سياسة دولية

تركيا تقود حملة ضد مؤسسات غولن ومصالحه بالخارج

تدير حركة غولن 2000 مؤسسة تعليمية في نحو 160 دولة- أرشيفية
اجتمعت حكومة الصومال في العاصمة مقديشيو بعد مضي 12 ساعة على محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا لدراسة  طلب من أنقرة لإغلاق مدرستين ومستشفى على صلة برجل الدين فتح الله غولن الذي تلقي عليه تركيا مسؤولية المحاولة الانقلابية.

ولتركيا نفوذ كبير في الصومال، حيث تقود المساعي الدولية لإعادة الإعمار بعد عقود من الحرب وعدم الاستقرار ومن ثم فلم يكن القرار صعبا.

وأُمهل المدرسون وتلاميذ المدرستين الداخليتين الكبيرتين - وكلهم تقريبا صوماليون - سبعة أيام لحزم حقائبهم ومغادرة البلاد في حال كانوا أجانب. وتدير المدرستين أكاديمية النيل التعليمية التي يملكها غولن.

وقالت الحكومة في بيان صدر يوم 16 تموز/ يوليو: "بالنظر إلى طلب تركيا البلد الشقيق لنا فقد وافق وزراء الحكومة على النقاط التالية: وقف الخدمات التي تقدمها أكاديمية النيل بما في ذلك المدارس والمستشفيات وما إلى ذلك".

وبعد أسبوع تم تنفيذ القرار بالحرف الواحد.

وعلاقات تركيا مع الصومال وطيدة وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هو أول زعيم غير أفريقي يزور الصومال منذ قرابة 20 عاما عندما ذهب إلى هناك عام 2011 بينما كان لا يزال رئيسا للوزراء. وكانت تركيا مساهما كبيرا في مساعي الإغاثة الإنسانية خلال المجاعة عام 2011، وتواصل أنقرة بناء المستشفيات ونشر المساعدات عبر الصومال.

وإغلاق تلك المنشآت في الصومال جزء من حملة أوسع نطاقا لتقويض نفوذ غولن. وتعهد أردوغان "بتطهير" تركيا مما وصفه بأنه "سرطان غولن". ولا يلاحق أردوغان أنصار غولن في الداخل فحسب، لكنه يتعقب أيضا شبكة مدارسه ومصالحه الأخرى في جميع أنحاء العالم.

ولطالما كانت مدارس غولن مصدرا مهما للنفوذ والدخل لحركة "الخدمة" التي يقودها. وتدير الحركة 2000 مؤسسة تعليمية في نحو 160 دولة من أفغانستان وحتى الولايات المتحدة. وتكون هذه المدارس بشكل عام مزودة بالتجهيزات اللازمة، وتدرس منهجا علمانيا باللغة الإنجليزية، وتتمتع بشعبية بين أفراد النخبة السياسية والاقتصادية لاسيما في الدول الأفقر حالا.

ومثل المدرستين الصوماليتين توقف العمل في مستشفى ديفا وهو مركز طبي خاص نادر في مقديشو وله شعبية بين النخبة الصومالية الصغيرة.

وقال الرائد محمد نور لـ"رويترز": "العاملون الأتراك غادروا الصومال. هذه المؤسسات الآن أصبحت تحت إشراف الشرطة. لا توجد خدمات تعليمية أو طبية، تزورنا الممرضات يوميا للمراقبة ثم يعدن أدراجهن".

والصومال ليس البلد الوحيد الذي يشعر بحملة أردوغان الدولية على غولن الذي ينفي أي دور له في محاولة الانقلاب من منزله في الولايات المتحدة.

وإلى جانب تطهير الجيش والشرطة والقضاء للتخلص من أنصار غولن في الداخل، ضغطت تركيا على دول بينها ألمانيا وإندونيسيا ونيجيريا وكينيا وهي دول توجد بها مؤسسات يدعمها زعيم الكيان الموازي.

وتتمتع أذربيجان - مثلها في ذلك مثل الصومال - بعلاقات وثيقة مع أنقرة، وأغلقت يوم الجمعة محطة تلفزيونية مستقلة كانت تخطط لبث مقابلة مع غولن.

ممانعة

لكن دولا أخرى بدا أنها أقل حرصا على أن تحذو حذو الصومال وأذربيجان.

ففي كينيا التي نمت فيها مؤسسة تابعة لغولن من مدرسة تأسست في 1998  في ضاحية كيبيرا الفقيرة في نيروبي إلى شبكة من المؤسسات الأكاديمية على مستوى البلاد قاومت الحكومة ضغوطا لإغلاق تلك المؤسسات.

