قضايا وآراء

محنة الإخوان في مصر والأردن... أين المخرج؟

1300x600
تواجه جماعة الإخوان المسلمين حاليا أزمة وجودية بامتياز، في أعقاب ثورات الربيع العربي ووصولها إلى سدة الحكم في عدة أقطار، ما جعل بعض الأنظمة العربية تتعامل معها على أنها خصم شرس يجب القضاء عليه أو محاصرته في أصغر زاوية ممكنة.

ما يحدث في مصر والأردن وسوريا والسعودية والإمارات وأقطار أخرى بنسب متفاوتة؛ يؤكد على الفرضية التي نطرحها في هذا المقال، وإن كان التفصيل فيها ليس هدفنا.

آخر هذه المشاهدات ما قام به النظام الأردني مؤخرا من إغلاق المقر العام للإخوان المسلمين ومنع قناة اليرموك التابعة لها من البث، وأشكال أخرى من صور التضييق غير المسبوق على الجماعة.

ما يفعله النظام الأردني مع الفصيل السياسي والشعبي رقم واحد في الأردن يؤكد على ما كررناه سابقا؛ من أننا أمام حرب إقليمية ودولية على جماعات الإسلام السني الحركية، وفي مقدمتها الإخوان لصالح المشروع الصهيوني والشيعي في المنطقة.

أزمة الإخوان أن منهجهم الإصلاحي يقوم على العمل وفق النضال الدستوري والقانوني، وأمام هذه الضغوط غير المسبوقة والتي تبلغ ذرواتها كما نعرف في مصر؛ لن يكون أمام الإخوان إلا خيارات محدودة للتعامل مع الأزمة.

فإما أن تتنازل الجماعة عن دورها السياسي والشعبي حتى يخف ضغط الأنظمة عليها، وبالتالي تتحول إلى إحدى جماعات التبليغ والدعوة فحسب، وتخسر كثيرا من شعبيتها، فضلا عن تفكك جزء معتبر من قواعدها لأنهم انضموا إليها لدورها الحضاري والذي يتفرع منه العمل السياسي والشعبي كمكون هام في مشروعها. وإما أن تدخل في عراك قانوني ولائحي مع الأنظمة التي تفصل القوانين على المقاس بل وتدوسها بأحذيتها، وبالتالي تستهلك الجماعة مؤسساتها وكوادرها في معارك طواحين الهواء مع مواد قانونية ودستورية أقرب لمتاهة علي بابا، فتتوقف أنشطتها بمادة قانونية وتفرض الحراسة بمادة أخرى ويُعتقل الآلاف بمادة ثالثة، وهكذا يصبح غالب عملها تلقي الصدمات والعيش داخلها، فضلا عن استنزاف مواردها المالية البشرية.

السيناريو الأخير أنه على الجماعة أن تقفز قفزة إلى الأمام وليس الى الخلف، بمعنى أن تعيد التفكير في كامل "منهجها" دون الاقتراب من "ثوابت فكرها"، وإن كان الثابت الوحيد في الإسلام هو القرآن وصحيح السنة المطهرة.

القفز إلى الإمام يعني في نظري التخلي عن شمولية "المنهج" لصالح "تخصصية الحركة،" بحيث تتحول الجماعة إلى عدة كيانات منفصلة تماما وليس تكتيكيا؛ تقوم بأدوار وظيفية محددة فتتحول إلى جماعات للتبليغ والدعوة وجامعات علمية للتعليم الشرعي والمدني وأحزاب سياسية وأدوار نقابية وحركات جهادية وشركات أعمال عابرة للقارات ومحطات إعلامية وجمعيات خيرية ونحو ذلك.

هذا التخصص سيوزع ضغط الحرب الإقليمية عليها، ولا يجعل كل أنشطة الجماعة في سلة واحدة وبالتالي يسهل ضربه جميعه.

قد يعترض معترض بأن الجماعة تقوم بالفعل بكل هذه الأنشطة تحت مظلات مختلفة، وهذا حقيقي، ولكن الجميع يعلم أنه يتم تحت رعاية الجماعة، وأجهزة الاستخبارات تراقب بمنتهى الدقة وتعرف عن الإخوان أكثر مما يعرفون عن أنفسهم.

