كتاب عربي 21

حزب الله في مواجهة الحصار المالي: أزمة بنيوية أم مرحلة عابرة؟

1300x600
تواجه قيادة حزب الله في لبنان اليوم تطورات داخلية وخارجية خطيرة قد يكون لها انعكاسات مستقبلية على دور الحزب وموقعه، فإضافة لتشديد الحصار المالي الأمريكي والدولي على الحزب وعناصره وكوادره والبيئة المؤيدة له، يتعرض الحزب إلى حملة إعلامية وسياسية قاسية من المملكة السعودية وحلفائها تحت تهمة الإرهاب، لكن الأخطر في هذه التحديات التي يواجهها حجم التضحيات وعملية الاستنزاف القاسية التي يتعرض لها من جراء مشاركته في الصراع في سوريا وبعض دول المنطقة والتي أدت إلى سقوط عدد كبير من عناصره وكوادره وقياداته في هذه الصراعات.

فهل ما يواجهه الحزب اليوم مرحلة عابرة أم أنه يواجه أزمة بنيوية قد تترك انعكاسات مباشرة على دور الحزب وموقعه في لبنان والمنطقة في المرحلة المقبلة؟

لقد انتشرت في الأيام القليلة الماضية تحليلات سياسية وإعلامية ودبلوماسية في بيروت، وعلى الصعيدين العربي والدولي تعتبر أن الحزب يواجه أزمة كبيرة قد تكون لها انعكاسات خطيرة على موقعه ودوره ومستقبله وقد تعرضه لتحديات جديدة لم يواجهها منذ تأسيسه في العام 1982 وحتى اليوم.

وفي الإجابة على هذه التحليلات والتوقعات، لا بد من الاعتراف بأن ما يواجهه الحزب اليوم من تحديات داخلية وخارجية ليست سهلة أو عادية، بل إنها تطال بنيته الداخلية والبيئة المؤيدة والداعمة له وبعض خطوط الإمداد الاساسية والتي كان لها دور مهم في صموده وانتصاراته طيلة السنوات الثلاثين الماضية.

لكن لا بد من توضيح بعض النقاط والإشكالات، كي نستطيع أن نحدد مستقبل الحزب في المرحلة المقبلة ومدى قدرته على الصمود في مواجهة كل هذه التحديات.

ومن هذه النقاط المهمة:

أولا: أن ازدياد التحديات والضغوط ليس ناتجا عن ضعف الحزب وتراجعه، بل يعود إلى تمدد دور الحزب وانتشاره الإقليمي والدولي، بحيث لم يعد عمل الحزب محصورا في لبنان وفي إطار المقاومة ومواجهة الكيان الصهيوني ودعم قوى المقاومة الفلسطينية، بل تعدى دوره إلى العديد من دول المنطقة وأصبح جزءا من محور إقليمي ودولي في مواجهة محاور أخرى، وأن بعض المعارك التي يخوضها قد انعكست سلبا على خطوط دعمه وتحالفاته وإمكانياته.

ثانيا: ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها الحزب لمعركة قاسية تهدف إلى تحجيمه أو العمل لتدمير وجوده وضرب البنية المؤيدة له، ولقد واجه في الثمانينات معارك قاسية ان من قبل النظام اللبناني ايام حكم الرئيس امين الجميل ومن ثم من قبل النظام السوري او حركة امل وادت تلك المعارك الى سقوط المئات من كوادر الحزب وضرب البنية الاساسية له في جنوب لبنان باستثناء منطقة اقليم التفاح وصيدا، كما تعرض الحزب الى عدة حروب تدميرية نفذها العدو الصهيوني ضده وضد البيئة المؤيدة له واخرها حرب تموز في العام 2006 ونجح الحزب في الخروج من كل هذه الحروب والصراعات اقوى واشد مراسا.

ثالثا: لقد جرى استهداف قيادات وكوادر الحزب منذ اللحظات الاولى لتأسيسه وقدم العديد من مسؤوليه شهداء في مواجهة العدو الصهيوني وأبرزهم أمينه العام السابق السيد عباس الموسوي والشيخ راغب حرب والحاج عماد مغنية ومئات الكوادر والقيادات الأمنية والعسكرية، لكن رغم ذلك نجح في الحفاظ على بنيته الداخلية وتحول إلى مؤسسة متكاملة وقوية وتملك الخبرات والطاقات.

رابعا: لقد تعرض الحزب، كما تعرضت إيران التي تدعمه، إلى حصار مالي وسياسي ودبلوماسي طيلة المراحل السابقة لكن تم تجاوز كل تلك المراحل الصعبة.

إذن هي ليست المرة الأولى التي يواجه فيها حزب الله معركة قاسية، كما أن إيران واجهت طيلة السنوات السبع والثلاثين الماضية معارك قاسة وتمت مواجهتها والخروج منها قوية، لكن اليوم يواجه الحزب معركة من نوع جديد وهناك تحديات متزايدة والظروف مختلفة، وكل ذلك يجعلنا ويجعل المراقبين يسألون: هل سيخرج الحزب سالما من هذه المعركة أم سيضطر إلى تقديم تنازلات معينة أم سيغير تكتيكاته وأسلوب عمله؟

حسب المطلعين على الأجواء الداخلية للحزب والمتابعين لمواقف قياداته وخصوصا الأمين العام السيد حسن نصر الله، فإنهم يؤكدون: أن الحزب سيستمر في المواجهة داخليا وخارجيا ولن يتراجع، وأن قيادة الحزب تؤكد أنه سيتم الانتصار في المواجهة الكبرى في المنطقة مهما بلغت التضحيات، وبالمقابل فإن الحزب مستعد لأية حرب جديدة قد يشنها العدو الصهيوني.

وبالنتيجة فإن حزب الله مستمر في المعركة والمسؤولون فيه يؤكدون فشل كل التوقعات التي تشير إلى تراجعه أو تغير موقعه ودوره.

وليس أمامنا وأمام المراقبين والمحللين سوى الانتظار والمراقبة كي نرى كيف سيخرج الحزب وجمهوره من هذه الأزمة المستمرة وكيف ستكون صورة الأوضاع في المرحلة المقبلة في لبنان والمنطقة؟