلة التي سبقت حادثة اختطاف شمسان؛ كانت المليشيات قد تمكنت من إضافة صحفيَّين جديدين إلى معتقلاتها السرية، هما عبدالله المنيفي، وزميله حسين العيسي، اللذان اختطفا في محافظة ذمار (100 كم جنوبي صنعاء) الواقعة شبه كليا تحت سيطرة المليشيات، ليرتفع عدد الصحفيين المختطفين والمخفيين قسريا في اليمن إلى 15 صحفيا، حتى كتابة هذا التقرير.

وإلى جانب الاختطافات والإخفاءات القسرية المتواصلة؛ لم تخلُ مهنة الصحافة في اليمن من مخاطر أكبر، كالاغتيال والقتل.. فمع نهاية الأسبوع الماضي؛ ارتفع عدد من فقدوا حياتهم إلى 12 صحفيا، على إثر اغتيال الصحفي أحمد الشيباني، الذي يعمل مصورا لدى قناة اليمن الفضائية. وقتل الشيباني في 16 شباط/ فبراير الجاري، برصاص قناص تابع للانقلابيين بمدينة تعز (256 كم جنوبي صنعاء)، بينما كان يغطي المعارك بمنطقة "الحصب" غربي المدينة، التي تحاصرها المليشيات منذ أكثر من تسعة أشهر.    
تخصيص الصحفيين بالاستهداف

منذ انقلابها على السلطة في آذار/ مارس 2015، دأبت المليشيات على استهداف الصحفيين بشكل خاص "في محاولة منها لتغييب الشهود، وإخفاء الحقيقة"، طبقا لعضو مجلس نقابة الصحفيين اليمنيين، نبيل الأسيدي.

وقال الأسيدي لـ"عربي21" إن الانقلابيين استخدموا كافة الوسائل الإجرامية ضد الصحفيين ووسائل الإعلام المعارضة لتوجهاتهم، بهدف تكميم الأفواه، بما في ذلك "الاغتيالات، والاختطافات القسرية، واستخدامهم دروعا بشرية، والتعذيب، مع استمرارها في ملاحقة من تبقى منهم، وإرهابهم بإطلاق الرصاص الحي عليهم، وضربهم بالشوارع في وضح النهار".

وأضاف: "أما الصحفيون الذين لم تطَلهم إحدى تلك الوسائل، بسبب فرارهم ونزوحهم المسبق اضطراريا إلى مناطق أكثر أمنا، أو خارج البلاد؛ فقد استخدمت معهم وسائل أخرى، كالاتصالات التلفونية عبر مجهولين لتهديدهم، أو عبر رسائل البريد الإلكتروني".

وأكد الأسيدي، الذي يتواجد حاليا خارج اليمن نتيجة تعرضه للملاحقة هو الآخر، أنه ما زال يتلقى تهديدات تصله إلى بريده الإلكتروني بين الحين والآخر.

واعتبر أن هذه المرحلة "من أسوأ المراحل التي مر بها الوسط الصحفي في اليمن"، موضحا أنه "طوال العقود السابقة من عمر العمل الصحفي في اليمن؛ لم يصل عدد قتلى الصحفيين إلى ما وصل إليه خلال العام الماضي فقط، كما أنه لم يحدث أن تعرض هذا الكم الكبير من الصحفيين للاختطاف في ظرف عام واحد".

وقال إنه "لم يعد هناك صحافة في اليمن، بعد أن أغلقت المليشيات كافة وسائل الإعلام الحزبية والأهلية المعارضة لها"، مشيرا إلى أن الانقلابيين اقتحموا ونهبوا وأغلقوا أكثر من 70 وسيلة إعلامية، معظمها مواقع إخبارية".

وكشف الأسيدي عن "تسريح أكثر من 300 صحفي وعامل في إذاعة صنعاء الحكومية بعد احتلالها مباشرة، كما أنه تم تغيير كافة القيادات الإعلامية السابقة؛ لصالح قيادات أخرى تابعة أو موالية للمليشيات في كافة وسائل الإعلام الحكومية المحتلة من قبلهم"، على حد تعبيره.

الصوفي.. مصير مجهول

يُعد الصحفي وحيد الصوفي، من أقدم الصحفيين اليمنيين الذين تم اختطافهم وإخفاؤهم قسريا في البلاد، حيث اختطف في 6 نيسان/ إبريل 2015، من داخل مبنى البريد في منطقة التحرير بالعاصمة صنعاء، وبحوزته كاميرته الشخصية، بينما كان يحاول تصوير بعض أماكن الانفجارات، طبقا لنجل شقيقه فهمي الصوفي.

وقال فهمي الصوفي لـ"عربي21" إن أسرة عمه "وحيد" لم تعرف عنه شيئا منذ اختُطف، مع أنهم طرقوا كافة السبل بحثا عنه لمعرفة مكان اعتقاله أو مصيره، مضيفا أنه "بسبب ذلك؛ يخامرنا القلق الشديد، والخوف على سلامته وصحته".

