ملفات وتقارير

أمريكا تروج لتقسيم العراق بالتزامن مع معركة الموصل

تقدم مليشيات شيعية نحو الموصل يثير تخوفات من ممارسات طائفية ضد السنة- أ ف ب
مع انطلاق العملية العسكرية ضد تنظيم تنظيم الدولة في مدينة الموصل، ذات الأغلبية السُّنية، أخذت صحف ومراكز دراسات أمريكية تبشر بتقسيم العراق، باعتباره الحل الأمثل لأزمة السنة.
 
وعلى الرغم من وصف الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، للعملية التي انطلقت فجر الإثنين الماضي، بأنها خطوة مهمة نحو "فناء داعش النهائي"، إلا أن أوساطا عديدة في الولايات المتحدة فضلت اعتبار نجاح العملية -إن تم- مجرد "البداية" لحلقة جديدة في مسلسل أزمات العراق.
 
مأساة سنَّة العراق    
 
منذ غزو الولايات المتحدة للعراق عام 2003، تراجع الدور السياسي للمكون السني، الذي فضل خيار مقاومة الاحتلال، لحساب الشيعة، الذين سارعوا إلى تشكيل أحزاب والانخراط في العملية السياسية، التي تمت هندستها في واشنطن.
 
ولم تتمكن القوات الأمريكية من مواجهة حالة المقاومة التي عمّت مدنا عراقية عديدة، إلا أن دخول، أو إدخال، مجموعات متطرفة على الخط أربك المشهد السني وخلط الأوراق، حتى تشتت السنة بين خيارات الاستمرار في المقاومة، والانخراط في العملية السياسية، والمشاركة في عمليات "مكافحة الإرهاب" التي أطلقتها الحكومة العراقية.
 
مثل هذا المشهد فرصة سانحة لواشنطن للانسحاب، أواخر عام 2011، تاركة سنّة العراق بين مطرقة القاعدة، ومن بعدها تنظيم الدولة، وسندان الحكومة العراقية وقواتها والمليشيات التي تتبعها، التي تتهم جميعا بارتكاب عمليات إبادة وتهجير بحق السنة، بذريعة محاربة الإرهاب، علاوة على فقدان ذلك المكون العربي السني الرؤية والفاعلية السياسية.
 
التقسيم
 

خلص تقرير لصحيفة "ذي واشنطن تايمز" (The Washington Times)، الثلاثاء، إلى أن حديث السيناتور الأمريكي، جو بايدن، عن تقسيم العراق إلى ثلاث مناطق حكم ذاتي، قبل عقد من الآن، يبدو على وشك التطبيق اليوم.
 
من جانبه، أصدر معهد "هادسون" (Hudson) للأبحاث، ومقرّه واشنطن، قبل أيام، دراسة مفصلة للمسؤول السابق في الاستخبارات الأمريكية، مايكل بريغينت، عن فرص قيام دولة غربي العراق، منتهيا إلى امتلاك المنطقة جميع مقومات الدولة، أو الحكم الذتي على أقل تقدير.
 
وخلصت دراسة "بريغينت" إلى اعتبار استقلال سنّة العراق الحل الوحيد لمعاناتهم، انطلاقا من التأكيد على أنهم وحدهم القادرون على هزيمة تنظيم الدولة بشكل نهائي، في حال تم ضمان منحهم سلطة ما، مستدعيا التجارب السابقة للقوات العراقية والأجنبية مع التنظيم، ومشككا في قدرتهم على تحقيقها انتصارا ساحقا في الجولات المقبلة، بما فيها معركة الموصل.
 
وإذ لم تنكر الدراسة وجود أزمة قيادة وتمثيل لدى السنّة، فإنها اقترحت أن تمثل الانتخابات المحلية في العام المقبل فرصة لظهور كيانات سياسية إلى السطح، دون أن تناقش واقعية ذلك وفرصه في تجنيب ذلك الكيان الجديد الفشل، الذي تشهده دول عربية أخرى، لا تعاني من طائفية العراق.
 
أما بالنسبة للعرب السنة في العراق، فإن فكرة التقسيم لم تكن واردة لديهم على الإطلاق، كما تشير تقارير عدة نشرت في السنوات الماضية، بل إن تقريرا استقصائيا لمجلة "وول ستريت جورنال" (Wall Street Journal) الأمريكية، أجري في 9 نيسان/ أبريل 2015، وجد بأن كثيرا من العرب السنة لا يتقبلون فكرة أنهم أقلية في البلاد، ويعتقدون بأن لهم حقا في مدن أخرجوا منها، أهمها بغداد والبصرة.
 
وتقود المعطيات السابقة إلى التساؤل فيما إذا تم، ويتم، وضع أهل السنة قسرا أمام القبول بإقليم مصغَّر ومدمَّر وضعيف اقتصاديا وسياسيا، باستخدام الإرهاب، تارة جراء ممارسات تنظيم الدولة، بعد الانسحابات المفاجئة للقوات العراقية، كما حدث في الموصل قبل عامين، ومن الأعمال الانتقامية والطائفية التي تمارسها المليشيات الشيعية تارة أخرى.

البداية وليس النهاية
 
تبنى هذا التوصيف لعملية الموصل عددا كبيرا من المراكز والمجلات والصحف الأمريكية خلال الأيام القليلة الماضية، فقد ذهبت تقارير لكل من شبكة "سي إن إن" و"هافينغتون بوست" و"ذي هيل"، إلى التشكيك في وضع المعركة نهاية لتنظيم الدولة، وبأن الصراع سينتقل إلى بقعة أخرى.

من جانبه، تبنى تقرير "ستراتفور" (Stratfor) رؤية أكثر قتامة، باعتبار أن الصراع سيمتد ليشمل أطرافا إقليمية، يبقى فيه العراقيون الخاسر الأكبر، في حين تساءل تقرير لـ"ذي إكونوميست" (The Economist) عن الخطوة القادمة لـ"سُنّة العراق الغاضبين"، الذين قدرت أعداد النازحين "قسرا" منهم بـ2.5 مليون، من أصل 7 ملايين.
 
أشارت تلك التقارير، تصريحا وتلميحا، إلى اعتبار "الإقليم" حلا "منطقيا"، بينما فضل تقرير "ذي إكونوميست" أن ينقل ذلك على لسان "شيخ من الفلوجة"، لم تسمّه، طالب بعودة الأمريكيين والبريطانيين، لحماية "الإقليم السُنِّي".

تجدر الإشارة إلى أن حكومة بغداد رفضت تقديم أي ضمانات حقيقية لممارسات قواتها بحق المدنيين، أو ضمان القضاء الفعلي على تنظيم الدولة، كان أقلها السماح لقوات تركية محدودة، بأن تشارك في العمليات، وهي التي تتعرض بلادها للتهديدات اليومية، منذ سنوات، جراء الأوضاع الأمنية التي يشهدها العراق.