ملفات وتقارير

كيف يتفاعل حكام السعودية مع مواقع التواصل الاجتماعي؟

حكام السعودية يتفاعلون مع "تويتر" ويلاحظون توجهات الجمهور من خلاله- أرشيفية
جاءت مشاركة عشرات الآلاف من الشباب السعودي في نقاش عبر وسائل التواصل الاجتماعي حول خطط إصلاح اقتصاد المملكة المعتمد على النفط الشهر الماضي، لتمثل تحولا في أسلوب تفاعل حكام المملكة مع الشعب السعودي.

فقد جرى العرف أن يسعى قادة الأسرة الحاكمة الذين يحكمون بالمراسيم ويقيدون المعارضة العلنية بشدة، لكسب الرأي العام من خلال مجالس غير رسمية يحضرها زعماء القبائل وكبار رجال الدين ورجال الأعمال أو مواطنون عاديون يرغبون في عرض مطلب أو تقديم التماس.

والسعوديون من أنشط الشعوب العربية استخداما لوسائل التواصل الاجتماعي، وقد بدأت الأسرة الحاكمة تحاول تشكيل النقاش العام على الإنترنت، بحملات إعلامية تتم إدارتها بكل عناية، وأقيل مسؤولون كبار بعد توجيه انتقادات لها عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

من جهته، قال المحلل والمعلق السعودي محمد اليحيى: "هذا محور تركيز جديد للحكومة، وهي تسعى للتواصل مع الشباب السعودي الذي يرجح أن يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي أكثر من غيره. وهذه أنجع وسيلة لجذب اهتمامه".

وكان من أبرز الأمثلة على ذلك في الآونة الأخيرة، خطط الإصلاح الواردة في رؤية المملكة 2030، التي أطلقها الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد (31 عاما).

فقد استخدم فيها موقع "تويتر" إلى جانب وسائل الإعلام التقليدية في رسم التوقعات، واستحداث الوسوم التي تصاغ من خلالها العبارات الرئيسة محور النقاش.

وشارك نحو 190 ألف مستخدم لـ"تويتر" في السعودية مشاركة نشطة في النقاش الذي دار حول الرؤية 2030، وأطلق ذلك أكثر من 860 ألف رسالة، وفقا لما ذكرته شركة "سيميوكاست" التي ترصد وسائل التواصل الاجتماعي ومقرها في فرنسا.

وقالت "سيميوكاست" إن ذلك معناه أن النقاش وصل إلى 46 في المئة من 7.4 مليون مستخدم نشط لـ"تويتر" في المملكة، ووصفت هذا بأنه مستوى استثنائي للمدى الذي يمكن أن يصل إليه نقاش يدور برعاية دولة.

عواصف التواصل الاجتماعي

والأسباب وجيهة لحساسية الموضوع. فمنذ عام 2012 بلغت العواصف على وسائل التواصل الاجتماعي في المملكة حول سياسات الحكومة أو أفعال مسؤولين كبار ذروتها، بعزل خمسة من ذوي المناصب الرفيعة.

وقال ضياء مرة مدير الحسابات بشركة "ذي أونلاين بروجكت" للإعلام الاجتماعي في الرياض، إن مستوى المشاركة معناه أنه حتى الوزراء الذين ليس لهم حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي يستثمرون الوقت والمال في متابعة ما يقوله الناس عنهم على الإنترنت.

وأضاف: "فالناس تحملهم مسؤولية ما يحدث وما لا يحدث".

وتتقاطع خطوط الاستخدام لوسائل الإعلام الاجتماعي للأغراض السياسية والدينية بين المواطنين السعوديين البالغ عددهم 21 مليون نسمة، والمقيمين الوافدين من الخارج الذين يقترب عددهم من عشرة ملايين.

ومن بين مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي الذين يحظون بمتابعة كثيفة بعض رجال الدين الأصوليين ومنهم أيضا من يعتبرون أنفسهم من الليبراليين.

وسمحت وسائل التواصل الاجتماع للشباب السعودي بالتفاعل بأشكال كانت مستحيلة من قبل في بلد جرى العرف أن يتم فيه ضبط النقاش من خلال مراسيم رسمية، ومن خلال الموروث الثقافي ويحظر فيه الاختلاط بين الجنسين.

وتقول شركة "آي مينا ديجيتال"، التي تعمل في السعودية، إن "تويتر" أكثر شعبية بين المستخدمين في الفئة العمرية من 18 إلى 24 سنة، ويحظى بمتابعة لصيقة من جانب المستخدمين في المرحلة العمرية من أواخر العشرينيات إلى أوائل الأربعينيات، وينقسم استخدامه بالتساوي تقريبا بين الرجال والنساء.

وقالت الشركة إن موقع "إنستغرام" لتبادل الصور أصبح القناة الرئيسة بين الشباب السعودي وثلاثة أرباع مستخدميه من النساء.

معارضة على الإنترنت

وتحدث وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في ندوة عن "تويتر"، امتلأت فيها القاعة بالحضور في أحد الفنادق الفاخرة في العاصمة الرياض، الشهر الماضي، فقال إن "تويتر ليس مقياسا دقيقا للرأي العام على الدوام، لكنه يمكن أن يساعد في تتبع الاتجاهات".