ويجيد الصحفي الصوفي اللغتين الفرنسية والإنجليزية، ويمتلك ويدير عدة مؤسسات تعنى بالعمل الإعلامي، بينها "المركز الفدرالي للدراسات والثقافة والإعلام"، و"المرصد الفدرالي للثقافة والإعلام"، وصحيفة "العربية"، وموقع "العربية أونلاين"، إلى جانب موقع "البوصلة" المتوقف منذ فترة بسبب تعرضه للقرصنة، بحسب ابن أخيه الذي أكد أيضا أن عمه كان بصدد الانتهاء من إجراءات الحصول على تصريح جديد لفتح إذاعة "عربية fm"، إلا أن اختطافه حال دون ذلك.

إخفاء قسري وتعذيب

ويمثل اختطاف تسعة صحفيين أثناء اجتماعهم في شقة بوسط العاصمة صنعاء، في 9 حزيران/ يونيو 2015، إحدى أبرز حالات الإخفاء القسري الذي تمارسه المليشيات الانقلابية ضد الصحفيين.

يقول عبدالله، شقيق توفيق المنصوري، أحد الصحفيين المختطفين التسعة، إنه وأفراد أسرته ظلوا يبحثون عنه وعن زملائه لنصف شهر تقريبا، ليكتشفوا "بطريقتهم الخاصة" أنهم مختطفون في "سجن مكافحة الإرهاب" في مبنى البحث الجنائي بالعاصمة، إلا أنه لم يسمح لذويهم بزيارتهم حينها.
  
وأضاف لـ"عربي21" أنه في نهاية شهر رمضان الماضي (تموز/ يوليو)؛ فاجأهم حراس السجن بالقول إن الصحفيين التسعة نقلوا إلى "مكان مجهول".

وتابع: "بحثنا عن توفيق وزملائه في كل السجون المعروفة بصنعاء ولم نجدهم، وظلوا قرابة شهر ونصف مخفيين تماما ولا نعرف عنهم شيئا، قبل أن نكتشف عن طريق شخص أطلق سراحه من سجن الثورة الاحتياطي بمنطقة نقم؛ أن توفيق والبقية موجودون في ذلك السجن.. وبعد محاولات ووساطات سمح لنا أخيرا بزيارته لفترة قصيرة".

وبحسب المنصوري؛ فقد تعرض شقيقه وزملاؤه إلى أبشع أنواع التعذيب الجسدي والنفسي، مشيرا إلى أن "من أبرزها؛ الضرب باستخدام عصي خشبية ومواسير حديد وكرابيج وأسلاك وأعقاب بنادق، والإيهام باستخدام الكهرباء، أو الحرق بالنار، أو الطعن بأدوات حادة، والإجبار على الوقوف فوق أعمدة حديدية حادة، وإطفاء السجائر في وجههم، والضرب بالرأس على الحائط، ونتف شعر اللحية والرأس، والخنق".

وقال: "أما التعذيب النفسي؛ فقد تمثل بالتهديد بنقلهم إلى أماكن معرضة لقصف طيران التحالف (معظمها مصنفة على أنها مخازن لتكديس السلاح)، كما أنه تم إجبارهم على توقيع أوراق وأعينهم مغطاة".

وأضاف: "علمنا في منتصف كانون الثاني/ يناير، بنقلهم جميعا إلى زنزانة ضيقة تحت الأرض مع أكثر من 10 مختطفين آخرين. وفي نهاية الشهر نفسه؛ تم عزل توفيق وزميله الصحفي عبدالخالق عمران في زنزانة انفرادية، وتعذيبهم وضربهم بأعقاب البنادق وآلات أخرى، حتى سالت الدماء من رؤوسهم".

وأكد عبد الله أن تعذيب المختطفين نجم عنه إصابتهم بأمراض شتى، فاقمها عدم  توفير أدنى رعاية صحية لهم، أو السماح لأسرهم بمعالجتهم، مبينا أن "إدارة السجن كانت تكتفي فقط بصرف الحبوب المخدرة لتخفيف آلامهم ومعاناتهم، وذلك يزيد من مخاوفنا بشأن صحتهم التي تتدهور يوما بعد آخر"، على حد قوله.

حقن بدماء ملوثة
    
وأكد عضو مجلس نقابة الصحفيين، نبيل الأسيدي، أن ثمة وسائل ترويع أخرى مارستها المليشيات في حق الصحفيين، كأن "يطال الاختطاف والإرهاب بعض أقارب الصحفيين".
    
واستشهد الأسيدي في هذا الصدد، بحالة الصحفي سعد طارق، الذي قامت المليشيات باختطاف ابن شقيقه، وإطلاق الرصاص على قدميه وإحراق جسده بالسجائر.

وكشف عن تعرض ابن شقيق طارق إلى "حقنه بدماء ملوثة بالإيدز" من قبل المليشيات، ولكنه لم يوثق ذلك بالدليل، مكتفيا بالقول إن لديه معلومات مؤكدة حول هذه الحادثة.

وأكد أن نقابة الصحفيين "في حين أنها لم تسكت على ما حدث في السابق؛ فإنها أيضا ستواصل رفض جرائم المليشيات في حق الصحفيين ورصدها، وتزويد كافة المنظمات الدولية بجميع تلك الانتهاكات".

وقال الأسيدي: "عقدنا العزم على السعي لتدويل تلك الانتهاكات، ورفع ملفاتها إلى محكمة الجنايات الدولية، باعتبار القتل والانتهاكات التي تعرض لها صحفيو اليمن العام الماضي، جرائم حرب لا تسقط بالتقادم".