هذا التخصص سيسمح أيضا ببروز الكفاءات مع التخصص الوظيفي، وسيُظهر شريحة جديدة من القادة والنخب وسيجعل الجماعة مفتوحة على كل شرائح المجتمع دون حساسيات تنظيمية، وفي نفس الوقت يمكنها أن تحافظ على أدبياتها وفكرها، وحتى تنظيمها، داخل الدول التي لا تعاني فيها ضغوطا قاسية.

وفي هذه الحالة يكون قد تم الحفاظ على التنظيم بأدبياته ومنهجه دون قصف في الدول التي ليس لديها إشكالية معها، وفي نفس الوقت تكون الجماعة قد حفظت نفسها من الفناء في الدول التي تدخل معها في عداء، وليس هذا فحسب، بل يجعلها أقوى عشرات المرات بالتخصص والانتشار والاحتكاك المباشر بالمجتمع.

من أوجه الاعتراض التي قد يقولها البعض أنه حتى لو تخصصت الجماعة كما تقول فلن يخف الضغط الأمني عليها، بل سينتقل إلى الكيانات والانشطة الجديدة. وفي الحقيقة هذا الاعتراض صحيح نسبيا، ولكن أعتقد أن هذا التعامل الأمني ستكون ذروته في بداية الأمر حتى تطمئن هذه الأجهزة، إلا أن هذه الكيانات منفصلة حقيقيا ولا تمثل الجماعة بحال.

كما أن الصدام الأمني معها سيكون صداما مباشرا في هذه الحالة مع المجتمع وليس مع فصيل فيه، أيضا ذكاء التنفيذ وحنكته كافيين لتجاوز جانب كبير من الاحتكاك مع هذه الأجهزة. وفي الأمر تفصيلات لا يستوعبها هذا المقال.

أكثر من سيشعرون بالغضب من هذا المقال هم أعضاء الجماعة الذين عاشوا جلّ حياتهم داخلها وتوحدوا معها عاطفيا وشعوريا ومصيريا، بحيث أن أي حديث يخصم من وحدة الجماعة من هذا القبيل - كما سيفهم من كلامي - هو من قبيل الشطط والعبث.

ولهؤلاء أقول: حنانيكم، فالجماعة الآن منقسمة بالفعل والشرخ يزداد اتساعا وليس انحسارا، وهناك بالفعل شروخ عرضية وطولية في جسدها تتضح آثاره ومعالمه في النزاع الدائر حاليا في وسائل الإعلام بين طرفي الأزمة، والذي وصل لإنشاء كيانات موازية لكل طرف تمارس نفس المهام ولكنها تخضع لطرف دون آخر.

وبالتالي الطرح المقدم هنا يجعل الجماعة تنقسم لذاتها وليس على نفسها، وهو هنا انشطار بغرض الانتشار وليس انقساما بغرض التناحر والاحتراب.

كما أنني قلت في مقال سابق تحت عنوان "ما هي خيارات الإخوان المسلمين لمواجهة العاصفة؟" المنشور بموقع "عربي21" بتاريخ 19 تموز/ يوليو 2015، تحدثت فيه عن خيار الكمون الذاتي لأفراد الجماعة غير المفعلين في الحراك الثوري، بحيث يحافظوا على التنظيم كامنا وغير نشط بصورة حقيقية، بينما يتركون المجال للكيانات الناشئة لملأ الفراغ المترتب على كمون التنظيم وتوسعة نقاط المجابهة مع الأنظمة القمعية.

الحل هذا يحافظ على وحدة التنظيم ولكن في حالة عدم نشاط، ويقوي الجماعات عشرات المرات بالتخصص والانتشار والاحتكاك المباشر مع المجتمع، ولكن شرطه الأساس انفصال حقيقي وليس متوهما عن جسد الجماعة، وأخيرا تقوية المجتمع في مواجهة الأنظمة القمعية، وتكوين نخب وقادة جدد، وتمكين للشباب في ريادة المجتمع مع حدوث أقل الخسائر.

والمتشكك في هذا الحل عليه أن يراجع دور الإخوان المسلمين في سوريا والعراق كيف كان حجمهم إلى جانب باقي قوى المجتمع، وكيف وصل إليه حالهم الآن وحجم تأثيرهم في المشهد السوري والعراقي إلى جانب القوى الأخرى.

• مدير الأكاديمية الدولية للدراسات والتنمية.