وقال مصدر في وزارة الخارجية لـ"رويترز": "طلب مسؤولون أتراك من كينيا إغلاق المدارس التابعة لغولن في عدة مناسبات قبل محاولة الانقلاب، لكن الحكومة الكينية لم تتحرك وفقا لتلك الطلبات".

وأضاف المصدر أن السفير التركي يطلب اجتماعا آخر مع الحكومة منذ 15 تموز/ يوليو لكن الاجتماع لم يعقد بعد.

وقال المصدر: "لم يتم تحديد موعد لعقد الاجتماع".

وتلقت السلطات في ألمانيا التي يوجد فيها ما يقدر بنحو 14 مدرسة عليا لها صلات بغولن اتصالات أيضا. وقال فينفريد كريتشمان، رئيس وزراء ولاية بادن-فورتمبورغ، الواقعة في جنوب غرب ألمانيا، إنه تلقى خطابا من القنصل العام التركي يطلب فيه فحص قائمة مؤسسات مثل مدارس خاصة. وأضاف أنه أحال الخطاب للحكومة الاتحادية الألمانية.

وقال كريتشمان لمحطة (إيه.آر.دي): "لا أعتقد أن من المسموح على الإطلاق لدولة أجنبية التدخل في شؤوننا الداخلية... نحن المسؤولون عن تلك المؤسسات وليس أي طرف آخر. سنحكم على هذه المؤسسات وفقا لتقديرنا الخاص وليس لدينا علم بأي شيء سلبي حيالها".

واتخذت إندونيسيا - وهي دولة أخرى تمكنت مؤسسات غولن من الانتشار فيها - موقفا مشابها.

وقال برامونو أنونج، سكرتير مجلس الوزراء، للصحفيين: "إندونيسيا دولة ديمقراطية وستضع دائما السياسة الحرة والنشطة كأولوية. الشؤون الداخلية لإندونيسيا تبقى مسؤولية إندونيسيا".

وأضاف: "هذا يشمل أي شخص حظي رسميا باعتراف الحكومة الإندونيسية".

والأغلبية العظمى من موظفي المدارس التي يدعمها غولن في نيروبي عاصمة كينيا ومدينتي مومباسا وماليندي الساحليتين من الكينيين. وتقدم هذه المدارس حصصا تتشابه مع منهج التدريس البريطاني وهو عامل جذب كبير للمسؤولين الحكوميين الذين لا يمكنهم تحمل تكلفة التعليم الخاص مرتفع المستوى وينفرون من المدارس الحكومية الكينية.

وقال أحد الأكاديميين في مدرسة (لايت إنترناشونال سكول) على موقعها الإلكتروني: "نحن نفعل ما هو أكثر من تخريج طلاب مؤهلين أكاديميا... فنحن ننشئ أفرادا يتمتعون بالمسؤولية الاجتماعية والحس الثقافي ويمثلون حقا مواطنين عالميين".

وقال مدير أحد المدارس التي يدعمها غولن في كينيا طالبا عدم ذكر اسمهّ، إن أنقرة كانت تضيق الخناق عليهم حتى قبل محاولة الانقلاب وإن جهودها مؤثرة وإن كان بشكل غير مباشر.

وأحد الأهداف الرئيسية لزيارة أردوغان لكينيا وأوغندا في حزيران/ يونيو كان هو القضاء على نفوذ غولن الذي كانت شبكته لوقت طويل أداة من أدوات القوة الناعمة لتركيا في أفريقيا، وهي قارة كانت لأنقرة طموحات كبيرة فيها.

وقال مدير المدرسة: "جاء الطلب من حكومتنا لحكومة كينيا بإغلاق المدرسة مباشرة بعد زيارة الرئيس التركي".

وأضاف أن من بين 410 طلاب في المدرسة يدفعون رسوما سنوية تقارب 5 آلاف دولار، فإن 148 طالبا فيها تتكفل بمصاريفهم منحة يمولها مجتمع الأعمال التركي الدولي سنويا بنحو 750 ألف دولار، لكنهم الآن يشعرون بالضغط بسبب حملة أنقرة.

وقال المدير: "هناك ضغوط بعد محاولة الانقلاب. اعتدنا أن نتلقى التمويل لكنه توقف. رجال الأعمال الأتراك الدوليون لا يستطيعون التكفل بالطلاب".

وأضاف: "لقد تحفظوا على صناديق من يساعدوننا وأعمالهم ليست في وضع جيد".