وقال للحاضرين الذين كان أغلبهم من الشباب، إن "تويتر" وسيلة مباشرة لا حواجز فيها.

ومع ذلك، فقد قال هو وساسة آخرون كبار من منطقة الخليج في الندوة، إنهم يفضلون فرض قيود لمنع نشر رسائل مجهولة المصدر، ومعاقبة المستخدمين الذين يخالفون المحظورات من خلال انتقاد الدين أو الدعوة لإنهاء الحكم الملكي.

وانتقدت جماعات حقوقية السعودية ودولا أخرى في المنطقة، لأنها سجنت بعض أصحاب الأصوات المعارضة على الإنترنت، ومن بينهم المدون السعودي رائف بدوي، الذي حكم عليه بالسجن عشر سنوات، والجلد 1000 جلدة، بتهمة الإساءة للإسلام على الإنترنت.

وقد مضى عليه في السجن 18 شهرا منذ صدور الحكم، لكن لم ينفذ فيه من حكم الجلد سوى 50 جلدة. وعندما سئل الجبير في مؤتمر صحفي هذا الشهر عن بدوي، قال إن القضية معقدة وتنطوي على دعاوى مدنية ليست الحكومة طرفا فيها.

وقالت صحيفة "عكاظ" اليومية، إن محكمة في الرياض حكمت الاثنين على رجل بالجلد 80 جلدة، بسبب تغريدات انطوت على إساءة للبلاد، بالإضافة إلى معاقرة الخمر.

ويقول دبلوماسيون في الرياض إنه رغم أن القضاء أصدر أحكاما قاسية على المعارضين على الإنترنت الذين أثاروا غضب المتشددين، فإن الشرطة تتجاهل في العادة انتقادات لشخصيات رفيعة على وسائل التواصل الاجتماعي تجاوزت كثيرا ما كان مسموحا به من قبل.

وظهرت السطوة المتزايدة لوسائل التواصل الاجتماعي عام 2012، عندما أقال الملك عبد الله رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعين بدلا منه رئيسا تقدميا نسبيا وذلك بعد أن انتشر مقطع فيديو يبين مضايقة أعضاء من الهيئة لأسرة في أحد المراكز التجارية.

ثقافة الاحترام


في نيسان/ أبريل عام 2014، عندما انتشر مرض متلازمة الشرق الأوسط التنفسية (فيروس كورونا) في جدة اشتعل الغضب على وسائل التواصل الاجتماعي، ما رأي فيه المستخدمون تسترا على المرض وأقال الملك عبد الله وزير الصحة.

ومنذ تولى الملك سلمان بن عبد العزيز السلطة في كانون الثاني/ يناير 2015، تزايدت هذه الحساسية فيما يبدو.

وأعفي وزير ثان للصحة من منصبه، وهو أحمد الخطيب، الذي اعتبر على نطاق واسع "من رجال الملك"، بعد أن ظهر في لقطات مصورة بهاتف نقال، وهو يصيح في أحد المواطنين السعوديين خلال نقاش حاد.

وبعد أسابيع، غيّر الملك سلمان رئيس الديوان الملكي، بعد أن ظهر على الكاميرا وهو يصفع مصورا صحفيا كان يغطي وصول العاهل المغربي إلى الرياض.

وشتان بين هذه التطورات وما كان يحدث قبل انتشار استخدام الإنترنت في السعودية، عندما كان النقاش يقتصر على لقاءات غير رسمية أو على الصحف وقنوات التلفزيون التي نادرا ما كانت تحاسب المسؤولين أو توجه الانتقاد للسياسات الحكومية.

ومع ذلك، تظل ثقافة التعبير العام عن الاحترام للحكومة قائمة. فقد قالت شركة "سيميوكاست"، إن أكثر من ثلث ردود الفعل للرؤية 2030 على "تويتر" كان إيجابيا، وإن النقاش ولد "شعورا بالفخر" وتوقعات بتحقيق تقدم.

وقال مدير الحسابات في "ذي أونلاين بروجكت"، ضياء مرة، إنه تم تنسيق النقاش تنسيقا دقيقا عبر وسائل مختلفة وشاركت في دفعه شخصيات سعودية لها ثقل كبير ويتواصل معها الشباب السعودي.

ومن هذه الشخصيات عمر حسين الممثل الكوميدي الشاب الذي يتمتع بشعبية كبيرة على "يوتيوب"، وله 1.5 مليون متابع على "تويتر". وهو يعد في مقطع فيديو أن يشرح الرؤية في ثلاث دقائق. وقد شوهد هذا المقطع أكثر من ربع مليون مرة.

وهو يحرص على تفسير الخطة رؤية ستتبعها خطط ملموسة بدرجة أكبر فيما بعد. ويقول مراقبون إن هذا أمر مهم في توجيه التوقعات في ما يتعلق بالأهداف الطموحة.

وقال المحلل اليحيى، إن الرؤية بوضعها الحالي لا تنطوي على نتائج ملموسة تذكر يمكن قياسها لمحاسبة أحد عنها. لكن ستظهر مؤشرات للأداء مع تطوير برامج لتنفيذها، وسيحاسب الوزراء على تحقيق الأهداف.